[ القدس عروس عروبتكم /فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها /ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصراخ بكارتها /وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفاً /وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض /فما أشرفكم /لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم /إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم!!، هذا مجرد مقتطف من أشهر قصيدة هجائية سياسية عربية لواحد من أشهر الشعراء العرب المعاصرين وهو الشاعر العراقى مظفر النواب، كنا ونحن طلبة فى الجامعة نحفظ هذه القصيدة إلى جانب قصيدة هوامش على دفتر النكسة لنزار قبانى وأبانا الذى فى المباحث لأمل دنقل، ولكن كان لهذه القصيدة سحر خاص يتناسب مع درجة حماسنا ووعينا حينذاك، فنبرتها صارخة وألفاظها خارجة عن المألوف تصل إلى درجة السباب العلنى، فهى بإختصار قصيدة حراقة كانت تخرج الكبت المخزون لدينا وكأنها إستمناء شعرى، ولذلك كان حجم الصدمة هائلاً حين علمنا بأن مظفر النواب قد قرر حذف فقرات كاملة من هذه القصيدة عندما ألقاها فى معرض كتاب أبو ظبى إرضاء للحكام هناك !، وهذا التصرف يطرح أسئلة كثيرة ويثير قضايا هامة منها أن هذه القصيدة بمجرد كتابتها تقاسمنا ملكيتها نحن الجمهور مع كاتبها فهل يحق له فجأة وبدون سابق إنذار أن يتنازل عن أجزاء منها تماشياً مع موقف ما أو إرضاء لحاكم أو شيخ ؟،هل القصائد مثلها مثل البيتزا يقدم بعضها بالتونة وبعضها بالسجق على مزاج الزبون ؟،هل هناك أشعار هوم دليڤرى وإبداع تحت الطلب ؟،والسؤال الأخطر هل مع أنظمتنا العربية القامعة المهدرة للآدمية يجب على الشاعر أن يمتلك مناعة ضد الألم والإهانة ومرمغة الكرامة فى التراب ويظل برغم كل ذلك محتفظاً بنقاء إبداعه ؟، إن قراءة سيرة هذا الشاعر الذى تعدى السبعين عاماً و عانى من الإعتقالات والمطاردات وقاسى الأهوال لدرجة أنه فى إحدى المرات فر من نظام صدام ليعتقله السافاك الإيرانى وهو فى طريقه إلى روسيا ليعيده إلى البعث حيث يصدر حكم بإعدامه، ثم يتم العفو عنه ثم يعتقل مرة أخرى ليهرب بعد حفر نفق إلى خارج أسوار السجن، ويظل مطارداً حتى يستقر فى دمشق، والسؤال هل ندين الأنظمة العربية التى تتعامل مع المثقف كالكلب الأجرب أم ندين المثقف العربى نفسه الذى يلهث وراء العظمة الملقاة فى سلة القمامة ؟،تفرض علينا سيرة هذا الشاعر المليئة بالأهوال علامة إستفهام مؤرقة وهى هل لابد من أن نتسامح مع المثقف العربى المنحوت من ضعف البشر لامن صلابة الجرانيت حين يأكل فى الجنادرية ويقبل جائزة صدام أو يكتب للقائد رواية من الباطن أو يمدح أميراً أو يحذف أبياتاً من باب الإتيكيت أو الخوف أو إنتظار صرة الريالات؟!!،أم لابد لمجتمع فقد ضميره أن يكون له الحق فى الإحتفاظ بصدق إبداع فنانيه لأنهم صوت الضمير قبل أن يحتضر إكلينيكياً ؟،صدقونى لم أستطع حسم هذه القضية وأدعوكم للمشاركة فى حلها.
- آخر تحديث :
التعليقات