حينما تقدم مظفر النواب إلى خشبة المسرح داخلا من بابه الجانبي، حياه الجمهور وقوفاً وبالتصفيق لعدة دقائق، قبل أن يبدأ مظفر في إلقاء قصائده.. فماذا ألقى؟
قصائد فصحى
قصائد باللهجة العراقية
ثم قصائد فصحى
ثم استدار مظفر وكأنه سوف يغادر المسرح، ثم التفت عائداً إلى المنصة ورفع يده وصوته (القدس عروس عروبتكم) وعلى غير ما ذهب إليه د. خالد منتصر في مقاله (قصائد بيتزا وأشعار هوم دليفري) المنشور في إيلاف، فإن مظفر لم يقرأ قصيدة القدس مجتزأة وإنما قرأ مقطعاً واحداً من القصيدة لم يستغرق أكثر من دقيقة، مغيراً لفظ (...) في عبارة (أولاد...) إلى أولاد الكذا بالنص، ثم عاد ليلقي قصائد فصحى ثم ينهي الأمسية بتحية جمهوره.
لقد كنتُ حاضراً وشاهدتُ كل هذا ليس بوصفي مرتاداً لأمسية وإنما بوصفي صحفياً مكلفاً بإعداد تقرير تلفزيوني عن أمسية مظفر النواب لبثه في القناة التي أعمل بها وهذا يتطلب الدقة أكثر في المتابعة.
يقول د. خالد منتصر في مقاله (قصائد بيتزا وأشعار هوم دليڤرى! ): "... ولذلك كان حجم الصدمة هائلاً حين علمنا بأن مظفر النواب قد قرر حذف فقرات كاملة من هذه القصيدة عندما ألقاها ف معرض كتاب أبوظبي إرضاءً للحكام هناك..."
إن هذه الفقرة من كلام منتصر تعوزها الصحة والدقة لأن مظفر لم يقرأ قصيدة القدس بحذف مقاطع منها إرضاءً لحكام أو محكومين وفي رأيي فإن مظفر وفي لحظة معينة من الأمسية قرأ مقطعاً واحداً إرضاءً للجمهور أو لإيقاظ حماس الجمهور الذي لم يكن يعوزه الحماس.
على أن الحقيقة في أمسية مظفر النواب تكمن في مكان آخر، فلم تكن الأمسية أقل ولا أكثر من (حالة عراقية)
قبل الأمسية بنحو ساعتين بدأ الجمهور في الحضور وكانت أغلبيته العظمى (عراقية).. نساء ورجال، شباب وشابات، عجائز والجميع تقريباً في كامل الأناقة، جاء هؤلاء ليستمعوا إلى مظفر العراقي لا مظفر العروبة ولا مظفر القدس عروس العروبة وتجلى ذلك أكثر في قراءات مظفر النواب باللهجة العراقية والتي عمقت حالة الحضور العراقي أكثر مع هذه القراءات بالذات إلى حد أن الجمهور كان يطلب قراءة قصائد بعينها.
كان العراقيون المقيمون في الإمارات وكأنهم بحاجة إلى (حالة اجتماع وطني وإنساني ونفسي تخصهم) وكان حضور مظفر النواب في أمسيته قطبَ المغناطيس الذي جلب أعدادهم الكبيرة إلى حد الجلوس بين ممرات المسرح في المجمع الثقافي في أبوظبي والاحتشاد وقوفاً أمام شاشات كبيرة كانت تبث الأمسية خارج المسرح.
بالطبع كان هناك جمهور عربي ولكن الحالة العراقية للحضور كانت هي الغالبة.
ويبقى السؤال:
هل كان على مظفر النواب في أمسيته في أبوظبي أن (يواصل نضاله)؟ وفي رأيي الشخصي: لا.. وإنما أحسن مظفر صنعاً بما فعل وأحسن صنعاً أكثر بعدم قراءة قصيدة القدس عروس عروبتكم لأنها في رأيي تمثل ارتباطا شرطياً بين مظفر والعرب كما أشار د. خالد منتصر في مقاله وكأننا يجب أن نبقى في هذا الشكل من النضال إلى الأبد.
لا أبرر لمظفر أو لغيره، أما قضية أمانة المثقف أو الشاعر فإنها بالطبع قضية في منتهى الأهمية ولكن أين هو هذا المجتمع الذي يحترم الشعر بوصفه (مُنتجاً) يمكن لصاحبه أن يجد من ورائه متطلبات حياته، قليلون فقط نجحوا في هذا وفي مقدمتهم الشاعر الراحل نزار قباني الذي أنشأ دار نشر باسمه وكان يطبع ويبيع ويأكل من وراء كتابة الشعر.
- آخر تحديث :
التعليقات