"وجه العروبة أسود .. حين ترأس أحمد"
هؤلاء أدوا قسطهم للعلا دبلوماسياً

نصر المجالي من لندن: ستون عاما من العمل العربي المشترك الذي عانى من عقبات وصدامات وتشابكات عطلته لسنين خلت، حتى كاد هذا العمل المشترك يكون رابع المستحيلات الثلاثة بعد الغول والعنقاء والخل الوفي. ولقد كان أفضل تعبير عن الحال العربي حسب ما روي من كواليس القمم العربية ما جاء على لسان رئيس وزراء السودان الأسبق والدبلوماسي المحترف محمد أحمد محجوب في قمة الخرطوم التي تلت هزيمة العرب ونكستهم العام 1967 ، وتقول الحكاية إنه حين تدافع العرب لقمة اللاءات الثلاث التي قيل إنها صارت أربعا "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف،،،الرابعة المستمرة لا اتفاق عربيا"، أن الرئيس السوداني الراحل إسماعيل الأزهري لم يترأس إحدى جلسات القمة، وندب رئيس وزرائه أحمد محجوب، وحين بدأت المداولات، رفع الناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية الشاعر والأديب الراحل كمال ناصر الذي كان يمثل وجه العمل الفلسطيني دبلوماسيا وإعلاميا يده طالبا الحديث، وما كان من محجوب إلا أن أعطاه حق الحديث، فبادر كمال ناصر إلى القول : سيدي الرئيس "وجه العروبة أسود" في إشارة إلى الهزيمة الماحقة ... هنا رد محجوب وهو كان شاعرا وأديبا أيضا: آه يا كمال تقصد "حين ترأس أحمد"، هنا يعني محجوب رئاسته للقمة العربية.

وإليه، فإن قمما عربية عقدت وانفضت كما ينفض السامر بعد عناء المشاركين في الرقص، ومنذ أول قمة استضافتها بيروت العام 1956 تداعت لها الدول العربية المستقلة آنذاك لدعم مصر في مواجهة العدوان الثلاثي (الفرنسي ـ البريطاني ـ الإسرائيلي) إلى هذه اللحظة، لمعت أسماء دبلوماسية كان لها بريقها على الساحة الدبلوماسية العربية والعالمية، وارتبطت المرحلة بمهمات وبأسماء هؤلاء بين حقبة وأخرى.

ومن كان يتابع القمم العربية للعقود الأربعة الماضية، من الصحافيين الأحياء منهم والأموات ارتبط بذهنه وذاكرته مجموعة من الأسماء التي حركت ذلك العمل الدبلوماسي فشلا أو انتصارات وهذه الأخيرة محدودة أو مهشمة أومهمشة لا فرق لخصوصية واقع الحال العربي، وكان الفشل تارة إما خارج الإرادة فيما الأخرى كان من داخل البيت العربي الذي لا زال يعاني كثيرا من انفراط العقد، رغم الدفاع المستميت الذي قدمه عميد الجامعة العربية عمرو موسى خلال اجتماعات وزراء الخارجية التحضيرية الحالية لقمة العرب بعد غد الثلاثاء.

وقال موسى الذي كسب معركة بقائه على راس الجامعة مجددا أمام هجمات مغاربية ضده "لقد قدمت الجامعة العربية الكثير لصالح العمل العربي المشترك على مدى ستين عاما"، ولوحظ أن موسى كان حادا مستميتا في الدفاع عن جامعته التي تلقت عشر أوراق عمل لإصلاحها من دول أعضاء، ولا أحد سيعرف أي ورقة منها "ستتفوق ليرى الإصلاح النور".

لعل من الإشارة على هامش قمة الجزائر التذكير بأن هناك وزراء خارجية قادوا العمل الدبلوماسي في بلدانهم للعقود التي مضت وما زالوا على ظهر السرج، وهنا يأتي اسم رئيس القمة عبد العزيز بوتفليقة الذي كان في الستينيات والسبعينيات خلال الفترة البومدينية أصغر وزير خارجية في العالم في عصره، وكان الأصغر قبله هو الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز حين قاد دبلوماسية والده الراحل موحد المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل في مطلع القرن الماضي وعمره 15 عاما. فمن الوزارة إلى المُلك، وحال بوتفليقة من الوزارة إلى المنفى إلى الحُكم.

ومن بين المشاركين في قمة الجزائر وهي السابعة عشرة بين قمم العرب الاستثنائية والعادية هناك وزراء مخضرمون، وآخرون حديثو العهد، وهنا تأتي أسماء شاركت في القمم للعقود الثلاثة المنصرمة، مثل الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة كأقدم وزير خارجية عربي (منذ استقلال مملكة البحرين العام 1971 ) يليه وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل (منذ العام 1975 ) ثم الشيخ راشد عبد الله النعيمي وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة (منذ العام 1980 ، حيث خلف المخضرم أحمد خليفة السويدي أول وزير خارجية للإمارات) ثم فاروق الشرع وزير خارجية سورية (منذ 1984 ، حيث خلف نائب الرئيس عبد الحليم خدام) ويوسف بن علوي بن عبد الله وزير خارجية سلطنة عمان الذي خلف الوزير الراحل قيس بن عبد المنعم الزواوي.

