أعظم إنجازاتنا نحن الرجال هو قدرتنا على نسيان مراهقتنا!، فكلنا نتخيل أن مراهقتنا كانت فترة ملائكية لم نرتكب فيها الأخطاء والخطايا، ولذلك عندما يتعثر أولادنا فى مراهقتهم نظل ننصحهم ونتذكر أيامنا الخوالى ونلوح لهم بعصا الحرمان، ونتحسر ونتساءل لماذا لم يكونوا شطاراً مثلنا، مؤدبين مثلنا، أتقياء مثلنا؟!، بالطبع لانحدثهم عن أسرارنا الجنسية المخزية، ولانحكى لهم عن بحثنا الدءوب عن الأفلام والمجلات الإباحية ونحن على أعتاب الشباب، ولانخبرهم بالغمزات واللمزات والمعاكسات فى الثانوى والجامعات!!، نخفى كل هذا ونتخيل أن إخفاءنا له يعنى أن أبناءنا لايعرفونه وهذا للأسف وهم . يساوى فى حجمه وهم أن الكبار أفضل من الصغار، وأن العواجيز أكثر أخلاقاً من الشباب، فكل جيل وله أخطاؤه، وكل سن وله خطاياه، والمهم أن نتسامح مع هذه الأخطاء، ونصفح عن تلك الخطايا.
ومن ضمن الخطايا التى نرتكبها تأجيل الحديث عن الجنس أو بالأصح منع الكلام فى شئونه مع أطفالنا بحجة أن الكلام فى الجنس قلة أدب، والثقافة الجنسية قباحة وإباحية، فنحن ننفى الجنس إلى أبعد جزيرة فى عرض المحيط، ونجرجره بعيداً من ناصيته لنرميه فى زنزانة التجاهلوالإهمال واللامبالاة، ونعتقد أننا إذا حبسناه فى زنزانة لن يستطيع الفرار لأنه مقيد بالأصفاد، وعلى بوابة الزنزانة يقف ألف حارس وألف كلب بوليسى وألف لغم، ولانتخيل أن الجنس من الممكن أن يفلت من كل هؤلاء من خلال ثقب صغير فى الجدار يتسلل من خلاله إلى عقل ووجدان الطفل، والمصيبة أننا نكتشف ذلك بعد أن يكبر الطفل ويصير شاباً يحمل من الأمراض والعقد الجنسية ماتنوء بحمله الجبال، ولايستطيع فك شفرته وحل عقده وألغازه بوليس سكوتلانديارد!، والكارثة أن الأوان يكون قد فات ومايمر وتدوسه السنين تتشوه ملامحه وتضيع معالمه وتدمر قسماته ولاتنفع معه ولايجدى فى إصلاحه مراكز التجميل فى العالم كله.


نحن لانتحدث فى الجنس مع أطفالنا لأننا بداية لانفهم ماهو الجنس ولا ماهى الثقافة الجنسية؟، فنحن نحتقر الجنس ونعتبره غريزة حيوانية ملعونة، برغم أن الجنس غريزة إنسانية جداً بل هو أرقى الغرائز الإنسانية، فنحن نختلف عن الحيوانات فى أنه ليست لدينا مواسم تزاوج محددة، وأوقات تلاقح معينة، فالجنس عندنا لايعرف قيود الزمن، يطير محلقاً بأجنحته النورسية من شاطئ إلى شاطئ لايعرف السكون فى الضفاف أو الموت على الرمال، والإنسان هو الحيوان الوحيد الذى يواجه رفيقه وجهاً لوجه أثناء العملية الجنسية، وذلك لأن الجنس عندنا وظيفته التواصل والحوار والحميمية، ونحن للأسف نجهل أن الجنس له هذه الوظيفة التواصلية، فالجنس عندنا للإنجاب، واللقاء الجنسى هو ماكينة تصنيع أطفال حسب المواصفات القياسية، وحتى عندما نمارسه بغرض المتعة نجرى وراء متعة الفرد لامتعة الفردين معاً الزوج والزوجة.
جهلنا بالجنس يقودنا إلى جهل أكبر وهو الجهل بالثقافة الجنسية فنتخيل أن الثقافة الجنسية هى عرض أفلام بورنو للأطفال، ولانعرف أن الجنس أكبر من مجرد الجماع، هو معنى أشمل يبدأ من نظرة الفهم ولاتنتهى حدوده باللقاء الحميم بشكله الميكانيكى البحت، فالثقافة الجنسية للطفل تبدأ من معرفة خريطة جسده، ولايصح أن نطالب الطفل بحفظ خريطة أستراليا ونرفض أن يعرف تضاريس جسده النامى المتغير، نحن نجهل أن الثقافة الجنسية يشارك فيها البيت والمدرسة والإعلام والمجتمع ككل، والثقافة الجنسية فى المدرسة على سبيل المثال ليست وظيفة مدرس العلوم فقط، بل هى مسئولية جميع المدرسين، فمدرس اللغة العربية من خلال قصائد الغزل التى يدرسها يعلم الأطفال ثقافة جنسية، ومدرس الألعاب حين يرفض أن تلعب بنت جمباز لكى لاتهتك غشاء بكارتها فهو يرسل رسالة خاطئة مشوهة للثقافة الجنسية، وحين تصر مدرسة الحضانة على الفصل التعسفى مابين الأولاد والبنات فهى تضع فى أذهانهم أنهم أعداء بينهم تربص وتوجس، وحتى مدرس الدين عليه دور مهم فى التربية الجنسية فهو لن يستطيع أن يحارب الثقافة الجنسية فى نفس الوقت الذى يطلب فيه من تلاميذه أن يحفظوا آيات القرآن وفيها الحيض والدبر والنكاح ....الخ
ويمثل لجهل الجنسى أولى أعراض مرض عربى مزمن وهو السكسوفوبيا أو مرض الخوف من الجنس، وهو تعبير أطلقه أنا على ل رجل يحمل بداخله خوفاً وإحتقاراً للجنس ولا يرتبط هذا المرض بكم الممارسة فكمية الممارسات وعددها شئ وكيفية ممارستها شئ آخر.
والأعراض الأخرى لمرض السكسوفوبيا هى :

