نبيل شـرف الدين من القاهرة: في وقت تحدثت فيه مصادر قريبة من الكنيسة القبطية عن أن الاحتفال بأعياد الميلاد وفق التقويم الشرقي، والذي سينقله التلفزيون الحكومي المصري على الهواء مباشرة، قد يكون المرة الأخيرة التي تشهد ظهوراً علنياً للبابا الذي تحدثت ذات المصادر قائلة إنه أبدى مؤخراً لعدد من القريبين منه رغبته في الاعتكاف في دير وادي النطرون والابتعاد عن أضواء القاهرة، غير أنه لم يتسن تأكيد هذه الأنباء حتى الآن من مصدر رسمي في الكنيسة القبطية خاصة مع ظروف انشغال رؤسائها هذه الأيام في الإعداد لاحتفالات الأعياد التي تنطلق مساء اليوم الخميس وفق التقويم القبطي.وقرر النائب العام المصري أول من أمس إطلاق 11 قبطياً كانوا آخر دفعة من الموقوفين رهن الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق في الأحداث التي أعقبت قضية زوجة الكاهن، وكان قد أطلق على دفعتين 33 قبطياً اتهموا في القضية ذاتها .
وعلى صعيد متصل نفى البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية في مصر سعيه إلى "ليّ ذراع الدولة"، قائلاً إن "ما حدث بالضبط هو العكس وأعني بذلك ليّ ذراع الكنيسة بالقبض على أبرياء لا علاقة لهم بالأحداث، لأن رجال الشرطة لم يدخلوا إلى داخل فناء البطريركية ليقبضوا على المتجمهرين وإنما قبضوا على أشخاص خارج الكاتدرائية ولا علاقة لهم إطلاقاً بالأحداث، ومثال ذلك أن شاباً جاء يومها ليحضر الاجتماع الذي أعقده كالعادة مساء كل أربعاء، فقيل له إن الاجتماع قد ألغي لسفر البابا فخرج لكي يعود إلى بيته فقبضوا عليه وصار من المحبوسين بينما لا دخل له في التجمهر"، كما اتهم البطريرك الشرطة أيضاً بأنها "هي التي صعدت إلى سطح الكنيسة البطرسية وخلعوا البلاط من أرضية السقف وضربوا الشباب المتجمهر، وحدث أن جرح أحد الآباء الكهنة وجرح معه آخر وهنا رد عليهم الشباب، بيد أن هؤلاء الشباب لم يقبض عليهم وإنما قبض على آخرين ليس لهم علاقة بالأحداث"، حسب تعبير بطريرك الأقباط .
الأيام الشريرة
وقد خرج البابا شنودة عن صمته لأول مرة منذ الأحداث الطائفية الأخيرة، التي واكبت أو تزامنت مع أزمة زوجة الكاهن، حيث أدلى اليوم الخميس البطريرك، الذي كان قد اعتكف في أحد أديرة وادي النطرون (شمال غرب مصر)، بتصريحات شرح فيها موقفه خاصة بعد تعرضه لحملة هجوم شرسة من بعض الصحف المحلية المصرية، التي وصل بعضها إلى حد اتهامه "بالتسبب في تصعيد هذه الأزمة، ومحاولة ابتزاز النظام، وتشجيع الاعتداء على قوات الأمن أثناء المظاهرات"، كما خاضت أيضاً إحدى الصحف في الملف المالي للكنيسة، ووجهت أقلام بعضها محسوب على الحكومة، وأخرى على جماعة الإخوان المسلمين "المحظورة"، وغيرها على القوميين والناصريين، عاصفة من الانتقادات غير المسبوقة لبطريرك الأقباط الذي طالما أفردت له تلك المنابر الحكومية والمستقلة الصفحات من قبل، وظل البابا شنودة ملتزماً بالصمت طيلة الفترة الماضية، حتى خرج اليوم بتصريحات لصحيفة (الوفد) لسان حال حزب الوفد الليبرالي، استهلها بقوله "إن الكلام ليس فيه إنهاء لكل أزمة، إنما يتكلم الإنسان حينما يجد آذاناً مصغية وحينما يجد مشاعر تستجيب لكلامه، وهناك آية لدينا تقول: فليصمت الحكيم في ذلك الزمان لأن الأيام شريرة" .
