إغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ، الذي تم ظهر يوم الأثنين الموافق الرابع عشر من فبراير 2005 ، فتح ملف الوضع الداخلي اللبناني المتعلق بالإحتلال السوري للبنان ، خاصة في ضوء تصاعد الرفض اللبناني الداخلي للإحتلال السوري، وإنضمام شرائح واسعة من الطيف السياسي اللبناني ، لم تقتصر على الشارع المسيحي المتمثل فيما يسمى ( لقاء قرنة شهوان )، بل إنضم إليها بقوة الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط ، الذي تمت منذ أسابيع قليلة محاولة إغتيال الوزير المحسوب عليه مروان حمادة، عبر عملية تفجير كبيرة نجا منها ، وقد أعقب ذلك دخول رفيق الحريري ضمن صف المطالبين بإنهاء الوجود السوري في لبنان، وقد كان ملفتا للنظر أنه قبل أيام أصدر حزب البعث اللبناني المرتبط بسورية بيانا طالب بإعتقال وليد جنبلاط وتقديمه للمحاكمة بتهمة التحريض على الوجود السوري في لبنان. اما المداخلات الدولية كافة فقد صبت في سياق إتهام سورية، فقد طالبت فرنسا رسميا بتحقيق دولي في عملية ألإغتيال، وهذا يعني عدم الثقة في السلطة اللبنانية للتحقيق في العملية، وقد أعقب ذلك إتصال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بوليد جنبلاط ، طالبا منه أن يتخذ الحيطة والحذر ، وهذا يعني أن هناك خوفا على حياته بعد تصعيده خطابه السياسي ضد الوجود السوري ، أما بيت القصيد في المسألة ، فهو البيان الذي صدر عن إجتماع المعارضة اللبنانية في قريطم بحضور وليد جنبلاط ، وأصدرت بيانا مهما ، طالبت فيه ، بالإضراب لمدة ثلاثة أيام إعتبارا من يوم الثلاثاء الموافق الخامس عشر من فبراير ، ومطالبة الحكومة اللبنانية بالإستقالة ، وتحميل سورية المسؤولية بصفتها صاحبة الوصاية على لبنان ، كما طالبت المعارضة بضرورة الرحيل عن لبنان قبل الإنتخابات القادمة ، والمطالبة بلجنة تحقيق دولية لعدم الثقة في السلطة اللبنانية ، وإعتبار إجتماع المعارضة هذا مؤتمرا وطنيا لبنانيا ، يجتمع بصفة دائمة لبحث الوضع اللبناني الطارىء عقب عملية الإغتيال.
كل هذه التطورات ، وما سبقها من تصاعد الإحتجاجات اللبنانية على الإحتلال السوري للبنان، وعدم إنصياع سورية لقرار الأمم المتحدة رقم 1559 المطالب بخروج الجيش السوري من لبنان ، والتهديدات السورية للمعارضة، خاصة بعد رفض وليد جنبلاط قبل إسبوعين الإجتماع مع ضابط المخابرات السوري في لبنان، وجولة المباحثات التي أجراها المسؤول السوري وليد المعلم في لبنان، وما رشح عنها من أنه إستعمل إسلوب التهديد المبطن لقوى المعارضة التي تطالب برحيل الجيش السوري ، وهبوب رياح التغيير الديمقراطي العالمية التي لا تستطيع سورية التغاضي عنها خاصة تصاعد الر فض اللبناني للإحتلال السوري ، بدليل أنه طوال نصف القرن الماضي ترفض سورية تبادل التمثيل الدبلوماسي مع لبنان، وهذا قرار ونية إحتلالية سورية للبنان ، فمن غير المقبول ولا المفهوم أن لبنان العضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية، ترفض سورية العضو في المنظمتين ألإعتراف بلبنان دولة مستقلة ، وبالتالي ترفض تبادل التمثيل الدبلوماسي مع لبنان.
وفي وقت لاحق صدرت العديد من التعليقات اللبنانية التي تدافع عن سورية، ولكن كلها كانت من المحسوبين على سورية ، في حين أن أغلب الزعامات اللبنانية الإسلامية والمسيحية ، توجهت بالإتهام إلى سورية، ومنهم الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، ومن المهم التذكير بأن إجتماع المعارضة اللبنانية وصف لبنان بأنه بلد ( أسير)، كما ركزوا على إتهام السلطة اللبنانية بالتحريض ضد رفيق الحريري قبل أسابيع وهددت علنا بعقابه ، لذلك فإن طبيعة العملية التي إستهدفت رفيق الحريري، وأودت بحياته ، ومستوى التخطيط لها، يؤشر على مستوى لا يتوفر في لبنان إلا للمخابرات السورية ، لذلك نفت المعارضة اللبنانية صحة البيان الذي ظهر في الفضائيات حول تنظيم وهمي إسمه ( الجهاد في بلاد الشام )، وسرعة صدور هذا الفيديو، يؤشر أيضا عن التحضير الداخلي لعملية الإغتيال، والخطير في الأمر، الشخص الذي ظهر في الشريط وتسميته على أنه ( فلسطيني ) ، وهذا سوف يسهل إنحراف التحقيق عن موضوعيته ، لذلك تصاعدت المطالبة بتحقيق دولي ، وقد كان عملا ملحوظا هو تصاعد الجرأة في نقد الوجود السوري في لبنان ، ونقد السلطة اللبنانية التي تم التمديد لها بضغوط سورية، نتج عنها تغيير الدستور، هذه السلطة التي حتى الآن لم تعلن المسؤول عن محاولة إغتيال الوزير مروان حمادة ، لذلك ليس من المؤمل أن تحقق السلطة اللبنانية بحيادية في إغتيال رفيق الحريري . المهم أيضا أن المسؤولين السوريين خاصة وزير الإعلام دافعوا عن الموقف السوري بخطابات وشعارات وبكاء على الوحدة الوطنية اللبنانية ، دون أن يردوا على أي نقطة في بيان المعارضة اللبنانية خاصة الدعوة لخروج الجيش السوري من لبنان الذي وصفوه بالوطن الأسير....كل المعطيات تدين سورية بهذا الإغتيال ، وربما سوف يفتح هذا الإغتيال باب التجرؤ على الإحتلال السوري بشكل أكثر جرأة كما ظهر وبدى في الساعات الماضية ، خاصة خطاب المعارضة اللبنانية ، لأنه من غير المنطقي أن تعلن سورية عن إستعدادها للتفاوض مع إسرائيل بدون شروط ، والكل يعرف أن هذا سيؤدي إلى سلام سوري مع إسرائيل وتبادل تمثيل ديبلوماسي ، وفي الوقت ذاته طوال مايزيد على نصف قرن ترفض سورية الإعتراف بلبنان كدولة مستقلة.

كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو
[email protected]