· العجز عن مواجهة الجنس بكل صوره سواء العلمية أو الفنية أو الإجتماعية النفسية، وكرد فعل طبيعى لهذا العجز فنحن نحقر الجنس فى محاولة منا لإثبات أن موقفنا الهروبى منه هو تسامى وتعالى عليه وليس عجزاً سببه الجهل والعجز السابقين، وهذا العجز والتحقير يخلق العرض الثالث.

· الكبت والحرمان الجنسى، إذ أن إيماننا الدفين بحقارة الجنس وتدنيه يجعلنا عاجزين عن دمجه فى مشاعر الحب والحنان والتواصل لدينا أثناء نمونا النفسى، وهذا الإنفصال يفقد الممارسات الجنسية فيما بعد مضمونها العاطفى ويفرغها من محتواها النفسى فيخلق عندنا حالة من الحرمان الجنسى (الكيفى وليس الكمى ) فنمارس كثيراً ولكننا للأسف لانحس إلا نادراً!!، هذا الحرمان يجعل الجنس هو الوسواس القهرى، هو شغلنا الشاغل وهو البداية والنهاية فى سلوكنا اليومى مما يخلق العرض الرابع

· التجسد بمعنى أن يتجسد لنا الجنس فى كل شئ نراه، فنتربص لكل عمل فنى ولكل صداقة بريئة، ويتجسد لنا وراء كل ضحكة وإيماءة أو بهجة، وبه يمكن تفسير الفشل فى الإمتحان والهزيمة فى الحرب أو حتى فى كرة القدم!!، ، وهنا يكفى الكاتب المهاجم المتربص أن يوحى ويومئ تحت شعار "إنت فاهم وأنا فاهم" ليكمل القارئ المريض بالوسواس الجنسى باقى الصورة ويمد خط "القباحة" على إستقامته، وبعدها يصرخ الجميع الشباب الشباب.. الفضيلة الفضيلة!

بعد تخطى حاجز الجهل والتحقير والكبت والتجسد تستطيع عزيزى الأب أن تتحدث مع طفلك عن الجنس، فلابد أن تجيب عن أسئلته ولاتتفهها وتظهر أمامه أنها أسئلة سطحية، ولاتجب على أسئلة طفلك إجابات خاطئة لأنك متحرج، وإذا كنت لاتعرف فإرجع إلى من يعرف أو حاول قراءة مرجع أو كتاب، وحاول الإستعانة بصور توضيحية من كتب مخصصة لذلك وهى للأسف كتب أجنبية مؤلفة خصيصاً للأطفال لتثقيفهم جنسياً وتعريفهم الفروق مابين الولد والبنت، وذهابهم إلى الحدائق لشرح تلقيح النبات، أو بناء حظائر صغيرة فى المدارس لرؤية بعض الطيور والحيوانات وكيفية تناسلها...الخ.


أيها الأب العربى تخلص من عقدك الجنسية أولاً لكى تصلح أن تربى إبنك على ثقافة جنسية صحية وسليمة.


[email protected]