تحليل اخباري

المستقبل مرتبط بقدرته على تحقيق وعده بإجراء الإنتخابات
ميقاتي وأهل السنة في لبنان.. وسورية

خيرالله خيرالله: بعيداً عن المزاح الذي يدور عادة بين اللبنانيين، وهو مزاح من نوع اتهام السيد نجيب ميقاتي بالصدق او الكرم... وهي اتهامات بريء منها، لا يمكن تجاهل ان تكليف نائب طرابلس تشكيل حكومـة يشكل نقطـة تحول في مجال التعامل السوري مع لبنان.
يأتي نجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة في وقت تستعجل سورية اخراج قواتها وعناصرها الامنية من لبنان، وبذلك سيكون ابن طرابلس الذي يعتبر في الوقت نفسه صديقاً قديماً للرئيس بشار الاسد، اول رئيس للحكومة اللبنانية في عهد ما بعد الانسحاب السوري، هذا اذا وفق في تشكيل حكومة.
ايا يكن الرأي في نجيب ميقاتي الذي لدى اللبنانيين مآخذ كثيرة عليه يصعب الحديث عنها نظراً الى انها تدخل في الصفات الشخصية للرجل، الا انه يبقى ان عيبه الاكبر يكمن في انه ليس قادراً على ان يصنع من نفسه زعيماً وطنياً وذلك لاسباب لا تخفى على احد لا علاقة لها بضيق ذات اليد.
ولكن ومع تولي نجيب ميقاتي رئاسة مجلس الوزراء لا بد من الاشارة الى انه حاول طوال العامين الماضيين الحد من التصرفات السورية المتهورة في لبنان ودفع ثمناً لمواقفه. وشمل هذا الثمن تعويم سورية للرئيس عمر كرامي الذي لم يوفر نجيب ميقاتي يوماً، بل ذهب الى حد توجيه اتهامات شخصية له. وتجاوزت هذه الاتهامات حدود اللياقات المتبعة في لبنان اذ استخدم كرامي كلاماً بذيئاً في حق خصمه السياسي بلغ حد التشهير به، وقد حصل ذلك مجدداً قبل اقل من اسبوعين.
اذا وضعنا جانباً الخصومة التقليدية بين عمر كرامي ونجيب ميقاتي، وجدنا ان الاخير سعى طوال العامين الماضيين الى ايجاد هامش للمناورة يستخدمه لتصحيح السياسات السورية وذلك استنادا الى قناعات. ولذلك رفض نجيب ميقاتي اوامر اجهزة المخابرات السورية في لبنان عندما طلب منه في العامين الماضيين شن حملات على الرئيس الشهيد رفيق الحريري من ضمن جوقة ضمت الادوات السورية في لبنان. وكانت نتيجة ذلك ان ظهرت فجأة في شمال لبنان لافتات تهاجم نجيب ميقاتي موقعة من جماعات اسلامية متطرفة كان له اليد الطولى في إخراج زعمائها من السجون السورية. حدث ذلك في تاريخ لم يمر عليه الزمن وفي وقت كانت فيه الاستعدادات على قدم وساق لتمديد ولاية الرئيس اميل لحود.
بقي نجيب ميقاتي صامداً ورفض في كل الاوقات النيل من رفيق الحريري الذي كانت تربطه صداقة قديمة جداً ومن نوع غريب بلغت احياناً حد القطيعة مع الشقيق الاكبر لنجيب اي بالسيد طه ميقاتي. وللتذكير فقط كان طه ميقاتي خلف بشار الاسد مباشرة لدى مواراة جثمان حافظ الاسد الثرى في مسقط رأسه قرداحة .
اصر نجيب ميقاتي على تمييز نفسه عن الادوات السورية في لبنان متكلاً في معظم الاحيان على انه صديق الرئيس بشار الاسد وعلى ان ولاءه لسورية لا يمكن ان يكون موضع شك، وذهب الى حد توجيه نصيحة الى الرئيس السوري فحواها ان من الافضل عدم التمديد للرئيس اميل لحود. لكن نجيب ميقاتي ما لبث ان رضخ لمشيئة بشار الاسد على الرغم من خيبة الامل التي اصيب بها في عهد لحود. كانت تلك الخيبة عظيمة. كانت في حجم الآمال التي علقت على لحود الذي لعب طه ونجيب ميقاتي دوراً كبيراً في تقريبه من بشار الاسد في وقت كان لا يزال الرئيس اللبناني قائداً للجيش وفي وقت عملت مجموعات سياسية لها وزنها في لبنان وسورية على التمديد للرئيس الياس الهراوي بغية الحؤول دون وصول اميل لحود الى الرئاسة في العام 1995.
ساد فتور العلاقات بين نجيب ميقاتي واميل لحود في العامين الماضيين، وكان الاول بين القلائل من السياسيين غير المحسوبين على المعارضة الذين حافظوا على علاقة معقولة مع الرئيس الحريري ومع نواب بارزين مثل نسيب لحود يتضايق رئيس الجمهورية حتى من سماع اسمهم. اكثر من ذلك، بقي نجيب ميقاتي على علاقة جيدة بالوزير السابق غسان سلامة وظل يشيد به في وقت كانت الابواق السورية تتهمه بأنه لعب مع الحريري والنائب مروان حمادة دوراً محورياً في صياغة نص القرار 1559 الذي اخرج سورية من لبنان وفي جعل مجلس الامن يتبناه، علماً بأن ذلك غير صحيح على الاطلاق. فهل يعقل ان يمتلك لبنان مجموعة قادرة على صياغة قرار وجعل مجلس الامن يتبناه؟ ولو كان ذلك صحيحاً هل من عاقل يرفض احتضان اشخاص يشكلون مثل هذه المجموعة والاستفادة منهم بدل السعي الى التخلص منــهم.
يبقى ان كل ما يقال عن نجيب ميقاتي يظل كلاماً من الماضي. اما المستقبل فانه مرتبط بقدرة الرجل على تحقيق وعده باجراء انتخابات نيابية في لبنان قريباً وذلك تفادياً لصدور قرارات اخرى عن مجلس الامن تطال سورية ولبنان وتزيد من العزلة الدولية لدمشق. وما قد يكون اهم من ذلك كله، ان الموقف المعقول الذي اتخذه نجيب ميقاتي منذ استشهاد رفيق الحريري يمكن ان يساعد في مصالحة بين اهل السنة في لبنان ودمشق. والاكيد ان الاتيان بنجيب ميقاتي الى رئاسة مجلس الوزراء يستهدف اولاً وقبل كل شيء اعادة الجسور بين الجانبين. ففي النهاية لم يكن مفاجأة المفاجآت بعد اغتيال الرئيس الحريري موقف المسيحيين ولم يكن موقف الدروز، بل كان موقف اهل السنة الذين تحولوا جزءاً لا يتجزأ من المعارضة اللبنانية حتى لا نقول قلبها النابض ورأس حربتها. وقد غيروا بذلك كل المعطيات على الارض اللبنانية بما في ذلك المعطيات الانتخابية. هل يستطيع نجيب ميقاتي تحقيق هذه الخدمة لسورية؟ قد يتمكن من ذلك في حال تخلى النظام في دمشق عن كثير من اوهامه اللبنانية وسعى في الوقت نفسه الى فهم ان ثمة حاجة الى نوع جديد من العلاقات مع لبنان...