بيل شرف الدين من القاهرة: رغم إطلاق سراح ثلاثة عشر من الشباب القبطي الذين ألقت السلطات المصرية القبض عليهم أثناء مظاهرات نشبت بسبب قضية الأنباء التي كانت قد تحدثت عن إعتناق زوجة أحد الكهنة للإسلام، غير أن مصادر الكنيسة القبطية قالت إن البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية سيبقى معتكفًا ولن يبرح الدير إلا بعد حل كافة المشاكل المعلقة، وأضافت المصادر قائلة إنه ربما يفكر بإلغاء الاحتفالات بعيد الميلاد هذا العام، الأمر الذي يبذل عدد من نشطاء مؤسسات المجتمع المدني جهودهم لتداركه، والحيلولة دون تصعيد الأمور بين الكنيسة والدولة إلى ما هو أبعد من ذلك، وقد أبدى أحد هؤلاء النشطاء ـ طلب عدم ذكر إسمه ـ تفاؤلاً بتجاوزه، وإستجابة البابا شنودة لمساعيهم وإنهاء اعتكافه والعودة إلى الكاتدرائية قبل أعياد الميلاد .

وبينما أمر النائب العام المصري باستمرار حبس‏21‏ من الشباب القبطي لإتمام التحقيقات،‏ قائلاً إن النيابة راعت الحفاظ على مستقبل الطلبة الدراسي‏,‏ وإتاحة الفرصة لهم لإتمام دراستهم‏، أعلن عدد من نشطاء الأقباط في مصر اعتزامهم مقاضاة صحيفتي (صوت الأمة) و(الأسبوع) المصريتين المستقلتين، قائلين إنهما دأبتا خلال الفترة الأخيرة على التطاول الصريح على البابا شنودة الثالث، وذلك في أعقاب أحداث الكاتدرائية الأخيرة، وأزمة السيدة وفاء قسطنطين، وأضافوا قائلين إن "وصف شنودة بالعناد والمراوغة، والتآمر والهروب، يعد من ألفاظ التعدي المؤثّمة قانوناً"، وبالتالي فقد ارتكبت الصحيفتان بهذه التعبيرات جرائم قذف بحق رمز ديني له احترامه الكبير داخل المجتمع، فضلاً عما قد يثيره ذلك من تبعات .

وفي الجانب الآخر من المشهد اتهم مقال في العدد الأخير من مجلة (الكرازة) الكنسية، التي يرأس تحريرها البابا شنودة، أجهزة الأمن المصرية بالتراخي في حل مشكلة زوجة القس التي كانت تسعى لإشهار إسلامها، ووصفت المجلة هذه القصة بأنها كانت بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، كما اتهمت المجلة قوات الأمن بالقبض على شبان مسيحيين خارج الكاتدرائية القبطية بحي العباسية وسط القاهرة دون جريرة ارتكبوها، كما طالبت بالإفراج عن المحتجزين الذين اتهمتهم النيابة بالاعتداء على الشرطة وإتلاف بعض المحال والسيارات وهو ما ترفضه السلطات المصرية قائلة إن ذلك لن يحدث إلا بعد انتهاء التحقيقات الجارية معهم، وتحديد مواقفهم بناء عليها والنظر في ما إذا كان سيفرج عنهم أو تتم إحالتهم على المحاكمة، وهو ما يأتي رداً على ما نشر من أن البابا شنودة الثالث لن ينهي اعتكافه الذي بدأه في أحد أديرة "وادي النطرون" إلا بعد إطلاقهم، الأمر الذي ينظر إليه كتصعيد بالغ الخطورة، ويمكن أن تكون له تداعيات سلبية، تذّكر بالأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة من حياة وحكم الرئيس المصري السابق أنور السادات، حين اصطدم بالبابا شنودة، في إطار صدامه بمختلف القوى الفاعلة في المسرح السياسي المصري، عقب توقيعه على معاهدة السلام مع إسرائيل، وقيامه بإيداع كل رموز المعارضة في السجن، كما قرر حينئذ تحديد إقامة شنودة في الدير حينئذ، وإلغاء القرار الجمهوري بتعيينه بطركاً .

حديث الكواليس

ويذهب بعض المراقبين للشؤون الداخلية في مصر إلى أن المعالجة الأمنية للقضية كانت وراء تأزمها، إذ سربت للصحف أنباء مفادها أن الأنبا يؤانس سكرتير البابا، والأنبا بيشوي (مطران دمياط) قد أجريا مفاوضات مع قيادات أجهزة الأمن، وأبلغا البابا شنودة أن الأمن سوف يسلم زوجة الكاهن، غير أن البابا فوجئ بأن أجهزة الأمن لم تسلمها في الموعد المحدد، مما أثار غضبه معتبراً أنها معاملة غير لائقة، وسافر إلى الدير حيث بدأ اعتكافه هناك، وهو التطور الذي فجّر أجواء ملبدة دفعت الشباب القبطي إلى التظاهر داخل حرم الكاتدرائية، وما أعقب ذلك من مصادمات مع قوات الأمن .

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتظاهر فيها شباب الأقباط داخل الكاتدرائية، إذ احتشدت مظاهرة ضخمة عام 2000 عندما نشرت صحيفة محلية اسمها (النبأ) صور راهب (مشلوح) يمارس الجنس، وادعت الصحيفة حينئذ أن ذلك حدث داخل مذبح الكنيسة، أما أقدم حوادث الصدام الطائفي فقد جرت في مطلع السبعينات حين تعرضت كنيسة في ضاحية "الخانكة" للحريق، واعتبرت القيادة السياسية الجديدة وقتئذ ان هذا الحادث شأن سياسي يدار من خلال البرلمان، وبالفعل شكلت لجنة تقصي حقائق برئاسة القانوني البارز جمال العطيفي، واعدت تقريراً عن المسألة القبطية ولا سيما بناء وترميم الكنائس، غير أن التقرير لم تجري مناقشته ولم يؤخذ بأي من التوصيات الواردة فيه، بل سلم الملف القبطي لوزارة الداخلية أسوة بملف الأصولية الإسلامية، وهو ما اعتبره الباحث والصحافي القبطي سامح فوزي، أنه شكل نقطة تحول في أسلوب إدارة هذا الملف، لافتاً إلى أن هناك فارقاً كبيراً بين الملف القبطي وملف الحركات الأصولية، فالأقباط ليس لهم مشروع سياسي يجسد إرادة جمعية، ولم تصدر عنهم ممارسات عنيفة في مسعاهم للمطالبة بالمواطنة الكاملة، وهم مؤيدون للدولة والنخبة الحاكمة في مواجهة خصومهم، ولم يحدث ـ إلا في حالات فردية محدودة ـ أن انضم الأقباط إلى مشروع سياسي معارض أو حتى مستقل عن مشروع الدولة".
ومضى فوزي قائلاً إن الحركات الأصولية الإسلامية تمتلك مشروعًا سياسيًا مناهضًا للشكل الحالي للدولة، وحتى لشخوص النخبة السياسية الحاكمة، وقد عبرت عن خصومتها مع الدولة من خلال حرب استنزاف طويلة المدى أوقعت مئات الضحايا في صفوف الفريقين فضلا عن المدنيين الأبرياء ـ مسلمين ومسيحيين ـ الصراع بين الطرفين كان على أشده في الشارع وساحات المحاكم بينما الكتب يجري تداولها على نحو واسع سواء على أرصفة الطرقات أو في الجامعات والمدارس"، حسب تعبيره .