وإذا اعتبر فاروق القدومي في منصب وزير خارجية لدولة فلسطين، فإنه ينضم إلى نادي الوزراء المخضرمين الذين لا زالوا يؤدون مهماتهم، رغم أنه تم تعيين وزير خارجية جديدا لفلسطين هو ناصر القدرة ليكون بذلك الأحدث يبين الجميع، يليه في الحداثة هاني الملقي وزير خارجية الأردن، ثم أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر ، وما بين هؤلاء أسماء لمعت في السنوات الأخيرة خصوصا لجهة تطورات الأحداث في بلدانها، مثل وزير خارجية السودان مصطفى عثمان إسماعيل وعبد الرحمن شلغم وزير خارجية ليبيا ومحمد الصباح وزير خارجية الكويت، وحمد بن جاسم بن جبر وزير خارجية قطر الذي لفت أنظار المراقبين في الأعوام الأخيرة بمحاولات دبلوماسية لم يتحقق لها النجاح مع صدام حسين وياسر عرفات ثم أخيرا مع بشار الأسد، وكذلك أبو بكر القُربي وزير خارجية اليمن والحبيب بن يحيى وزير خارجية تونس، ويعتبر الأقدم بين وزراء خارجية الدول المغاربية يليه عبد العزيز بلخادم وزير خارجية الجزائر، ثم وزير خارجية موريتانيا محمد فال ولد بلال.

هناك وزيرا خارجية يشاركان في الجزائر رغم استقالة حكومتي بلادهما رسميا، هما وزير خارجية لبنان محمود حمود ووزير خارجية العراق هوشيار زيباري (الذي قفز من معارضة صدام لقيادة دبلوماسية العراق في أحلك الظروف لاستعادة دور هذا البلد على الساحة العالمية).

يشار أيضا، إلى أن واحدا من أعرق وأقدم وزراء الخارجية العرب هو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يشارك في القمة ولكن ليس بصفة الوزير التي تركها قبل عامين، بل كرئيس وزراء لدولة الكويت، وكان الشيخ صباح قام بالمهمة أيضا كأصغر وزير خارجية منذ ستينيات القرن الفائت.

لكل واحد من هؤلاء الوزراء قصة أو قصصا مع الصحافيين العرب الذين تعودوا أو أدمنوا تغطية القمم العربية أو الخليجية أو حتى المغاربية، والمتابع لفعاليات أية قمة منها يكاد يلاحظ مدى العلاقات التي خلقتها تراكمات مشاركة إما الوزراء أو الصحافيين في القمم، حتى أنه أصبح كل واحد منهما صديقا لصاحبه أو عدوا لدودا له على خلفية أخبار ومعلومات نشرت عن هذا الوزير أو ذاك أو نسبت إليه تصريحات لم يكن صرح بها.

ولكن أيضا، بالمقابل، فإن وزراء خارجية استطاعوا اختراق جبهة الصحافيين بتشكيل ما يمكن أن يسمى (لوبي) يخدم في توجيه المعلومات وتسريب الأخبار "حتى وإن كانت مغلوطة" لخدمة مصالح هذه الدولة العربية أو تلك، أو تسريب معلومات لإحباط مشروع قرار ما يقدم من هذا الطرف أو ذاك، حتى أن الدبلوماسية العربية استطاعت تحقيق انتصاراتها في حربها بين بعضها البعض على الساحة الصحافية العربية المشتتة هي الأخرى، فكثير من الصحافيين العرب تورطوا من حيث لا يحتسبوا بتسريب أخبار اعتبروها في وجهة نظرهم انفرادا، لكن تبين في نهاية المطاف أنها "ذكاء من هذا الوزير أو ذاك، حيث استطاع تمرير موقف بلده من خلال استغلاله لنهم البعض من الصحافيين في تحقيق سبق صحافي !".

وإلى ذلك، فإن كل قمة عربية كانت تخلق نجما دبلوماسيا من الوزراء، وهذا يعتمد نسبيا على القضية المطروحة في تلك القمة أو هذه، ولقد ظل طارق عزيز المعتقل حاليا نجم كل مؤتمرات القمة في الثمانينات وقبله محمود رياض ومحمد غالب (مصر) في السبعينيات يشاركهما زيد الرفاعي (الأردن) وعبدالحليم خدام (سورية) وفي السنوات الأخيرة ظلت النجومية لسعود الفيصل بلا منازع حيث تداعيات الأحداث في الشرق العربي عراقيا وفلسطينيا وابعد من ذلك أفغانستان والحرب على الإرهاب، مضافا إليها قيادة الرياض لمبادرة تسوية شرق أوسطية، مع دورها الحالي في الشأن اللبناني ـ السوري.

وأخيرا، هل لا زال وجه العروبة أسود؟.