[أول سؤال يتبادر إلى ذهن أي طبيب يواجه مريضاً بالضعف الجنسى هو هل أنت مريض بالسكر ؟، وفى أحيان كثيرة يذهب المريض جاهزاً بالشكوى وملخصها هو أنه فقد القدرة الجنسية بعد إصابته بمرض السكر، وقبل أن نبدأ محاولتنا لفهم علاقة السكر بالأمراض الجنسية سنحاول أن نفهم أولاً ماهو مرض السكر فى عجالة؟، ولنبدأ بالمؤتمر العالمي الذى عقد فى فنلندا لمناقشة مرض السكر والذي كانت كل الأبحاث فيه تتفق على أن مرض السكر قد أصبح يشبه الوباء الكوني القاتل فقد أعلنت مارجريت تاسكنين رئيسة المؤتمر والأستاذه بجامعة هلسنكي أن السكر أصبح رابع أكبر الأمراض المؤدية إلى الوفاة فى العالم حيث يصيب هذا المرض حوالي 135 مليون شخص على مستوى العالم وتتوقع د.مارجريت أن يقفز هذا العدد إلى حوالي 240 مليون مريض فى عام، 2010 أما عن مصر فتذكر الإحصائيات أن عدد المصابين بالسكر قد وصل إلى 6مليون شخص وتراوحت نسبة المصابين إلى السكان من 9,5 % إلى 11% ممايجعلها ضمن أكبرخمس بلاد فى العالم ينتشر فيها هذا المرض.
[السكر أو الديابيتس وهو لفظ أطلقه الإغريق على هذا المرض ومعناه النافورة نظراً لكثرة تبول المريض هو مرض قديم قدم البشرية حتى أن الفراعنه بملاحظاتهم الدقيقة قد قاموا بما يمكن أن نطلق عليه أقدم تحليل للسكر حين وجدوا أن النمل يتجمع حول بول بعض الأشخاص أكثر من الآخرين، وتطور العلم ولم يعد يحتاج إلى النمل ليعرف ماهية هذا المرض الناتج عن خلل يصيب البنكرياس أو بالأدق جزر لانجرهانز فى البنكرياس ويؤدي إلى عجزه عن إفراز هورمون الإنسولين الذى يتحكم فى مستوى وكمية الجلوكوز فى الدم ويقوم بتمثيله وتخزينه حتى تستفيد به خلايا الجسم فى توليد الطاقة، وغياب هذا الهورمون يسبب خللاً فى نسبة الجلوكوز وعدم تخزينه فى الخلايا واستنزاف المخزون من الدهون من أجل الطاقة مما يؤدى للهزال والضعف وأشياء أخرى كثيرة إبتداء من الهرش والإلتهابات الصديدية حتى إنفصال الشبكية وإلتهاب الأعصاب مروراً بكافة أجهزة الجسم تقريباً، وقد أجبرت خطورة هذا المرض العلماء على إجراء أبحاث كثيرة للحصول على هذا الإنسولين والذى بدأوا بإستخلاصه من بنكرياس بعض الحيوانات عام 1922 حتى وصلنا الآن وبفضل الهندسة الوراثية إلى تصنيع الإنسولين البشرى الشبيه بإنسولين الإنسان.
ومن أشهر مرضى السكر عبر التاريخ توماس أديسون من بين العلماء وجمال عبد الناصر من بين الزعماء السياسيين ونجيب محفوظ من بين الأدباء وهارون الرشيد ومعاوية بن أبي سفيان من بين خلفاء المسلمين وقد خلد معاوية مرض السكر ببيتين من الشعر قال فيهما عندما رأى نحول جسمه:

أرى الليالي أسرعن فى نقضي أخذن بعضي وتركن بعضي
ضين طولي وضين عرضيأقعدنني من بعد طول نهضي


وإذا كان معاوية قد خلد هذا المرض بكتاباته الشعرية فإننا نستطيع أن نقول أنه إزداد خلوداً فى روشتات أطباء الأمراض الجنسية الذين يبحثون دوماً عن هذا المتهم الذى يظنون أنه يفقد قدرة مرضاهم الجنسية ويسلبهم رجولتهم ولاتتم محاكمته أو حتى القبض عليه ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!.
[بعد أن فهمنا السكر سنلخص علاقته بالجنس فى جملتين، الجملة الأولى :السكر يصيب الأعصاب، والثانية هى أن السكر يصيب الأوعية الدموية، أما ماهو الإنتصاب فهو أيضاً لايخرج عن هاتين الجملتين الأولى إشارة تصدر من المخ عبر الأعصاب وقت الإثارة، والثانيه سريان الدم عبر الأوعية الدموية للقضيب فيحدث هذا الإنتفاخ أو الإمتلاء أو الإنتصاب، إذن فالعلاقة واضحة مابين السكر والعجز الجنس فالسكر يصيب الأعصاب وهى موصل الرسالة ويصيب الأوعية الدموية أيضاً وهى هدف الرسالة ومحطتها النهائية، وإكتشاف هذه العلاقة قديم جداً فمنذ أكثر من مائتى عام كتب العلماء عن العلاقة بين السكر والعجز الجنسي ولكنه فى الماضي كان مرتبطاً أو على الأصح كان يعتقد أنه يرتبط بنقص الهورمونات الذكرية إلى أن إكتشفت تلك العلاقة السابقة التى أشرنا إليها والتى تثبت عدم جدوى أدوية الهورمونات المكدسة فوق رفوف الصيدليات وفى حجرات مرضى السكر والتى للأسف يروج لها بعض الأطباء.
