*نشاطات تشمل الكوكايين والرقيق الأبيض والمجوهرات وتبيض الأموال

*عائلات المافيا تسيطر على المدن الرئيسة

*علاقات غير مشروعة بين المافيا والمخابرات

أسامة العيسة من القدس:يشعر سكان مدينة عسقلان على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالجزع الحقيقي من إمكانية تطوير منظمات المقاومة لفلسطينية صواريخ تسقط بين بيوتهم ومدارسهم وشوارعهم، ويعيش هؤلاء في قلق دائم رغم استمرار العمليات الحربية لحكومتهم في قطاع غزة، والتي تهدف لوقف إطلاق صواريخ القسام.
ولكن قلقهم لا يأتي فقط من الخطر الفلسطيني الظاهر على السطح وإنما من الأوضاع الداخلية لعسقلان التي تحكمها فعليا إحدى عائلات المافيا الإسرائيلية، ويكاد يكون دور الشرطة في حياتها الداخلية محدودا.

ويغطي الخطر الفلسطيني على ما تقوم به عائلات ا لمافيا الإسرائيلية التي تشهد قوة لا مثيل لها منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، رغم تصاعد التحذيرات الإسرائيلية بان ما يمكن أن تقوم به المافيا الإسرائيلية من تقويض لدولة إسرائيل، هو اكثر خطرا مما تسعى له منظمات المقاومة الفلسطينية.

ووصل الأمر بمصادر وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد امتداد عمل عصابات المافيا إلى الخارجية للتحذير من أن "ما لم تهدمه الأوضاع السياسية دمره المجرمون".

أجرام منظم

لم تكن إسرائيل ومنذ تأسيسها بعيدا عن النشاطات الجنائية، وعرفت الجريمة المنظمة مبكرا، وبرزت عصابات تتاجر بالمخدرات وأخرى لسرقة البنوك والأشراف على تجارة الرقيق الأبيض، حيث تنتشر الدعارة في إسرائيل على نطاق واسع.

وأدارت هذه العصابات أوكارا للقمار الممنوع رسميا في إسرائيل، وكل مجال في العالم السفلي الإسرائيلي كانت له عصابات منظمة على غرار الدول الغربية.

ومدت هذه العصابات أيديها إلى خارج الحدود، لدول الإقليم، فنسجت علاقات مع مهربين لبنانيين لإدخال المخدرات إلى البلاد وكذلك مع مجموعات من بدو سيناء، وساعد في توثيق علاقات مثل هذه فلسطينيون من الأراضي المحتلة عام 1948 ومن القدس.

وعملت الشرطة الإسرائيلية على ملاحقة هذه العصابات، ولكن التركيز الأمني بالطبع كان في مواجهة (الخطر الفلسطيني) وتم التعامل مع أفراد هذه العصابات بقفازات من حرير إلى حد بعيد، واستفاد هؤلاء من أنظمة السجون في إسرائيل وكانوا يحصلون على إجازات من السجون لم تكن إلا فسحات لترتيب أعمالهم وكثير منهم قادوا عصاباتهم وهم داخل السجون.

شرانسكي
وفقا لمراقبين مستقلين، فانه حدثت قفزة في عمل هذه العصابات مع الهجرة الواسعة من روسيا وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق في أخر أعوامه وبعد تفككه.

ولم تمض سنوات قليلة حتى اصبح الحضور الروسي في إسرائيل طاغيا، وله تعبيراته في أحزاب وصحف خاصة وأيضا في بروز لا مثيل له لما يعرف باسم المافيا الروسية.

وهناك شكوك بعلاقة سياسيين بارزين بهذه المافيا.

فمثلا، وجهت اتهامات للوزير السابق، من اصل روسي، نتان شرانيسكي بارتباطه بعلاقات مع المافيا، في كتاب أصدره الكاتب يولي نودلمان بعنوان (شرانسكي بلا قناع)

وقال نودلمان في كتابه، الذي أصدره قبل خمس سنوات، أن شيرانسكي يستمد قوته من ارتباطاته بالمافيا الروسية التي تعمل إلى إيصال شخصيات تمثلها إلى الكنيست.

وأيضا أشار إلى أن شيرانسكي عمل مع جهاز المخابرات السوفييتي المنحل المعروف باسم أل "كي جي بي" وجهاز المخابرات الأميركي "سي. أي. إيه"، وكذلك مع الموساد.

واكثر من هذا زعم الكاتب أن شيرانسكي يتلقى أموالا من رجال أعمال من اصل روسي يشك بعلاقتهم بالمافيا مثل غريغوري ليرنر وغريغوري لوتشانسكي.

مدن المافيا

ومع تعاظم نشاط المافيا أضحت المدن الإسرائيلية تعرف بأسماء عائلات المافيا التي تحكمها، وتتمركز ابرز هذه العائلات في مدن رئيسة مثل عسقلان وتل أبيب ونتانيا والقدس.

وامتد نشاط هذه العائلات من البر إلى البحر، حيث تدير نوادي عائمة للقمار على سفن تمخر عباب المتوسط.

واستطاعت هذه العائلات الصمود في مواجهة الشرطة، ورغم القبض على العديد من أفراد عائلات المافيا إلا انهم سرعان ما يخرجون بسبب عدم كفاية الأدلة.