ونفى البابا شنودة اتهامات وجهتها بعض الصحف إليه بتحويل الكنيسة لمنبر سياسي ومنطلق للمظاهرات، قائلاً إن "ما حدث كان في فنائها وهذا يحدث في كل مكان"، وتساءل مستنكراً "إذا حدثت مظاهرات في فناء الجامعة هل يسأل عنها رئيس الجامعة؟ المظاهرات تحدث في الجامعات وفي الأزهر وفي النقابات ولا يعني ما حدث أن الكاتدرائية قد تحولت إلى منبر سياسي"، واستدرك قائلاً إن "الكنيسة تقوم بواجبات عديدة في مجال العناية بالفقراء والمحتاجين والمرضى ممن لا يملكون نفقات العلاج ولا ثمن الدواء، وتقوم أيضاً بواجبات اجتماعية كثيرة للذين لا يجدون مسكناً أو لا يملكون نفقات الزواج، وبالتالي يحضر إليها كل من لم يجد حلاً لشكواه، ربما تستطيع الكنيسة أن تتوسط له لدى المسؤولين لحل مشكلاته"، وأضاف قائلاً "إننا حالياً نجد رسالة المسجد قد تطورت أيضاً، لتشمل العناية بالجماهير من نواح متعددة بما في ذلك فصول دراسية لتقوية التلاميذ وعلاج المرضى وغير ذلك" .
رواية البطرك
وروى البابا شنودة قصة تصاعد أزمة إسلام زوجة الكاهن قائلاً إنه كان في سورية "بعد رئاسة مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي عقد في دمشق مساء الثلاثاء السابع من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فقرأت خبراً منشوراً في الأهرام عن إسلام زوجة كاهن وتزوجها بمهندس مسلم، وكان موضوع اختفاء زوجة الكاهن قد أثير من قبل وكان يمكن حله على المستوى المحلي وينتهي دون أن يسمع به أحد"، وأضاف قائلاً "أحب أن أؤكد أن مطران البحيرة لم يوسع دائرة الموضوع، ولكن عندما اجتمع المطران ومدير الأمن والمحافظ وانضم اليهم وزير التنمية المحلية لم يستطيعوا حل الموضوع، وعندها قالوا رئاستنا موجودة في القاهرة، واتفقوا على نقل المشكلة إلى القاهرة التي جاءوا إليها بالاتفاق مع الأمن"، حسب تعبير بطريرك الأقباط .
ونفى البابا شنودة بشدة أن تكون زوجة الكاهن قد تعرضت لأي إكراه للعودة إلى المسيحية، وقال إنها "هي التي وقفت في النيابة وقالت إنها ولدت مسيحية وستظل وتموت مسيحية، ولم تذهب إلى دير وإنما كان مكاناً خالياً إذ أننا اتصلنا كي يأخذ الآباء فرصة للجلوس مع زوجة الكاهن واتفق على المكان واشترط الأمن ألا يكون مكاناً كنسياً أو بيتاً للتكريس، وأخيراً اتفق على فيلا تابعة لنا في أرض النعام يحيطها فناء وسور، ولا مانع من وجود بعض المكرسات، واتفقنا على هذا مع الأمن، ولكنهم بعد ذلك قالوا لابد أن تذهب إلى النيابة ثانية لكتابة محضر، وفي النيابة حدثت مشكلة لمدة ساعتين حول إمكانية دخول المحامي معها"، واختتم متسائلاً : "أين هو الإكراه في الدين؟ " .
وأثارت هذه القضية أزمة حادة، وجدلا واسعاً في الشارع المصري، حيث نظم مئات الأقباط مظاهرات حاشدة يوم الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، غير أن حدة تلك الأحداث بدأت تخفت بعد أن سلمت السلطات المصرية زوجة الكاهن المدعوة وفاء قسطنطين لقيادات الكنيسة، حيث يمنح القانون المصري للكنيسة الحق في التحقق من الراغب في تغيير دينه من انه يريد القيام بذلك طوعا لا قسراً، وذلك بمواجهته ببعض القساوسة، وطالبت الكنيسة بتطبيق هذا الإجراء على حالة وفاء، وهو ما حدث بالفعل إذ تراجعت بعد هذا اللقاء وأعلنت تمسكها بالمسيحية مرة أخرى، وأفادت أنباء أكدها الأنبا أرميا أنها عادت وطلبت "الصفح" من البطريرك، "الذي منحها عفوه، وأكد أنها ستبقى في الكنيسة بعض الوقت لرعايتها، ومد العون لها بعد هذه الأحداث"، كما شهدت أيضاً محافظة المنيا في صعيد مصر خلال الأيام الماضية صداماً جديداً بين المسلمين والمسيحيين، بسبب شائعات حول بناء كنيسة جديدة في قرية اسمها "دمشاو هاشم".
التعليقات