حليف سورية .. الفصيح دونما بلاغة
ناصر قنديل الذي قفز فوق كل الحواجز
القومي لقي عناية لانه الأوسع قاعدة بين المسيحيين يدير "CIA لبنانية" تقبض على أحشاء الأنظمة السياسية أبرز رموز خدمة الخطة السورية في لبنان (1) |
بلال خبيز من بيروت: انتسب ناصر قنديل إلى "رابطة الشغيلة" وهو تنظيم صغير من التنظيمات الماركسية التي لها علاقة ما بأفكار ليون تروتسكي. هذه التنظيمات الصغيرة والهامشية شهدت اوج ازدهارها وذروة تفريخها في الفترة الممتدة بين عامي 1975 و1976 او ما يسمى في الأدبيات السياسية اللبنانية بـ"حرب السنتين". لم يكن للتنظيم دور فاعل لا حربًا ولا سلمًا، وان كان محازبوه شديدو الحماسة للحرب والمناقشة في وقت واحد. ناصر قنديل الشاب كان متحمسًا لأفكار التنظيم الصغير، ويروى انه كان يزور بعض اصدقائه متمنطقًا حزامًا ناسفًا ومسلحًا ببندقية ومسدس ويخبرهم عن بطولاته في حروب الشوارع في العاصمة بيروت ضد "القوى الانعزالية". حماسة الشباب من دون شك. لكن التنظيم الصغير لم يسعف طموحات الشاب الكبيرة. بقي التنظيم صغيرًا واستمر دوره هامشيًا، ولم تعد ارجاؤه تتسع لطموحات الشاب الواعدة. فأخذ يفتش عن مستقبله السياسي في أمكنة اوسع وأرسخ.
بعيد انتهاء الحرب اللبنانية بموجب اتفاق الطائف انشأ التنظيم الصغير محطة تلفزيونية حملت اسم "تلفزيون المشرق"، كان ناصر واخوه غالب من الأعمدة المقررة فيها. لكن المحطة سرعان ما اثبتت عجزها عن الصمود في السوق الإعلامي وانتقل قنديل إلى اعمال أخرى تتصل برسم مستقبله السياسي اللامع في ما بعد.
حمل من عمله في المحطة التلفزيونية صفة الصحافي، وهي الصفة التي خولته في ما بعد ليتسلم رئاسة المجلس الوطني للإعلام. كانت طموحات الشاب لا تحد وارتأى لتحقيقها ان يتصل اتصالًا وثيقًا برئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الراحل العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. لكن قنديل اكتشف سريعًا ان العمل مع العلامة كمستشار مقرب لن يخوله الدخول في عالم الأضواء من بابه الواسع. فانتقل من أذن العلامة إلى خدمة السيد نبيه بري رئيس حركة امل الشيعية والمجلس النيابي في وقت واحد. حيث رشحه هذا الأخير لعضوية المجلس الوطني للإعلام عن الطائفة الشيعية من دون منافس من طائفته، وانتخب نائبًا لرئيس هذا المجلس في العام 1995. خلال عمله كنائب للرئيس اجتهد قنديل كثيرًا في الظهور الإعلامي، فلم يترك مناسبة للظهور إلا وحرص على اقتناصها.
كان يدرك ان الوزن الضئيل الذي يمثله سياسيًا لا يمكن تعويضه إلا باللغو المتواصل الذي يجعل صيته على كل شفة ولسان. والحق ان الشاب فصيح فصاحة لا تشوبها شائبة انما من غير بلاغة على الإطلاق. وذلك يناسب ايما مناسبة جهتين متنفذتين على الأقل: التلفزيونات التي تبهر المشاهدين بسلاسة نطق المخارج ووضوحها حيث ينوب الإيقاع عن المعنى، والإدارة السورية التي دائمًا كانت تحتاج لمن يجدد امبلاجًا فاخرًا لسياسة متهالكة. والحق ان ناصر قنديل من بين كل رجال السوريين في لبنان كان الأفصح على الإطلاق والأجرأ في تغطية السموات بالقبوات على ما يقول المثل اللبناني. فلم يكن يردعه شيء عما يريد قوله وعما يدعو له، وكان في وسعه ان يناقش ويتكلم لساعات طوال من دون ان يترك وقعًا محددًا في أذن السامع او يمكّنه من فهم اي شيء. هكذا كان ينجح في جدالاته بالمثابرة والصبر وليس بقوة الحجة في طبيعة الحال.
