يشكل " المنفى " في حياة المبدع العراقي، صورة لواقع مؤلم، واقع الزمن المسروق، صورة عجزت سنواتها الخوالي، وهي تقترب من نصف قرن، أن تجسد ملامحها الحقيقية لتضعها في معرض التاريخ العراقي، فما زالت منهمكة في رسمها على الرغم من سقوط التمثال وتزاحم أسراب الجيوش.
هذه الحقيقة - حقيقة المنفى – أصبحت ظاهرة للعيان منذ زمن بعيد، منذ أن أخذ المبدع العراقي يترجم مرارة يومه ولوعته في بلاد المنافي، فظهرت " ثقافة المنفى " و " فن المنفى " والأغنية والفلم السينمائي والمسرحية وغير ذلك. وراح الكتاب والمثقفون العراقيون يكتبون ويقيمون الأماسي والندوات والمهرجانات كي يصل صوتهم إلى أقاصي بقاع الأرض، ليقولوا " نحن نعيش المنفى ". وخير ما جمع تلك الكتابات والآراء والنشاطات مجلة تحمل عنوان " البديل " وهي من إصدار رابطة عراقية تشكلت في المنفى تحت اسم ( رابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين الديمقراطيين العراقيين ) والتي كانت تضم خيرة المبدعين العراقيين، وكان الأستاذ مفيد الجزائري وزير الثقافة العراقية حالياً أحد أعضائها الفاعلين.
ما الذي تغير الآن؟ .. فبعد أن كان المبدع العراقي منفي من قبل السلطة الدكتاتورية، أصبح منفي من قبل الإرهابيين من الأصولين ومرتزقة النظام السابق والصوص والمنتفعين، فعجلة المنفى لا تزال في دورانها وهي تطحن سنوات الزمن المسروق من حياة المبدع العراقي.
ترى هل يجرؤ أحد أن يسرق سنوات المنفى من عمر المبدع العراقي ليحولها إلى سنوات " إغتراب "؟.
بكل تأكيد سيأتي الجواب بالنفي القاطع، لولا ما حدث في الرابع عشر من الشهر الحالي وفي العاصمة الأردنية عمان، حيث أقيم مهرجان برعاية وزارة الثقافة العراقية التي يرأسها العراقي المنفي سابقاً، السيد مفيد الجزائري الذي عاش نصف عمره في المنفى وذاق مرارته وهوانه. أقيم المهرجان تحت عنوان " مهرجان الاغنية العراقية للمطربين المغتربين "، والمفهوم الواضح من هذا العنوان، أن الهدف من المهرجان هو لم شمل المطربين الذين خرجوا من العراق بعد سقوط التمثال وكذلك الذين خرجوا قبل ذلك التاريخ بجوازات سفر عراقية وبموافقة السلطة الساقطة ولم يعودوا إلى بلدهم لأسباب غير سياسية. ولكن نجد أن الدعوة قد قدمت إلى فنانيين وشعراء عراقيين عاشوا المنفى لسنوات طويلة بسبب قرارت السلطة الساقطة التي تضمنت أحكام الإعدام وإسقاط الجنسية ومصادرة الأموال وحتى تطليق الزوجات. ترى هل ينطبق اسم المهرجان على هؤلاء .. هل كان مظفر النواب وكوكب حمزة ورياض النعماني من المغتربين العراقيين على الرغم من عضويتهم في رابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين الديمقراطيين العراقيين؟. التفسير الوحيد الذي أجده في إختيار ذلك العنوان للمهرجان، هو أن وزارة الثقافة العراقية أرادت أن تجمع في مكان واحد رموز فناني المنفى - الرموز فقط - الذين وقفوا بفنهم وإبداعاتهم بوجه الطغمة الدكتاتورية الساقطة، بأولئك الذين سخروا كل امكناتهم الفنية والأدبية لخدمة التكتاتور، لتكون المجموعة الأولى وبمباركة وزارة الثقافة، أداة تزكية للثانية، خصوصاً وأن وزارة الثقافة والقائمين على إدارة المهرجان لم يعلنوا الهدف من إقامته.
فلكلمة " مغترب "، كانت ولا تزال كلمة مفزعة بل ومقرفة في نفس المبدع العراقي الذي عاش المنفى، وهي كذلك، فالعراقي وحده تفرد بطعم منفى مرير، لم يعرفه منفيو الدول الأخرى، خصوصاً بعد أن دس النظام الدكتاتوري الزائل مرتزقته في بلاد المنافي تحت اسم ( جمعية المغتربين العراقيين ) لمحاربة كل أشكال الإبداع العراقي الذي وقف بوجه السلطة الدكتاتورية ومخططاتها القذرة.
ترى هل وقفت الكلمات عائقاً في إختيار اسم المهرجان .. ألم يكن من الأفضل تسمية المهرجان بـ " مهرجان أغنية العراق الجديد " أو " مهرجان الملحن الراحل كمال السيد " أو " مهرجان الأغنية العراقية " أو " مهرجان الشاعر الراحل أبو سرحان " وهناك الكثير من الأسماء والعناوين التي لا تزتفز مشاعر الفرد العراقي البسيط الذي دفع الكثير من حياته وأبنائه وفرحه بسبب ظلم الطغمة الدكتاتورية الساقطة ومرتزقتها من أبواق فنية؟. ولماذا أقيم المهرجان في الأردن وليس بمدينة عراقية آمنة مثل المدن الكردستانية، في الوقت الذي يغلي فيه الشارع العراقي غضباً على الحكومة الأردنية ووزارة ثقافتها ويطالبها بتقديم الإعتذار جراء العملية البشعة التي قام بها أحد الأردنيين في مدينة الحلة، والتي باركتها بعض الصحف الأردنية التابعة لوزارة الثقافة، حيث أسمتها ( عرس الشهداء ). يبدو أن تعهد وزارة الثقافة الأردنية بدفع تكاليف المهرجان هو الذي دفع إلى إصدار قرار إقامته هناك، وليس إحترام مشاعر وتاريخ الفرد العراقي!!.
والسؤال الأخير، هو، أين تلك الأسماء العراقية التي عاشت المنفى داخل الوطن وخارجه .. لماذا لم يشاركوا في هذا المهرجان .. هل قدمت الدعوة إلى سامي كمال، فلاح صبار، شوقية، فؤاد سالم، قحطان العطار، حميد البصري، أنوار عبد الوهاب، محمد حسين كمر، فريدة محمد علي .. وغيرهم؟
أما الأسئلة الأخرى فأتركها للقارئ وهو يقرأ نص كلمة السيد وزير الثقافة في إفتتاحه المهرجان.
[email protected]