وتبلغ نسبة مرضى السكر الذين يعانون ضعفاً جنسياً 50% من الرجال المصابين أى النصف تقريباً وأحياناً يكون الضعف الجنسى هو الشكوى الأولى للمريض قبل إكتشاف أنه مريض بالسكر أي أن الذى يكتشفه هو طبيب أمراض الذكورة وليس طبيب الباطنه، وأحياناً أخرى لايحدث الضعف إلا بعد مرور فترة كبيرة على تشخيص مرض السكر و90% من هذه الحالات يحدث فيها الضعف تدريجياً وعلى مراحل إبتداء من حدوثه على مراحل وإنتهاء بالضعف الجنسى الكامل الذى يتم تحديده بالشكوى والإختبارات التى يجريها الأطباء لقياس مدى الكفاءة الجنسية مثل "الدوبلر " وعدم حدوث الإنتصاب الليلى أثناء النوم، وهنا لابد من التدخل بأساليب غير الأدوية وسنتحدث عنها فيما بعد، ولكن المفاجأة التى وجدها العلماء فى مرضى السكر الذين يعانون ضعفاً فى الإنتصاب أنهم على العكس لايعانون ضعفاً فى الرغبة أو فى النشوة "الأورجازم" والذى يجعل قذف 98% منهم طبيعياً،أما ال2% الباقيين فهم يعانون مما نطلق عليه Retrograde ejaculation أو القذف الداخلى المعكوس والسبب فى ذلك هو إلتهاب فى الأعصاب التى تغذى عنق المثانة والتى فى حالتها الطبيعية لابد أن تكون مغلقة تماماً عند حدوث القذف حتى يخرج المنى إلى الخارج، أما فى بعض حالات مرضى السكر فإن هذه الأعصاب تصاب بإلتهاب مزمن فتضعف وبالتالى تضعف قوة إغلاق عنق المثانة عند القذف فينساب السائل المنوى إلى الخلف داخل المثانة نفسها ويختلط بالبول الذى يتسبب فى قتل الحيوانات المنوية، ورغم حدوث رعشة النشوة إلا أن السائل المنوى لاينزل إلا بعدها بمدة مختلطاً بالبول،وبالطبع فهذا الإضطراب الجنسى يصحبه عقم وعلاجه لابد أن يكون بفصل الحيوانات المنوية من البول بعد الإتصال الجنسى وإجراء عملية تلقيح صناعى للزوجة ولابد للمريض لكى يزيل حامضية هذا البول أن يشرب كمية كبيرة من بيكربونات الصوديوم.
[هذا الخلل مابين وجود الرغبة ووجود القذف وغياب الإنتصاب يوقع مريض السكر فى هوة إحباط عميقة، وخاصة عند من يضيقون دائرة الجنس حتى يحصرونه فى مجال الإدخال فقط ويتناسون معالمه وملامحه الأخرى الشديدة الثراء، ومن الآراء الحديثة لعلماء الجنس والتى تبعث على التفاؤل أن الضعف الجنسى مرتبط بمدى التحكم فى مرض السكر نفسه على عكس ماكان يعتقد قديماً بأنه مرتبط بالمدة المرضية أى أنه كان فى رأيهم آتٍ لامحاله، وقد جعل هذا الرأى الأطباء يعيدون النظر فى بديهياتهم ويقررون أن التحكم المبكر فى مرض السكر من الممكن أن يمنع العجز الجنسى والذى كان مدوناً فى الكتب الطبية القديمة أنه سيأتى بعد ستة إلىإثنى عشر شهراً بعد بداية المرض واليوم تعاد صياغة هذه المراجع وتغيير هذه البديهيات.
[من المهم فى هذا المجال أن نذكر أنه ليس كل ضعف جنسى يصيب مريض السكر لابد أن يكون سببه السكر فقط، فقد تكون هناك أسباب نفسية خاصة عند المريض الذى يعرف هذه العلاقة مسبقاً والذى يعانى أيضاً من توتر بسبب مرضه الأساسى السكر، ومن الممكن أن تكون هناك أسباب عضوية أخرى مثل بعض الإلتهابات التى تصيب الجهاز التناسلى أو بعض الأدوية التى يتناولها المريض أو مضاعفات أخرى للسكر لاعلاقة لها بالجهاز التناسلى مباشرة مثل ضعف الغدد الصماء مثل الغدة النخامية أو الدرقية، كل هذه الأسباب وغيرها لابد من وضعها فى الإعتبار حين نأخذ التاريخ المرضى حتىيمكن العلاج وماأن نتأكد من أنه هو مرض السكر بواسطة التحاليل والفحوصات هنا فقط يتم التدخل العلاجى للعجز الجنسى والذى ذكرناه فى فصل منفصل.
