المشهد الأول:

جلس الداعية الكبير (فى السن) فى منزله الصيفى يتأمل مياه البحرالزرقاء (التركوازية)، وأخذ يتفكر فى مستقبل الأمة والتى رضى الله عليها بأن جعله أحد دعاتها الأفاضل، وفى نفس الوقت أخذ يتفكر فى مستقبل أبنائه وكيف يوفر لهم سبل الحياة ويؤمن لهم مستقبلهم، فقام بطلب حضور إبنته للتحدث اليها فى أمور حياتها.

وحضرت الفتاة وجلست الى والدها وبدأ بينهما الحوار التالى:
_ أمرك يابابا.
_ طلبتك يابنتى للتحدث فى أمور مستقبل حياتك.
_ أمرك يابابا، إيه جايب لى عريس ؟!!
_ عريس إيه الله يجازيك يابنتى، أنا بأتكلم عن مستقبلك العلمى.
_علمى إيه يابابا أنا خلصت دراستى، والحمد لله.
_ لأ يابنتى طلب العلم من المهد الى اللحد، "وهل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، عاوزينك نشوفك دكتورة كده قد الدنيا.
_ دكتورة إيه يابابا أنا خلصت بكالوريوس فى العلوم والحمد والله.
_ عاوزين نشوفك كده معاك شهادة الدكتوراه من أكبر الجامعات، وأنا كلمت لك واحد صاحبى فى أمريكا، ومستعدين يقبلوكى فى أكبر جامعة فى واشنطن.
_ عاوز تبعتنى أمريكا يابابا، ده كنت فاكراك مابتحبش أمريكا.
_ ومين قال إنى بأحب أمريكا، أنا بأبعثك أمريكا علشان فيها جامعات محترمة وفيها أمان والمعيشة فيها مريحة، وبرضة يبقى أسمك واخدة شهادة كبيرة من أمريكا.
_ ده أنا كنت أفتكر إنك حاتبعتنى لجامعة إسلامية أو على الأقل فى بلد إسلامى، زى جامعة أم القرى أو جامعة القيروان أو جامعة كراتشى.
_ كراتشى إيه وهباب إيه، واللى يسألك واخدة الدكتوراه بتاعتك من جامعة إيه تقولى له من كراتشى، ده كلام، أنما لما تقولى واخدة دكتوراه من جامعة جورج تاون فى واشنطن، يكون لها وقع تانى.
_ وأنا حأقدر أروح وأعيش لوحدى فى أمريكا، مش حيلزمنى (محرم) ؟
_ (محرم) إيه بس ياشيخة، واحدة دكتورة قد الدنيا برضة حتحتاج (محرم)!! الله يجازيك!!
_أمرك يابابا، اللى تشوفه.

...............

المشهد التانى:

يحضر خادم الشيخ ويخبره أن هناك فتاة شابة ترغب فى مقابلته وتقول أنها تطلب رأيه فى مسألة شرعية، فيأذن لها الشيخ بالدخول.
_ السلام عليكم يا فضيلة الشيخ.
_ السلام عليكم يابنتى، إيه مشكلتك.
_ أنا والله يافضيلة الشيخ متجوزة، وعندى أولاد وأنا لسة بأدرس فى الجامعة فى كلية التجارة، ونفسى أكمل تعليمى الجامعى علشان أقدر أشتغل بوظيفة كويسة، وجوزى ممانع ويطلب منى الجلوس فى البيت علشان أربى الأولاد، وهو على فكرة فشل فى تكميل تعليمه وعلشان كده مش عاوزنى أكمل تعليمى.
_ زوجك يابنيتى على حق، المرأة مكانها المنزل لتربية أولادها، "وقرن بيتوكن" ، وكما قال الشاعر:
الأم مدرسة اذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
_ "أعراق" إيه يافضيلة الشيخ أنا مش عاوزة أروح العراق، أنا عاوزة أتعلم وأشتغل شغلانة كويسة.
_ يابنتى الله منحك أفضل وظيفة، وهى وظيفة الأم، يجب أن تتقنيها وسوف يساعدك الله.
_ يافضيلة الشيخ، ماهية جوزى ما بتكفيش لغاية نصف الشهر، وباقى الشهر بندور نشحت ونستلف.
_ يابنيتى الله هو العاطى الوهاب، "ويرزقكم من حيث لا تعلمون"، يابنتى أقتنعى بما قسمه الله لك، واذا كان ولا بد من الشغل، ممكن تيجى تشتغلى هنا عندنا فى البيت، إحنا محتاجين واحدة كويسة زيك تساعد فى شغل البيت.
_ يكون لى الشرف يافضيلة الشيخ، بس أنا مش عاوزة أشتغل خدامة، أنا عاوزة أكمل دراستى، ده أنا والله كنت بأحب التعليم زى عينى، وكنت متفوقة جدا.
_ خدامة إيه ياعبيطة "خادم القوم سيدهم".
_ أنا مش عاوزة أكون "سيدهم"، ده أنا بنت غلبانة على قد الحال، فتك بعافية يافضيلة الشيخ، وكتر الله من أمثالك!!

