مؤتمر الطائف وإزاحة الجنرال (الحلقة الاخيرة)
عون في لبنان بعد نفي 15 عامًا
الحلقات السابقة: عون حكاية صبي ابن حارة حريك (1) |
ريما زهار من بيروت:
لم يكد " البرلمانيون اللبنانيون" يصلون الى الطائف "لاعداد ومناقشة وثيقة وفاق وطني" كما ورد في الدعوة قبل ذهابهم، حتى تبين مع وصولهم الى السعودية انهم مدعوون كنواب"لمناقشة واقرار وثيقة الوفاق الوطني". هذا الانقلاب اللافت أثار الرأي العام الشعبي في المناطق الشرقية كافة واعتبر فخًا، كذلك ثارت ثائرة العماد عون اذ راح يكتشف يومًا بعد يوم انسياق النواب وتنكرهم للاتفاق الذي جرى بينهم وبينه قبل ذهابهم، والذي كان ابرز بنوده انهم لن يذهبوا كنواب. وهكذا تظاهرت ألوف الجماهير الى بعبدا بشكل شبه يومي وبلغ عدد إحدى التظاهرات المئتي ألف، وارتفعت لافتات الاستنكار والشجب ضد موقف النواب مطالبة بعودتهم الى لبنان وداعمة لمواقف العماد. وكان الجنرال يتحدث يوميًا في الجماهير ويحث النواب على العودة الى قواعدهم الشعبية قبل الاتفاق على اي وثيقة وفاق في الخارج.أما عندما سئل الجنرال "لماذا سمحت لهم بالذهاب؟" فاجاب :"لو منعتهم لكان كل هؤلاء المتظاهرين ضدهم في بعبدا يتظاهرون اليوم ضدي ويتهمونني بالديكتاتورية، ولما كان بامكاني ان اقول لهم وللعالم عار عليكم أن يقف جنرال بثوب مرقط ويلقي عليكم درسًا في الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان". غير ان كل ذلك لم يكن ليحمل النواب على العودة عن موقفهم واكملوا اجتماعاتهم في الطائف حتى اقرار وتوقيع وثيقة الطائف. مع التوصل الى "اتفاق الطائف" نشط الموفد العربي الاخضر الابراهيمي في جولات كملاحقة لتأمين اجماع في الموافقة على الطائف، لكنه اصطدم بعقبة بالغة الصعوبة هي عقبة العماد عون الذي اعتبر الطائف "خيانة كاملة".وعندما تأكد الجنرال ان النواب مصممون على اقرار الاتفاق في جلسة القليعات، والتجديد لرئيس المجلس النيابي، وانتخاب رئيس للجمهورية، صمم بدوره، في ليلة تعتبر الليلة الماراتونية في حياته كرئيس للحكومة، حل المجلس النيابي وكان القرار الخطير.
إقرأ أيضا |
انتخاب معوض
انتخاب الهراوي
استشهد الرئيس معوض فسارعت آلية الطائف وانتخبت الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) في "بارك اوتيل" شتورا والفت حكومة من 14 وزيرًا برئاسة الدكتور سليم الحص واعلنت في اليوم التالي. وفور انتخابه أعلن الهراوي:"ان مسيرتنا قادرة على سحق كل من يقف في وجهها."
ازاحة الجنرال مع انتهاء الاسبوع الاول من تشرين الاول (اكتوبر) المنصرم وصل الصراع بين الشرعية التي كان العماد عون يعتبرها "مزعومة" وبين الجنرال الى المفترق الحاسم الذي بات معه واضحًا للجميع أن ثمة عملًا حاسمًا يحضر له بهدف اخراج الوضع من المأزق الذي بلغه.
هكذا تكونت قناعة لدى الرئيس الهراوي بان لا حل مع الجنرال الا بازالته عسكريًا ، فيما تكونت عند الجنرال قناعة بان استمرار الحصار على المدى الطويل سيرهق الشعب ويضعف الجيش ويؤدي بالنتيجة الى الخيار الصعب، وفي الوقت نفسه كان العماد يعرف ان حصول أي عمل عسكري بواسطة الجيش اللبناني بمرة العماد لحود سينعكس لمصلحته لأن الجيش لن يقاتل نفسه.
محاولة الاغتياليقبل حفيدته
عشية الثاني عشر من تشرين الاول (اكتوبر) كان العماد عون يتحدث الى عشرات الالوف من المتظاهرين المؤيدين في قصر بعبدا وصعد الى الطبقة الثانية من القصر حيث جرت العادة ان يطل على المتظاهرين ويخطب فيهم ولم يكد ينهي عبارته الثالثة من كلمته حتى انطلقت رصاصة نحوه اصابت احد مرافقيه فيما التف الآخرون على العماد لحمايته، ثم انطلقت رصاصة ثانية اصابت الجدار وراء الجنرال حيث سقط الزجاج على المرافقين المنبطحين أرضًا. في هذا الوقت قبض الجمهور على مطلق النار فيما عاد الجنرال الى المنصة وسط صراخ الناس "بالروح بالدم نفديك يا عماد".وفورًا أمر العماد أحد الضباط بانقاذ مطلق النار من أيدي الجمهور قبل أن يقضي عليه، ثم استأنف خطابه باعصاب هادئة جدًا وكأن شيئًا لم يحصل. وفي ختام كلمته طلب من الناس أن يعودوا الى بيوتهم بسلام، فيما كانت رغبتهم قضاء ليلتهم معتصمين في باحات القصر.
في السابعة والدقيقة العاشرة من صباح السبت 13 تشرين الاول (اكتوبر) بدت الغارة الجوية وكانت مفاجأة للجميع اذ حلقت طائرتان حربيتان سوريتان على علو منخفض فوق منطقة نفوذ العماد عون ثم قامت طائرة ثالثة بقصف محيط ومبنى وزارة الدفاع والقصر الجمهوري فكان تحليقهما مؤشرًا ورسالة واضحة للجنرال. التاسعة والنصف تمامًا فوجئت غرفة العمليات في وزارة الدفاع في اليرزة بدخول جنود يقولون ان الجنرال عون أذاع بلاغًا سلم خلاله قيادة الجيش الى العماد لحود.
في السفارة
ترك العماد عون قصر بعبدا وتوجه في ملالة عسكرية يرافقه ضابطان وسائق الملالة الى السفارة الفرنسية، وهو يرتدي لباسه العسكري ويضع ال "بيريه" الكحلية على رأسه. وصل العماد عون الى السفارة الفرنسية فبادره السفير الفرنسي بالقول ان الاميركيين يريدون تصفيته اذا بقي في قصر بعبدا، وطلب منه البقاء في مبنى السفارة. هنا قال العماد عون ان عائلته بقيت في قصر بعبدا اضافة الى كل اوراقه وملفاته السرية، فاكد له السفير الا ان هناك ضمانات بعدم التعرض لعائلة العماد عون، وموضوع الاوراق السرية في قصر بعبدا سيعالج. بعد ذلك اجرى السفير الفرنسي اتصالات مع اركان الحكم في غرب العاصمة وحصل على تأكيد باعطاء العماد عون حق اللجوء السياسي الى فرنسا، فاذاع العماد عون البيان الذي سلم خلاله قيادة الجيش الى العماد اميل لحود... وسافر العماد عون الى فرنسا في29 آب (اغسطس) 1991 حتى 7/5/2005 وقضى نحو 15 سنة بعيدًا عن لبنان وهو يعود اليوم ليلعب دورًا تغييرًا في الحياة اللبنانية السياسية.
التعليقات