قراءة سياسية لعودة ميشال عون في لحظتها الانتخابية
lt;lt;جنرال التمردgt;gt; يكمل حصار lt;lt;جنرال الشرعيةgt;gt; .. ونظام الطائف نحو فيدرالية الطوائف؟
بعد يوم واحد من عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الفرنسي إلى وطنه، متزامنة مع عواصف اللحظة الانتخابية، تسارعت التحولات التي توحي وكأننا أمام نهاية مرحلة سياسية امتدت لخمس عشرة سنة طويلة في ظل النظام الذي نُسب إلى اتفاق الطائف والذي يتبدى الآن وكأنه على وشك الخروج منه وعليه.
فالسلطة تتهاوى تحت أثقال أخطاء جنرالها، اميل لحود وشركائه الظاهرين والمستترين مفسحة في المجال لإعادة اعتبار تتجاوز ما كان يطلبه أو يطمح إليه الجنرال عون.
واقع الأمر أن هذه العودة تأتي lt;lt;تتويجاًgt;gt; للهزات الارتدادية للزلزال الذي ضرب لبنان (وسوريا) باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي كانت سبقته lt;lt;إنذاراتgt;gt; مدوية لم يتنبه إليها من يفترض به التنبه، أخطرها القرار الدولي 1559 الذي استبق خطيئة التمديد للرئيس اميل لحود ولم يمنعه..
وهكذا فقد تبدلت الصورة العامة للنظام اللبناني، بجوهرها السياسي كما بتفاصيلها الميدانية، حتى لكأننا أمام لبنان جديد مختلف جوهرياً عن لبنان الذي كان في ظل الإدارة السورية لهذا النظام بتفويض دولي معلن.
ولعل أكمل صورة لهذا التبدل تتجلى في وقوف الجنرال ميشال عون أمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في ساحة الشهداء، قبل أن ينصرف عن مستقبليه السياسيين، ليحيي lt;lt;شعب لبنان العظيمgt;gt; مستعيداً خطابه القديم السابق على الطائف... مع قليل من التعديل فرضه مرور الزمن!
لقد تهاوت السلطة التي قامت باسم الطائف، تحت سلسلة الضربات التي تلقتها نتيجة اخطائها، كتمثال من ثلج صنع في الليل على عجل، فلما أشرقت الشمس بدأ بالذوبان..
ومع تهاوي lt;lt;السلطةgt;gt; تكشف البناء التحتي للنظام (أو الدولة) فإذا هو شبكة من التعارضات والتحالفات بالمصالح وعليها بين ممثلي الطوائف والمذاهب..
ومع تهاوي الدولة الجامعة والموحدة اختفى lt;lt;المواطنgt;gt; واختفت الشعارات الوطنية وبرزت إلى السطح lt;lt;الشعوبgt;gt; المؤتلفة في ظل lt;lt;اللبننةgt;gt; المدوّلة.
ولقد كان بديهياً ان تتبعثر القوى السياسية التي حكمت باسم lt;lt;الخطgt;gt; مع الخروج السوري الاضطراري بالقرار الدولي كما بافتقاد lt;lt;الحليف اللبنانيgt;gt;، وأن تتزاحم على القفز من السفينة الغارقة عائدة إلى الاصطفاف الطائفي، بعدما تبدى وكأن النظام البديل سيقوم على نوع من فيدرالية الطوائف بين الأقوى في بيئته.
وما من شك في أن الاخطاء السياسية القاتلة التي بلغت ذروتها بتغييب الشهيد رفيق الحريري قد وسعت مساحة الفراغ السياسي في البلاد، بقدر ما كشفت هزال الطبقة السياسية التي قامت شعبية الجنرال عون على التشهير بها وإدانتها والمطالبة بإسقاطها.. والتي تتسابق اليوم على زيارته لتكون في ركابه أو حليفة له وهو يتقدم منتدباً نفسه لبناء lt;lt;النظام الجديدgt;gt; الذي لا تموِّه الخطب الاحتفالية مضمونه الفعلي، لكي يتم استثماره بنجاح في الانتخابات النيابية ثم... في الانتخابات الرئاسية التي يتحرك الجميع في ضوء أنها lt;lt;أقرب مما يقدر المقدّرونgt;gt;.