.......

المشهد الثالث:

يدخل إبن الشيخ عليه بعد أن أتم صلاة العشاء :
_ حرما يابابا، خير ماروحتش الجامع ليه.
_ لقيت نفسى تعبان شوية، فقلت أصلى فى البيت.
_أنا لى طلب صغير عندك يابابا.
_ أؤمر ياقمر!!
_ أنا عاوز أغير العربية المرسيدس اللى عندى.
_ ليه ياأبنى حد يلاقى عربية زى المرسيدس.
_ أيوه يابابا المرسيدس على عينى وراسى، بس أنا عاوز عربية شبابى شوية.
_ سيبك دلوقت من العربيات والكلام الفاضى ده، أنا عندى ليك مفاجأة كبيرة.
_ إيه عربية؟!
_ عربية إيه بس، إنت ما فيش فى دماغك غير العربيات، أنا قررت أبعتك للجهاد فى سبيل الله.
_ جهاد إيه يابابا، أنا مش عاوز أموت، أوعى تكون عاوزنى أروح أفغانستان أو الشيشان أو العراق.
_ شيشان إيه يابنى، الجهاد فى سبيل الله له درجات، وأنت أنسب درجة تناسبك هى الجهاد فى سبيل العلم، أنا قررت أرسلك الى إنجلترا لدراسة الطب.
_ هايل بابابا، هناك ممكن أشترى عربية (جاجوار) سبور، دى عربية شيك خالص.
_ العربية أمرها سهل، لكنى عاوز تنجح بتفوق، أنا حأبعثك الى جامعة أدنبرة.
_ لكن إنجلترا دى مش من ضمن بلاد الكفار.
_ ديننا حض على طلب العلم فى أى مكان "أطلبوا العلم ولو فى الصين"،"ومن تعلم لغة قوم أمن مكرهم". وأنا عاوزك تجيد اللغة الإنجليزية إجادة تامة لأنها حتكون وسيلة نجاحك فى الدراسة والحياة.
_ أمرك يابابا ربنا يخليك لينا، بس أوعى تنسى العربية!!

...............

المشهد الرابع:

يدخل خادم الشيخ ويخبره بأن إبن عم إبراهيم الجناينى يطلب مقابلته، ويأذن له الشيخ بالدخول.
يحاول الشاب تقبيل يد الشيخ فيسحب الشيخ يده على إستحياء ويدعه يقبل طرف يده.
_أستغفر الله ياإبنى، أتفضل.
_ زاد الله فضلك يافضيلة الشيخ.
_إيه طلباتك ياحبيبى، ده والدك إبراهيم ده راجل كله بركة، ومخللى الجنينة عندنا زى الفل.
_ الله يخليك، أنا الحقيقة خلصت تعليمى وتخرجت من كلية الآداب قسم الفلسفة، وكنت عاوز سيادتك تساعدنى علشان أتوظف.
_ الله يجازيك يإبنى، حد برضه يدرس فلسفة، مش عارف إن الفلسفة ده علم الجدال، "ولا جدال فى الدين".
_ والله مجموعى فى الثانوية العامة لم يمكننى من أكثر من كده.
_ المهم إنت أسمك إيه ياإبنى.
_ أنا أسمى (مصطفى).
_ ما شاء الله، تعرف يامصطفى إن أمك داعية لك، لأن الله قد إصطفاك للشغلانة اللى حاأقول عليها.
_ربنا يخليك لينا، شغلانة إيه إن شاء الله.
_ أنا حأرسلك فى بعثة فى سبيل الله لنشرالدعوة وللجهاد فى سبيل الله.
_ فين إن شاء الله.
_ أنا عاوزك تروح بلاد الشيشان.
_ حتجيب لى عقد عمل هناك.
_ عقد عمل إيه الله يخيب ظنونك، إنت حيكون عندك عقد عمل مع قاضى كل الحاجات ومستجيب الدعوات.
_ مش فاهم.
_ يأبو مخ زنخ، إنت حتعمل فى الجهاد فى سبيل الله ومحاربة الكفار.
_ يا فضيلة الشيخ أنا شاب على قد حالى، ونفسى أشتغل أى شغلانة وأتجوز البنت اللى بأحبها.
_ الحب شئ جميل، ولكن : "كيف تفضل حب المخلوق على محبة الخالق".
_ أنا والله بأحب ربنا وبأصلى كل الفروض، لكن عاوز أشتغل وأبنى حياتى وأعيش مع خطيبتى أن شاء الله فى عشة فوق السطوح، وكان نفسى إنك تساعدنى.
_ أنا حاساعدك يإبنى علشان خاطر والدك الحاج إبراهيم، خد 300 دولار، روح طلع لنفسك جواز سفر وأشترى هدية لخطيبتك، وبعد كده تروح للعنوان ده، وهم حيرتبوا لك كل أمور السفر.
_ أنا يافضيلة الشيخ مش عاوز أموت ولا عاوز أموت حد، أنا بأحب كل الناس، أنا بأسمع إن الشباب اللى بيروح البلاد البعيدة بيموتوا نفسهم وبيموتوا ناس كثير معاهم مالهمش ذنب، وأنا لسه شاب والحياه والمستقبل لسه قدامى.
_ يإبنى المستقبل بيد الله، والأعمار بيد الله، "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون"، والناس اللى بتقول مالهمش ذنب دول بيموتوا إخوانك وبيغتصبوا أخواتك البنات فى أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين، وإذا الشباب اللى زيك مش حيدافعوا عن أعراضهم، يبقى مين اللى حيدافع، وخطيبتك حتكون فى إنتظارك لما ترجع إن شاء الله، وإذا كتبت لك الشهادة، يكون من حظك، وسوف تكون فى الجنة ونعيمها وتكون فى منزلة الرسل والأنبياء وسوف ترى الحبيب المصطفى فى جنة الخلد، وسوف يكون لك 72 عذراء من الحور العين رهن يمينك، والحياة الدنيا زائلة يابنى، والحياة الآخرة هى الأبقى.
_ اللى تشوفه يافضيلة الشيخ، أنا تحت أمرك.
_ يايلا يإبنى قوم توضأ ونصلى المغرب جماعة وربنا سيسهل لك كل الصعاب، طالما أنت تجاهد فى سبيل الله، وتذكر دائما حب الخالق أسمى كثيرا من حب المخلوق.
.......

عزيزى القارئ هل وجدت المجرم الحقيقى وراء جريمة 11 سبتمبر عام 2001؟

اليوم بعد مرور ثلاث أعوام نعتذر نحن المسلمون والعرب الشرفاء لأسر ضحايا هذه الجريمة البشعة، كما نعتذر لضحايا جريمة بالى فى أندونيسيا، ونعتذر لضحايا جريمة معبد حتشبسوت بالأقصر، ونعتذر لضحايا جرائم القتل اليومية بالعراق، ونعتذر لضحايا العمليات الإرهابية بالخبر والرياض، ونعتذر لضحايا مذابح الفضائيات والإنترنت، ونعتذر لضحايا أسر جريمة مسرح موسكو، ونعتذر لضحايا أسر قتلى تفجيرات الإتوبيسات والمطاعم فى القدس وحيفا وتل أبيب وبير سبع، ونعتذر للضحايا الغلابة من عمال نيبال ونعتذر لأسرة السائق المصرى الذى ذبح على شاشات الإنترنت، ونعتذر لأبشع الجرائم الأخيرة وهى جريمة قتل أطفال بيسلان ونعتذر لكل ضحايا أرهاب الميليشيات التى تتمسح بأسم الله والله منهم برئ وهم فى أسفل سافلين.
ولكننا نقول "وراهم والزمن طويل".

[email protected]

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف