متميز ببرامجه وتوقعات بالموافقة على تأسيسه
مجلس الدولة يقر حزب مصر الأم
نبيل شرف الدين من القاهرة : ثمة قنبلة من العيار الثقيل أضيفت إلى ترسانة الشارع السياسي المصري، الذي تشير كل الأحداث والمتابعات والقراءات، إلى أنه بات يموج بحراك غير مسبوق منذ زهاء قرنين على الأقل، هذه القنبلة الجديدة تتمثل في تقرير مفوض الدولة الذي انتصر لحزب "مصر الأم" الذي سبق أن رفضته لجنة شؤون الأحزاب المصرية، مما دفع كلاً من محسن لطفي السيد، وسامي أبو المجد حرك، بصفتهما وكيلي مؤسسي الحزب، لإقامة دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد رئيس مجلس الشورى بصفته رئيس لجنة شؤون الأحزاب السياسية . وفي تقرير "مفوض الدولة" الذي حصلت (إيلاف) على نسخة منه، استعرض وقائع الدعوى التي بدأت الخميس الموافق 22/7/2004 حين أودع محامو وكيلي مؤسسي حزب "مصر الأم"، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن في صحة قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية الصادر بتاريخ 19/6/2004 والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 24/6/2004، والذي يقضي بالاعتراض على طلب تأسيس حزب سياسي جديد باسم حزب "مصر الأم" . وبعد استعراض كافة بنود برنامج الحزب، ومناقشتها على نحو نقدي مفصل، والاطلاع على قرار لجنة شؤون الأحزاب، وكافة مستندات القضية، خلص مفوض الدولة في ختام تقريره إلى القول إن قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب "مصر الأم" يعد قراراً غير مشروع ومشوباً بمخالفة الدستور، وجديراً بالإلغاء .
مصر للمصريين
وجاءت المفاجأة التي حملها تقرير مفوض الدولة حين تطرق إلى مدى توافر شرط تميز برامج حزب "مصر الأم" وسياساته وأساليبه تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى القائمة، ليقول التقرير إن "الثابت من الأوراق والمستندات وخاصة من برنامج الحزب وإعلانه السياسي، أنه انطلق من فلسفة وعقيدة سياسية وانتماء ممعن في الوطنية المصرية الخالصة، التي انعكست على برامجه وسياساته وأساليبه بصورة لم يسبقه إليها أي حزب من الأحزاب السياسية القائمة، وهو الأمر الذي أدى إلى تميز هذا الحزب السياسي تميزاً ظاهراً عن سائر الأحزاب القائمة بملامح شخصية حزبية سياسية متفردة عن باقي الأحزاب، وآية ذلك أنه لم يسبق لأي من الأحزاب القائمة تبني ما ذهب إليه هذا الحزب من إعلاء الولاء والإخلاص للقومية المصرية وجعلها المرجع الأعلى في سلامة أي تصرف أو تشريع يخص المصريين بتطبيق علمي تجريدي" .
ووصف التقرير الحزب بأنه "لا يبدأ من الصفر بل يستند إلى تراث عظيم وراءه هو التراث الذي انبثقت منه ثورة 1919 المجيدة حيث ملأ اسم مصر سماوات تلك الفترة، وأطلق أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد شعار مصر للمصريين"، ومضى تقرير مفوض الدولة قائلاً "إن هذا الحزب يشير إلى احتضان مصر لكل المصريين من دون استثناء، بل وكافة أبناء الإنسانية، لاسيما المضطهدين مثلما فعلت طوال تاريخها القديم والوسيط والحديث"، كما يشير التقرير أيضاً إلى أن حزب مصر الأم "يؤكد فلسفته السياسية المستقلة والمتميزة عن بقية الأحزاب الأخرى من خلال إعلاء الولاء والانتماء إلى القومية المصرية" .
وعلى الرغم من إقرار برنامج حزب مصر الأم بأن "اللغة العربية هي اللغة الرسمية، إلا أنه استدرك قائلاً إن "ذلك لا ينبغي أن ينسينا اللغة المصرية التي تخص كل شعب مصر، بل ودعا الحزب أيضاً إلى تدريسها، كما يرى الحزب أيضاً تمجيد ما توصل إليه المصريون الأوائل من ابتداع التقويم، وذلك من خلال إطلاق أسماء الشهور المصرية على أو بجانب الشهور الميلادية المعمول بها حالياً لتصبح على سبيل المثال ( هاتور/ نوفمبر) .
فراعنة ومسلمون
ويتطرق مفوض الدولة في تقريره إلى أكثر الزوايا حدة، وهي المسألة الدينية خاصة بعد أن واجه مؤسسو الحزب اتهامات بالتكفير، حيث يؤكد الحزب بوضوح غير مسبوق في برنامجه أن الدين أمر شخصي بحت وعلاقة خاصة لا يمنع الاعتزاز به أن يكون الولاء أولاً للوطن الذي يتسع لكل الأديان .
وفي مسألة الهوية يستنكر برنامج الحزب تعميم استخدام كلمة "فرعون" بمعنى الطاغية، فالفراعنة رموز الوطن كانوا حكاماً عظاماً بنوا مجد مصر وكرامة ورفاهية شعبها ورعوا أول حضارة مازلنا نرفل في فيض عطائها والمستخلص من ذلك أن هذا الحزب فيما يراه من تعديل، منفرداً عن سائر الأحزاب الأخرى القائمة يعلن انتماء الشعب المصري وولاءه إلى مصر أولاً "، كما ورد في برنامج الحزب .
وفي هذا السياق صرح محسن لطفي وكيل مؤسسي الحزب الجديد، لـ (إيلاف) بأنه لا ينبغي أن يكون هناك دين رسمي للدولة العصرية، وأنه ليست هناك سوابق مماثلة في مختلف التطبيقات الديموقراطية حول العالم، وحتى بافتراض إقرار ذلك ـ جدلاً ـ فلماذا لا تؤخذ بعين الاعتبار مصالح وثقافة شركائنا في الوطن والتاريخ والمستقبل من المسيحيين، فينص الدستور على الكتاب المقدس أيضاً إلى جانب القرآن كمصدر رئيس للتشريع، والمسيحية بجوار الإسلام كدين رسمي للبلاد، لا سيما أن النص الدستوري "أبو القوانين" الذي يقرر مصير أجيال بأسرها، وفي ضوئه يتم تفسير أي خلاف قانوني يثار هنا أو هناك، ولا سبيل لتعديل الدستور كل يوم .
وخلص تقرير مفوض الدولة إلى القول إن أوراق الحزب خلت مما يؤكد على وجه القطع واليقين تعارض هذا الحزب مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، فلا يغني الظن مهما كان غالباً في هذه الحالة عن الحق شيئاً، الأمر الذي يتعين معه القول بعدم مشروعية قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية في هذا الشأن لكونه في الحقيقة مشوباً بالفساد في الاستدلال . وفضلاً عن ذلك فإن برنامج هذا الحزب أوضح بصورة جلية أن العالمانية التي يقصدها هي عالما نية تعرف أهمية دور الدين في إرساء القيم والأخلاق التي تحمي الفرد والمجتمع من الانحرافات وأنها لا تفصل الدين عن المجتمع ولكنها تفصل بين السلطة الدينية والسياسية .
أجندة إعلامية
ويعرض حزب "مصر الأم" في برنامجه بعض المقترحات الجديرة بالتدبر في مجال الإعلام، كانت أبرزها :
(1) إلغاء وزارة الإعلام والاستعاضة عنها بهيئة مصرية مستقلة للإذاعة والتليفزيون تكون مسؤولة سياسياً ومالياً أمام البرلمان
(2) الكف عن استخدام العنف والتحريض في كافة وسائل الإعلام والترفيه
(3) وضع حد للإعلام الطائفي سواء كان إسلامياً أو مسيحياً، فالحكومة مسؤولة عن رفاهية مواطنيها في هذه الدنيا دون الحياة الآخرة، (وهو ما يتفق وما سبق أن ذهب إليه الحزب من العالمانية التي تتفرغ فيها الدولة لشؤون العالم الدنيوي .
(4) إنهاء سياسات تفتيت المجتمع أي محاولات تدمير كافة الكيانات الوسيطة بين الحكومة والفرد كالنقابة والرابطة والجمعية والحزب والأسرة .
(5) وقف تسييس المواد الإعلامية إذ ينبغي أن يكتسب الخبر أهميته ليس من شخص الفاعل بل مما قاله أو فعله بالدرجة الأولى، ومن الغريب أن يعرف ما يحدث في إحدى ضواحي القاهرة من هيئة الإذاعة البريطانية قبل أن نعرفه من أي وسيلة إعلام في مصر .
(6) نبذ سياسة صراع الأجيال إذ ينبغي على الإعلام أن يعمل على حب واحترام الجيل الأصغر للجيل الأكبر تمهيداً لنقله إلى الجيل التالي وبذلك تستمر ثقافة مصر متصلة .
(7) الفصل التام بين الإعلان والإعلام وتخصيص قناة تليفزيونية مستقلة وأخرى إذاعية للإعلان مع إخضاع الإعلان لقواعد ثابتة تكفل عدم الانحدار إلى الاستفزاز والإسفاف .
(8) الكف عن السخرية من أي فئة مجتمعية (كالفلاحين والصعايدة والنوبيين) فالسخرية من أي فئة هو مقدمة غير مشروعة لتهميشها مجتمعياً والانتقاص من حقوقها المشروعة .
ويتأسس على ذلك ضرورة تعديل المعايير التي تسير وفقها الرقابة إذ ينبغي أن تستند هذه المعايير إلى حماية المجتمع وأعمدته (كالفلاح والعامل والعالم والفنان)، قبل الحكومة وأعمدتها وأدواتها (كالضابط ورجل الدين)، ويلزم عدم الترويج للقيم البدوية المتخلفة (كصفع الزوجة أو الابنة على وجهها في الأعمال الفنية) .
(9) عدم قصر المواد الأجنبية المستوردة على ثقافة واحدة (كالثقافة الأميركية) واعتماد أوسع نطاق لتعدد المصادر دون انتهاج موقف الدونية إزاء أي ثقافة من ثقافات العالم الأخرى .
فشل عربي
ويمضي تقرير مفوض الدولة قائلاً إن حزب "مصر الأم" عرض في برنامجه "بعض النقاط المتميزة المستقلة عن الأحزاب الأخرى بشأن السياسة الخارجية، لافتاً إلى أن أبرز هذه النقاط ما ذهب غليه هذا الحزب بشأن جامعة الدول العربية من أنه منذ إنشاء هذه المنظمة عام 1945 وقد أجمع محللون سياسيون وزعماء من الدول المنضمة إليها على عدم نجاحها في التصدي للصراعات المتفجرة في المنطقة سواء التصدي للكيان الصهيوني، أو صراعات الحدود بين الدول الأعضاء أو صراعات أبناء الوطن الواحد كما فشلت في منع الغزو العراقي للكويت، ويرى الحزب أن استمرار هذه المنظمة رغم فشلها لا يستفيد منه سوى مسئوليها وموظفيها الذين يتقاضون مرتبات خيالية من أموال شعوب يصل معدل الفقر فيها لأكثر من خمسين بالمائة
ويخلص مفوض التقرير في ختام تقريره إلى القول إن قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب "مصر الأم" يعد قراراً غير مشروع ومشوباً بمخالفة الدستور، وحقيقاً بالإلغاء، ذلك أنه قد توافرت لهذا الحزب كافة الشروط القانونية اللازمة لتأسيسه، وتتسع الآفاق الرحبة للنظام الديمقراطي لقبول هذا الحزب بما يحمله من برامج وسياسات جديدة وذلك دون حجر على حرية الرأي وحرية الاختلاف ودون فرض التحجر والهيمنة على العقل العام بما يعوق إنطلاقه لخدمة الديمقراطية والأخذ بأسباب الرقي والتقدم، الأمر الذى يتعين معه إلغاء القرار المطعون فيه الصادر من لجنة شؤون الأحزاب السياسية، بالاعتراض على تأسيس هذا الحزب، لما يشوب هذا القرار من مخالفة للدستور والقانون وفساد في الاستدلال، الأمر الذي يجعله حقيقاً بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها حق هذا الحزب في التمتع بالشخصية الاعتبارية وممارسة نشاطه السياسي من تاريخ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء هذا القرار .
ولهذه الأسباب نرى الحكم :
بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية – المطعون فيه- بالاعتراض على تأسيس حزب مصر الأم، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة المطعون ضدها المصروفات .
مفوض الدولة .. توقيع "المستشار / فريد نزيه تناغو، نائب رئيس مجلس الدولة"
أصولية وعسكر
وفي البرنامج السياسي للحزب الجديد يطالب المحامي محسن لطفي السيد، وكيل مؤسسي الحزب الجديد، بإلغاء خانة الديانة من جوازات السفر وبطاقات إثبات الشخصية، وكافة المحررات الرسمية في البلاد، مؤكداً أن الأصوليات الدينية المتطرفة لم يتنام دورها وتأثيرها على هذا النحو الحاصل الآن في المنطقة بأسرها، إلا بعد قيام الانقلاب العسكري في 23 من تموز (يوليو) من العام 1952، حين تحالف الضباط حينئذ بشكل مرحلي مع جماعة "الإخوان المسلمين" على النحو المعروف للجميع، وورد حتى في مذكرات الضباط أنفسهم .
وحسب برنامجه السياسي الذي اطلعت عليه (إيلاف)، يهدف الحزب الجديد إلى فك الارتباط بالعروبة، وإعادة ربط المصريين بقوميتهم المصرية وحدها، بعيدا عن العوامل الأخرى التي اعتبرها الحزب أنها يمكن أن تسبب لهم الفرقة والتشتت مثل تجربة "العروبة السياسية" التي وصفها بأنها "كانت كارثة حقيقية ليس على مصر وحدها، بل على كل المنطقة خلال العقود الخمسة الماضية، ولعل أحدث نتائجها ما يجري الآن في العراق".
ويستند البرنامج السياسي للحزب في العديد من أفكاره إلى أدبيات أحمد لطفي السيد عم رئيس الحزب، ومنها عبارته الشهيرة التي نشرت في الخامس من شباط (فبراير) من العام 1908 ، والتي قال فيها : "إن من بيننا من لا ينفك يفخر بانتسابه للعرب الأولين، كأنما انتسابه إلى الجنس المصري نقص وعيب، كما أن منا من يفضل الرابطة الدينية على رابطة الجنسية الوطنية، فإن لم نذهب عنا هذا التحلل نمت أسبابه، وفشت نتائجه وتعذر علينا أن نوسع دائرة المشابهات وتضيق دائرة الفروق".
أستاذ الجيل
وجد وكيل مؤسسي الحزب الجديد هو المفكر والسياسي المصري الراحل أحمد لطفي السيد، الذي شارك في تأسيس "حزب الأمة" سنة 1907، وتولى منصب سكرتيره العام، ورأس تحرير صحيفته المعروفة باسم "الجريدة"، وظل على مدار سبع سنوات يبشر بفكرة "مصر للمصريين"، وهاجم الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وعبر أحمد لطفي السيد عن هذا الاتجاه بقوله: "نريد الوطن المصري والاحتفاظ به، والغيرة عليه كغيرة التركي على وطنه، والإنكليزي على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع، وسط ما يسمى بالجامعة الإسلامية".
وعين لطفي السيد مديراً للجامعة المصرية، وفي عهده اتسعت الجامعة فضمت إليها كليات الهندسة والتجارة والزراعة والحقوق، والطب البيطري وغيرها، كما قبلت الجامعة سنة 1929 أول مجموعة من الفتيات للالتحاق بها، وكانت ثلاث طالبات بكلية الآداب وواحدة بكلية الحقوق
وحرص لطفي السيد على استقلال الجامعة، فحين أُقصي طه حسين عن عمله سنة1932 قدم استقالته احتجاجا، ولم يعد إلى الجامعة إلا بعد تعديل قانونها بما لا يدع لوزارة المعارف الحق في نقل أستاذ من الجامعة إلا بعد موافقة مجلسها، ولم يدخل الجامعة إلا وهو يتأبط يد طه، ويتوجه به إلى أكبر مدرجاتها ليلقي محاضرة حضرها كل طلبة الجامعة، ثم عاد لطفي السيد لتقديم استقالته مجدداً عام 1937 احتجاجا على اقتحام الشرطة للحرم الجامعي، إثر مظاهرات طلابية، ولم يعد للجامعة ثانية .
التعليقات