وبمعنى ما فإن الجمهور اللبناني قد يرى ان الرئيس الذي حكم باسم اتفاق الطائف قد أضر بهذه الصيغة وأساء إليها أكثر من ذلك الذي غادر منفياً بتهمة خروجه عليها، ثم عاد وهو يدعي أنه كان الأكثر حماسة لها، وأنه إنما عاد ليتمّ النقص فيها!
لا صوت يعلو حالياً على صوت المعركة الانتخابية إلا.. التحذير من مخاطرها التي يمكن اختصارها في lt;lt;حتميةgt;gt; فوز الأكثر تمثيلاً لطائفته..
ليست مصادفة أن يشارك في التحذير من هذه المخاطر البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، ووليد جنبلاط الذي يوجه إليه lt;lt;ألف تحية إذ من خلاله سارت سفينة الوحدة الوطنيةgt;gt; معترفاً بأنه lt;lt;خسرgt;gt; عندما حذّر من اجتياح الحمى الطائفية صفوف المعارضة، ولكنه يتعزى بأنه قال كلمته lt;lt;للتاريخgt;gt;..
وليست مصادفة أن ترتفع اصوات كانت عالية النبرة في المعارضة تحذر من أن النقاش أو الصراع السياسي سينتقل إلى الشارع، إذا ما تعطلت المؤسسات..
بالمقابل فليست مصادفة أن يلتقي الجنرال عون lt;lt;وقرنة شهوانgt;gt; في تجديد المطالبة بإشراك المغتربين في الانتخابات، من دون أي تهيّب للدلالة الطائفية لهذا الشعار..
ولا يخفّف من أثر هذه الدعوة ان يقول الجنرال عون lt;lt;نعم، أنا مبشّر ولدي مشروع إصلاحي تغييري، وثوابتي رفض ذهنية الإقطاع والتصدي للعصبيات الطائفية والمذهبيةgt;gt;...
على أن المصالحة الفورية والشاملة وغير المشروطة مع lt;lt;القوات اللبنانيةgt;gt; قد تعطي صورة أخرى لميشال عون... فالوحدة هنا قد تعني انفصالاً عن الآخرين، أو انها تؤسس لصياغة جديدة للنظام lt;lt;القديمgt;gt; بحيث يكون صريحاً في طائفيته يأتي إليه المنتسبون تتقدمهم ألقابهم وشعاراتهم الطائفية ظاهرة بغير قناع، ويتقدم الجميع في اتجاه فيدرالية الطوائف.
وليست مصادفة أن تسرَّع هذه المصالحة المتعجلة والتي باركتها المراجع الدينية، بين الجنرال عون وlt;lt;القواتgt;gt; خطوات التحالف، الانتخابي بداية والسياسي في العمق، بين تيار الحريري وlt;lt;حزب اللهgt;gt; ووليد جنبلاط وحركة lt;lt;أملgt;gt; والثابتين على اعتدالهم من المسيحيين، ولو انهم سيظهرون وكأنهم خارجون على مسيحيتهم..
كذلك ليست مصادفة ان يشعر أحد أبرز وجوه الاعتدال المسيحي، عصام فارس، وكأن المساحة الانتخابية لم تعد تتسع له، خصوصاً إذا ما افترضنا ان التحالفات الانتخابية ستتم بين lt;lt;الممثلين الشرعيينgt;gt; لطوائفهم، وليس لاتفاق الطائف الذي كان يفترض ان يكون ولاّدة للمعتدلين من اصحاب المصلحة فيه، بينما الذي حدث ان التطبيق الميداني لهذا الاتفاق المغدور قد ضرب أي احتمال للتخفيف من طائفية النظام، وفتح باب الانتساب فقط أمام الممثلين ولو بالقوة لطوائفهم والمذاهب.
أما المأزق الفعلي فهو ما سيجد تيار الجنرال عون نفسه محاصراً فيه، فهذا التيار ظل حريصاً على منطق وطني، بالمعنى العام للكلمة، ولكنه لم يستطع في ظل المناخ السائد ان يكسر الحواجز بين الطوائف، وأن يتخلص كلياً من عيوب الولادة، وإن نجح في الوصول إلى lt;lt;الجمهور الآخرgt;gt;، بأسرع وأوسع مما استطاع lt;lt;غريمهgt;gt; في بيئته lt;lt;القوات اللبنانيةgt;gt;.
