بالامس عاد العماد ميشال عون الى لبنان بعد نفي دام اكثر من خمسة عشر عاما. و لكن عودته الى البلاد وسط مظاهر الفرح العارمة في اوساط محبيه و مؤيديه هي التعويض المعنوي الذي لا بد ان "الجنرال" شعر به لحظة وطأت رجلاه ارض الوطن مجددا .
قبل خمسة عشر سنة غادر عون قصر بعبدا مهزوما تحت جحيم القنابل و الصواريخ على قصر بعبدا ومحيطه. كانت هزيمة امام التفويض الدولي الذي اقتنصته سوريا من الاميركيين في اعقاب غزو الكويت. و اليوم عاد الى لبنان في سياق سحب التفويض الدولي من تحت اقدام السوريين الذين خرجوا من لبنان بطريقة لم يحسدهم عليها احد. لقد عاد عون الذي ظلم من خلال الابعاد المديد عن ارض بلاده عودة الابطال . و من هنا اكبر تعويض سياسي و معنوي لميشال عون. فأهلا به في وطنه و بين اهله . هذا كلام من القلب والوجدان. اما الحديث في الجانب السياسي لهذه العودة ومفاعيله على الارض فمتروك ليوم آخر.
من موضوع عودة العماد ميشال عون من المنفى، ننتقل الى موضوع آخر، فنعيد التذكير بقضية اعتقال قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي ينبغي اليوم اكثر من اي وقت مضى ان ننهي اعتقاله تأمينا للعودة الى حالة وفاقية لبنانية لا بد منها لبناء لبنان جديد.ومع ان قضية آل كرامي(صدر حكم على جعجع بتهمة اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رشيد كرامي سنة 1987 ) تنطوي على جانب معنوي واخلاقي نعترف به جميعا، فإننا مع تقديرنا لما قد تشعر به العائلة حيال المطالبة بالافراج عن سمير جعجع نعتبر ان من شيم الكبار الصفح ، و ليس الاستمرار في التصعيد على النحو الذي فعله الرئيس عمر كرامي بقوله ان القضية هي في يد الناس و ليست في يد العائلة ، و ان القضية موازية لقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري . اما نحن فنقول ان القضية مختلفة اختلافا كاملا ، حيث ان جعجع قضى اكثر من احد عشر عاما في السجن الافرادي ، و ان اغتيال الرئيس رشيد كرامي حصل في مرحلة الحرب الاهلية و على يد مجموعة من المجموعات اللبنانية المتناحرة ، و قد جرى منذ ذلك الوقت الاتفاق على قفل مرحلة الحرب . اما قضية الشهيد رفيق الحريري فقد حصلت بعد نهاية الحرب بخمسة عشر سنة، و وسط اجواء التخوين التي قادتها حكومة على رأسها الرئيس عمركرامي نفسه الذي شارك شخصيا في التحريض على الحريري ( هل نسي اتهاماته له بالوقوف وراء القرار 1559؟) كما ان كرامي "الضنين" بدم الحريري لم يوفر جهدا من اجل تغطية الاعمال المشينة التي قامت بها المافيا المخبراتية اللبنانية- السورية المشتركة( مع الشبهات الكبيرة في ضلوعها في جريمة الاغتيال) ، فجرى تعطيل التحقيقات الى حد ادى الى تدخل المجتمع الدولي عبر القرار 1595 .
لقد اثبت الرئيس عمر كرامي البارحة و هو يرفض الصفح المعنوي عن جعجع، انه لم يكن اكثر من رجل سياسة عادي يستدرج عطفا اضاعه لاستغلاله في صندوقة الاقتراع. في مطلق الاحوال لم يتوقع احد ان يكون الرجل الذي سلم امره الى رستم غزالة( مسؤول المخابرات السورية السابق في لبنان) بطريقة المهينة ( و انتفض لكرامته متأخرا). على مستوى آخر لا بد من لنا ان نُسمع زوجة الدكتور سمير جعجع السيدة ستريدا جعجع صوتاعاقلا لعلها تدرك ان اعلانها المسبق عن رفضها زيارة الرئيس عمر كرامي للوقوف عند "خاطر" آل كرامي كان خطأ ، مثلما كان البيان الذي اصدرته القوات اللبنانية الهجومي ضد الرئيس عمر كرامي تصعيديا من دون مبرر. فقد فوتت ستريدا جعجع على نفسها فرصة نقل المشكلة الى عقر دار الرئيس كرامي و منعه من استغلال الموقف بهذه الطريقة . فماذا كان سيرد عمر كرامي على طلب زوجة جعجع عند زيارتها له ؟ هل كان سيتصرف بفروسية فيربح تقدير الناس و عطفهم على كبر نفسه؟ ام كان سيرد طلبها محاولا افتعال فتنة طائفية في البلاد فيسقط اكثر ؟ الواقع ان الطرفين ارتكبا اخطاء.ايا يكن الامر لا بد للدكتور سمير جعجع من الخروج سريعا من غياهب السجن لينعم بنور الحرية في لبنان على غرار ما ينعم به العماد عون من رائحة تربة لبنان، وطننا جميعا.
التعليقات