علاقته بالرئيس نبيه بري لم تكن تلبي كافة طموحاته وسرعان ما عقد صلات مباشرة مع الحكام الفعليين اي ضباط الامن السوري في لبنان. علاقته مع هؤلاء استندت في معظم الأحيان على تبادل الخدمات، مما جعل ثروته بادية للعيان، وثمة كلام كثير في لبنان عن وكالات تجارية كثيرة حصلها السيد قنديل من طريق هذه العلاقات. عام 1998 وبعد تعيين الرئيس اميل لحود في دمشق رئيسًا للبنان، وكانت علاقاته على قدر لا يستهان به من الجفاء مع السيد رفيق الحريري، شكل الرئيس سليم الحص اولى حكومات العهد، وفي المناقلات الوظيفية طرح اسم ناصر قنديل مدعومًا من الرئيس بري لتولي منصب مدير عام وزارة الاعلام، وكانت الوزارة منذ الطائف موقوفة للرئيس بري بموجب الكوتا بين الرؤساء. لكن علامات الاستفهام الكثيرة حول صحة شهاداته العلمية جعلت هذا المنصب يؤول إلى غيره، وهذه مشكلة واجهته في ما بعد اثناء حملته الانتخابية على لائحة رفيق الحريري عن المقعد الشيعي في بيروت. فذهب الصحافي الفذ والذرب اللسان إلى مغامرة أخرى تمثلت هذه المرة بطرح اسمه كمرشح جدي جدًا لرئاسة المجلس الوطني للإعلام الذي كان يقضي العرف ان يتولى رئاسته احد ابناء الطائفة السنية.
تنافس على المنصب مع عماد الترك المدعوم من الرئيس الحص وحصل عليه بنتيجة الانتخاب، بدعوى ان هذا المنصب يحتاج إلى اثبات كفاءة من يشغله وليس إلى اعتماد التوزيع الطائفي (كذا). المهم ان عقبة المذهب ذللت للشاب الطموح، وغدا رئيسًا للمجلس الذي كان من صلاحياته الرقابة على المحطات التلفزيونية والإذاعية وتقديم الشكاوى والتنبيهات في حقها إذا ما خالفت العرف والسياسة السائدتين.
بدعم من الرئيس بري اختاره الرئيس رفيق الحريري على لائحته في انتخابات العام 2000 النيابية، في مواجهة محمد يوسف بيضون المرشح على لائحة الرئيس الحص، والذي يعتبر زعيمًا حقيقيًا لشيعة بيروت العاصمة، وفي اثناء الحملة الانتخابية دار لغط كبير حول صحة شهادته العلمية واتهمه بيضون وزير التربية يومذاك بتزويرها. لكن الحريري اكتسح المقاعد كلها، وأتى قنديل راكبًا في قاطرة الحريري إلى المجلس النيابي، مدعومًا من بري وصديقًا شخصيًا لكثير من ضباط الأمن السوري العاملين في لبنان.
هذه السيرة الحافلة بالتلون والتبدل جعلت قنديل شخصًا مشهورًا في لبنان، تضارع شهرته شهرة هيفا وهبي وتفوقها اضعافًا. فهو مجال للتندر بين اللبنانيين كافة، ويكاد لا يوجد صحافي في لبنان إلا وكتب مقالة في الخلاف معه. وكان على الدوام ضيفًا مناسبًا لبرامج الفكاهة السياسية على شاشات التلفزيون. لكن ذلك كله لم يفت في عضده، واستمر الرجل فائق الحماسة ويوحي انه مقتنع بافكاره ويكاد لشدة حماسته وعلو نبرته يقنعك بصحة ما يذهب إليه، هذا إذا تمكن السامع من فهم ما يريد الذهاب إليه.
منذ توليه منصبه كنائب عن الأمة، وثق قنديل صلاته بأصدقائه الضباط. وتخلى عنه اصدقاؤه القدامى من رابطة الشغيلة إلى رئيس المجلس النيابي إلى رئيس لائحته رفيق الحريري. لكن نجمه لم يخبُ. فهو يعرف دائمًا من اين تؤكل كتف الإعلام. وكانت آخر مآثره انه قاد ضجيج وصراخ التظاهرة المضادة لتظاهرة 21 شباط التي اطاحت بحكومة كرامي واعلن بالفم الملآن انه سيكنس ساحة البرج من مفترشيها من المتظاهرين. لكن الرياح لم تجر كما يشتهي النائب الذرب اللسان، والأرجح انه اليوم يحصي ثروته تمهيدًا لهجرة لا عودة منها. وما على اللبنانيين الا ان يدعوا له بالتوفيق فربما يحالفه الحظ بأحسن مما حالفه في لبنان.
التعليقات