إنها الانتخابات يا lt;lt;وطنيgt;gt;... فهيا إلى طائفيتك أو فسارع إلى الابتعاد عن دائرة النار.
لقد ألقيت أثقال كبيرة على هذا المجتمع اللبناني الذي فرض عليه الركود لفترة طويلة في ظل سلطة لم تكن في أي يوم تمثله تمثيلاً حقيقياً، حتى استنقع فاستدرج أو أن واقعه قد برر التدخل الدولي، الذي أنهى lt;lt;الدور العربيgt;gt; الذي لعبته سوريا طيلة خمسة عشر عاماً... ومن أسف ان النهاية كانت مفجعة، إذ هي ساهمت في اضعاف الوطنية والعروبة في لبنان، بحيث اتسعت المساحة لممثلي الطوائف أكثر مما كانت في أي يوم... وإن تم ذلك كله تحت الراية اللبنانية التي عادت إلى الانتعاش بفضل lt;lt;ثورة الأرزgt;gt; المطعمة بدماء رفيق الحريري.
ومفهوم ان الطوائف تستدرج التدخل الدولي وتبرره وتغطيه، وأن هذا التدخل يقوم على تغذيتها وحمايتها وتمكينها من السلطة lt;lt;ديموقراطياًgt;gt; وتحت عيون المراقبين الدوليين للانتخابات الذين سيجيئون من أربع رياح الأرض ليشهدوا للتجربة اللبنانية الفريدة: إسقاط الدولة والمواطن لحساب تقاسم السلطة بين الأكثر تمثيلاً للطوائف... ديموقراطياً.
لقد استقبل اللبنانيون الجنرال ميشال عون، العائد من منفاه، بحفاوة شعبية، يمكن قراءتها على انها اعتراض على اخطاء فادحة في ممارسة السلطة جعلت من معاقبته على lt;lt;التمرد على الشرعيةgt;gt; ظلامة، سرعان ما تحولت إلى lt;lt;قضية عامةgt;gt; اجتمع عليها اللبنانيون الذين نادراً ما يجتمعون فيجمعون على مسألة كانت في أساسها موضع خلاف بينهم.
lt;lt;المتمرد على الشرعيةgt;gt; الآن lt;lt;بطل شعبيgt;gt; وlt;lt;الحاكم باسم الشرعيةgt;gt; الآن ترتفع الأصوات مطالبة بخلعه ومحاكمته...
واتفاق الطائف هو ضحية هذا الانقلاب الذي تم من الداخل فأعاد من كان منفياً في الخارج lt;lt;بطلاgt;gt; وأملاً في مستقبل أفضل!
مع ملاحظة: انه ليس في وسع أحد من السياسيين الدخول في مواجهة مباشرة مع هذا lt;lt;البطلgt;gt; الذي يرى ان عودته تعني إكمال الانقلاب الذي لم يستطع إنجازه وهو ممسك بالسلطة وجيشها قبل خمسة عشر عاماً.
فاللحظة انتخابية، وهي بالتالي ذروة الاحتدام السياسي، (وهو في جوهره طائفي)، وبالتالي فإن معظم القوى (القديمة أو التي نشأت في غيابه) ستسعى إلى التحالف معه لتظهير صورة جديدة لذاتها، تمكنها من خوض انتخابات ناجحة ولو على نقيض شعاراتها في الانتخابات السابقة.
إن التحالف مع عون هو المدخل إلى تمويه طائفية الجميع: العائد بطلاً، والقدامى الذين تواطأوا على خلعه ثم سارعوا إليه في منفاه بعدما لاحت تباشير انهيار نظام ما بعد عون، والتي اكتملت فصولها باغتيال رفيق الحريري، الذي دخل الجنرال إلى الحلبة، مجدداً، من أمام ضريحه في ساحة الشهداء.
أهلاً بميشال عون في وطنه، المهدد الآن بأن يتحول إلى فيدرالية طوائف يظللها التدخل الدولي تحت شعارات الديموقراطية.
التعليقات