*****


كلمة وزير الثقافة الاستاذ مفيد الجزائري
في افتتاح (مهرجان الاغنية العراقية للمطربين المغتربين) عمان – 14 اذار 2005

الحضور الكريم
تقيم وزارتنا (مهرجان الاغنية العراقية للمطربين المغتربين) في مفتتح توجه لإحتضان الأصوات العراقية الاصيلة، لإيماننا أن كلّ أغنية هي وعدً، وقَسَم، وصباح جديد، هي إشارة خير تطلّ مع إشراقة الانتخابات التي مارسها شعبنا اخيراً ،لأول مرة، عندما ترك وراءه الخوف والتهديد والارهاب ليقترع ممارساً حقه المغتصب حتى الامس القريب، ويبدأ يقرر مصيره ومستقبله.
ايها الاخوة الفنانون ... المطربون.. والملحنون.. ايها الشعراء .. والموسيقيون... والفنيون....
إنّ مهرجانكم هذا غير عاديّ لأنه إلتأم في وقت غير عادي.. واسمحوا لي ان اذكّر بان بعضكم نال الشهرة حتى في عهد النظام السابق، بفضل مواهبه قبل كل شيء وهذا لا يدعه ولا يدعنا أن نحسبه على الماضي الذي ولّى.. . فانتم – جمعياً - حصة العراق .. وصوت العراق ..واغنية العراق .. فالعراق وطن الجميع .. وطن الحرية الذي لايقبل أن يكون أسير الظلم والظلام .. انه وطنكم أيّها المبدعون الرائعون.. فأهلاً بشاعر العراقيين مظفر النواب
وأهلاً بكوكب حمزة
أهلاً بسعدون جابر
وأهلاً بحسن الشكرجي
اهلاً برياض النعماني
أهلا بحمزة الحلفي
أهلاً بجمعة العربي
أهلاً بباسم العلي
أهلاً بمحمد عبد الجبار
أهلاً بماجد الحميد
أهلاً برعد حبيب
أهلاً بنرمين
أهلاً بمظفر الأمير ..وفيصل حمادي .. واسماعيل فاضل.. وهمام ابراهيم ..... وبدور .. ودالي.
أهلاً بالموسيقيين والفنيين كافة.
وأقدم شكري الخاص .. وشكرَ وزارة الثقافة العراقية .. للحكومة الأردنية .. ولوزارة الثقافة الأردنية الشقيقة.. لدوريهما في إقامة مهرجاننا الفني هذا وإنجاحه.
ودعوة ُ مفتوحة – باسم وزارتنا – لكم جميعا أيها المتألقون في أمسية بغداد العمانية .. للمشاركة والإسهام في (مؤتمر المثقفين العراقيين) الذي يعقد يوم 12 نيسان المقبل لتحددوا مسار الابداع العراقي ومدياته..
أهلاً بقدومكم وسهلاً..
وشكراً لجميل حضوركم.

عن موقع وزارة الثقافة العراقية www.cultureiraq.org