[وإذا كانت المشكلات الجنسية للرجل المريض بالسكر قد حظيت بنصيب كبير وضخم من الأبحاث إلا أن المشكلات الجنسية للنساء المريضات بالسكر لم تتعرض لها الأبحاث العلمية إلا قريباً وبالتحديد منذ بداية السبعينات فقط على يد العالم كولدونى والذى فجر مفاجأة ببحثه المنشور سنة 1971 والذى أثبت به فروقاً جوهرية بين مريض السكر ومريضة السكر من ناحية الإضطرابات الجنسية، وفى هذه الدراسة قارن كولدونى بين 125 إمرأة مصابة بالسكر و100 إمرأة غير مصابة فى سن تتراوح مابين 18 إلى 42 سنة فوجد أن حوالى 35% من النساء المصابات بالسكر تشكو من ضعف أو إنعدام الوصول للنشوة أو الأورجازم وهو مايماثل القذف عند الرجل فى حين أن 6% فقط من مجموع النساء غير المصابات بالسكر سجلن هذه الشكوى، أما البلل المهبلى وهو مايماثل الإنتصاب عند الرجل فلايتأثر بمرض السكر وكذلك الرغبة الجنسية وإن كانت بعض المريضات تعانين من أن الوقت اللازم للإثارة قد طال عما كان عليه من قبل المرض ورغم وجود الرغبة إلا أن الإستجابة تكون أبطأ نسبياً ولكن عند حدوث الإثارة اللازمة فلا يحدث تغيير إلا ماذكرناه عن الإحساس بذروة النشوة التى تقل مدتها وعدد مراتها وخاصة فى حالات السكر المزمنة.
[وذا كنا قد إتهمنا إلتهاب الأعصاب والأوعية الدموية فى حالة الرجل المصاب بالضعف الجنسى نتيجة للسكر فإننا نضيف إلى قائمة المتهمين عند المرأة إلتهابات البكتريا والفطريات التى تصيب الجهاز التناسلى للمرأة بصورة متكررة، ووجود هذه الفطريات يؤدى دائماً لحدوث إفرازات كريهة الرائحة وإحساس بالألم عند اللقاء الجنسى مما يثير الخوف عند المرأة وزوجها على السواء من الأداء الجنسى ويفقدهما الرغبة فيه،والسبب الأخير الذى إكتشفه علماء الجنس والذى يسبب ضعف الرغبة الجنسية فى بعض الأحيان عند مريضة السكر فهو الخوف من الحمل والولادة وأخطارهما معروفة خاصة حجم الجنين الضخم الذى يتسبب فى مشاكل جمة سواء فى الحمل أو فى الولادة وبالطبع يعوق هذا الخوف والرعب المرأة عن مجرد حتى الرغبة فى الجنس.
[وأحدث الملاحظات الهامة فى مجال الإضطرابات الجنسية فى مجال مريضات السكر فقد كتبها العالمان شرينر وإنجل وملخصها أن السيدات اللاتى ينتمين إلى type 1 أو النوع الأول من السكر الذى يعتمد كلية على الإنسولين والذى يكتشف فى سن مبكرة، هذا النوع من السيدات تتحسن إضطراباتهن الجنسية سريعاً عن مريضات type2 واللاتى لايعتمدن على علاج الإنسولين ويكتشف مرضهن ويبدأ فى سن متأخرة،وهذه الملاحظة مدهشة لأنها خالفت كل التوقعات التى تعتقد أن النوع المبكر وهو النوع الأخطر يحدث تأثيراً أكبر على الجنس ولكن إتضح أن العكس هو الصحيح وقد فسر العالمان تلك الملاحظة وأرجعا سر نجاح النوع الأول إلى الزوج المتعاون الذى يدعم زوجته نفسياً فهو يعرف مسبقاً مرضها قبل زواجه منها بعكس النوع الثانى الذى يؤدى إكتشافه المتأخر إلى صدمة للزوج يزيد من درجتها عدم فهمه لطبيعة المرض فتفتقد الزوجة للدعم النفسى مما يجعل المشكلةأكثرتعقيداً.
[لابد وقبل أى علاج أن نقضى على مايسمى ال PERFORMANCE ANXIETY أو قلق الأداء الجنسى الذى يجعل من مريض السكر رقيباً على نفسه موسوساً يسأل نفسه دائماً قبل ممارسة الجنس هل سأنجح أم لا مما يعوق المتعة التى لابد ألا ترتبط بالإدخال فقط فهذا الإمتحان الدائم الذى يعقده مريض السكر لنفسه قبل كل لقاء جنسى لابد أن يتخلص منه وإلا سيرسب بدرجة ضعيف جداً،فمرض السكر ليس نهاية العالم فى الأداء الجنسى فأى مريض بالسكر سيستطيع بمزيد من توسيع الإدراك وتخفيف التوتر أن يستمتع وأن ينتشى وأن يهجر الخرس الجنسى إلى الحوار والديالوج والمتعة .


[email protected]