بات معتاداً مشهد الدماء العراقية تلطخ الوجه العربي كله بل والإسلامي، وأمسينا اليوم ننام على الكوابيس ونصحو على الكوارث، بأيدي المسلمين في كل مكان بالعالم، بفضل رعاية مشايخنا لا أسكت الله لهم حساً ودعايتهم للفضيلة التي كانت غائبة وحضرت، وأسموها الفريضة الغائبة حسب كتاب الإرهابي المصري شكري مصطفى. رافعين للعالم رايات الإسلام خفاقة بإنجازات الصحوة الإسلامية على ردم من الخراب وبحيرات من دماء الأبرياء في كل مكان، وقتلى من كل الألوان والعناصر والملل، تحت ما أسموه "فريضة الجهاد".
تعالوا نحاول أن نفهم ما تقدمه ميليشيات المسلمين المسلحة لنا وللعالم بحسبانه فضيلة وفريضة على المسلمين. تعالوا نتصور بعض ما يحدث عندما ينادي منادينا: حيّ على الجهاد، وماذا ستكون ردود فعل بعضنا؟ بعضنا سيتجه فوراً إلى رئيس الجمهورية لقتله كما حدث مع السادات ومع الصحابيين عثمان وعلي وغيرهم، وبعضنا الآخر سيتجه إلى مدينة الأقصر ليقتل فيها السائحين ويمثل بجثثهم ويضرب اقتصاد بلاده الوطني في مقتل، وبعضنا سيتسلل إلى العراق ليفخخ أسواقها ويفجر المصلين العراقيين عند صلاة الجمعة أو يفجر أنابيب النفط فيها لإيقاف عجلة التنمية، وبعضنا ستعجبه مدريد فيفجر محطة القطارات فيها أثناء الزحام، وبعضنا يحب العروبة والإسلام فيفجر في الرياض.. أما بعضنا ممن يعشق الموت الفضائي فسيخطف طائرة ويفجر بها أبراج نيويورك. فأي لون من هذه الألوان هو الجهاد؟ إن الجهاد عند مشايخنا وميليشياتنا المسلحة له ألف تفسير، لكن أشيعه وأسوأه هو ما يحمله من عداء لكل الأمم. بل أيضاً لمسلمين مثلنا لكنهم يختلفون عنا في المذهب أو الرأي. إنه الكراهية حتى الموت، وهو ما لا نعتقد أنه من إسلامنا في شيء.
المشكلة عندنا أننا نستدعي مبدأ وقيمة من زمانها منذ ما يفوق ألفاً وأربعمائة عام، ومن مكانها في جزيرة العرب، ومن ظرفها التاريخي الذي استدعى من القوة الطالعة في الجزيرة أن تحل محل فراغ القوى الذي حدث بعدما أنهكت القوتان العظميان نتيجة صراعهما الطويل. كان ظرفاً وتاريخاً له أسبابه وظروفه التي حددت خط سير الأحداث حينذاك، وكانت الظروف مواتية لعرب ذلك الزمن للغزو والفتح والاحتلال، بينما تغير الوضع اليوم بالكلية وأصبحنا في معادلة القوة والضعف نحن الطرف الذي هو دون الضعف بمراحل، لأننا أصلاً لسنا داخل المعادلة!
وضمن ذلك المبدأ القديم الذي استخدمته القوى الإسلامية لتوحيد جزيرة العرب، واحتلال دول المحيط، تقوم مبادئ أخرى ترتبط به وتنتج عنه تم تقنينها في كتبنا الفقهية بقواعد شرعية، وضمن تلك القواعد ما يقنن السلب والنهب والقتل وسبي نساء المهزوم، وهي القواعد التي تجاوزها الزمن بعدما حدث من تطور إنساني على كل المستويات وضمنها المستوى الأخلاقي الذي وضع للحروب أخلاقيات ومعاهدات يتم العقاب على مخالفتها دولياً كما في نصوص الأمم المتحدة ومعاهدات جنيف، وبموجبها تم التدخل في البوسنة والهرسك، وبموجبها يحاكم رئيس الدولة لأنه سمح باغتصاب النساء والإبادة الجماعية. لم يعد مفهوم الجهاد ملائماً لزماننا يا سادتنا المشايخ، وغني عن التوضيح إن ما يقع خارج وطن كل منا هو شأن يخص المجتمع الدولي ولا يخص دعاة الجهاد، لأنهم ليسوا مجلس الأمن ولا هم الأمم المتحدة ليتبنوا قضايا دولية الطابع، خاصة بعد أن قفل الجهاد بابه يوم قفلنا عائدين من الأندلس، ويوم أصبحنا مطاردين بعد أن كنا مهاجمين، وإن هناك دولاً كبرى لديها العلم ولديها الحضارة إن غضبوا على دولة حاصروها بمنع التعامل معها لتموت جوعاً وتخلفاً. إن المقصد الشرعي من الجهاد هو نشر الإسلام وحماية المسلمين وفتح البلدان، فهل يحقق الزرقاوي ذلك أم سيده بن لادن؟ إن الجهاد عندما لا يحمي المسلمين بل يؤذيهم أشد الأذى فإنه يتحول إلى إجرام.
التعليقات