وخلال الأشهر الماضية من هذا العام برز خطر المافيا بشكل لم يسبق له مثل، بعد احتدام الصراع بينها، وأدت عمليات إطلاق النار بين هذه العصابات إلى سقوط مواطنين إسرائيليين، وتم استهداف القضاة، وفجرت هذه العصابات سيارات بعضها البعض وكذلك المحلات التجارية التي تستخدم لتبييض أموالها.

وفي كثير من الأحيان لم يكن هناك تمييز بين عمليات الثأر بين هذه العائلات وعمليات المقاومة، وكثيرا ما اعتقد سكان تل أبيب مثلا أن تفجير محل هو عملية فلسطينية ليتبين أنها جنائية.

ورغم توجيه الاتهامات للشرطة بأنها لا تقوم بواجبها، إلا أن هذه الشرطة كانت دائما تجد التبريرات لتقصيرها بتصاعد العمليات الفلسطينية.

وباء عالمي

وامتد نشاط المافيا والتصفيات إلى الخارج، ليدق ناقوس الخطر في اكثر من مكان، ومنذ أعوام تعتقل بعض الدول إسرائيليين لتورطهم في نشاطات مشبوهة مثلما فعلت اليابان في شهر تشرين أول (أكتوبر) عام 2002 عندما تم اعتقال 15 إسرائيليا.

وكان آخر حدث أثار ضجة ما وقع في العاصمة التشيكية، عندما تم قتل أحد أبناء عائلات المافيا الذي يدير ناديا هناك من عائلة منافسة، وأدت عملية القتل إلى إصابة العشرات من المواطنين المحليين.

وسلط الحادث الضوء على نشاط المافيا الإسرائيلية في الخارج، وتبين أن هذه الحوادث لم تكن في الحقيقة إلا راس جبل الجليد.

وفي تقرير لصحيفة معاريف نشرته يوم 1تشرين أول (أكتوبر)2004 كشف عن النشاط الاخطبوتي لهذه المافيا في العالم وحمل التقرير عنوانا لافتا (عصابات الإجرام الإسرائيلية تمد اذرعها في مختلف انحاء العالم).

ووفقا لهذا التقرير فان نشاط المافيا الإسرائيلية اصبح وباء عالميا ويثير قلق الشرطة من استراليا واليابان إلى كندا والبرازيل وغير ذلك، ومن ابرز نشاطات المافيا في دول العالم ما يلي:

*بينين: التجارة بالمجوهرات.

*جنوب أفريقيا: مخدرات، ورسوم حماية، وتبييض وتزييف أموال.

*انغولا: التجارة بالمجوهرات والأسلحة.

*الهند: تهريب الحشيش الهندي (تساراس).

*اليابان: بيع أغراض مزيفة وكوكايين وتعاون مع العصابات اليابانية (هياكوزة).

*الصين: تجارة أغراض مزيفة وكوكايين.

*روسيا: أسلحة ومجوهرات وتبييض أموال من خلال شراء مناجم ومحاجر وحقول غاز ونفط والتجارة بالنساء.

*هولندا: أغراض مزيفة وكوكايين وصناعة الجنس وتبييض الأموال وصفقات أراضي ومطاعم وفنادق.

*بلجيكا: السيطرة على ميناء انطفران، والمخدرات، والسرقة من المتاحف، والسيطرة على جامعي التحف وتزيف الأموال.

*أسبانيا: كوكايين واستخدام ميناء برشلونة كنقطة توزيع.

*فرنسا: كوكايين وتبييض أموال وترويج أموال مزيفة.

*بريطانيا وسويسرا: كوكايين وبضائع مزيفة.

*ألمانيا: عاهرات وسرقات.

*كولومبيا: تجارة كوكايين من مصادر إنتاجه.

*البرازيل والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا: تهريب الكوكايين منها إلى أميركا وأوروبا وإسرائيل.

الموساد والمافيا

وما لم يذكره تقرير معاريف ما يتعلق بعمليات الموساد الخارجية والاستعانة بذلك بنشطاء العالم السفلي، ومنذ زمن لم يعد خافيا تلك العلاقة غير المشروعة بين أجهزة المخابرات وأنشطة العالم السفلي، وتلجأ مخابرات العالم إلى استخدم الجنس والجريمة بشكل كبير في عملياتها، والأمثلة اكثر من أن تحصى، وكثير من السياسيين سقطوا ضحايا عمليات اغتيال.

وبالنسبة للموساد فالاتهامات لا تتوقف عند استخدام العاهرات مثلما حدث مع موردخاي فعنونو فني الذرة الإسرائيلي الذي اختطف بواسطة ساندي من إيطاليا إلى إسرائيل حيث قضى 18 عاما في السجون، أو ترويج المخدرات والعملة المزيفة وتزوير جوازات السفر وتجنيد مرتزقة لتنفيذ عمليات اغتيال (..والشواهد في هذا المجال كثيرة جدا).

والمثل الأبرز على العلاقة المفترضة بين الموساد والعالم السفلي، يتمثل بحالة مايك هراري، ضابط الموساد الأشهر الذي قاد بنفسه عملية ملاحقة رجال منظمة التحرير طوال سنوات في أوروبا ونفذ بنسفه عمليات اغتيال بعضها، بتكليف مباشر من غولدا مئير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة.

وظهر هراري فجأة كمرتزق محترف في بنما عام 1989، كذراع للديكتاتور الشهير نوريغا الذي اعتقلته القوات الأميركية في نفس العام خلال عملية غزو، وقدمته للمحاكمة في أميركا.

وتعاملت الإدارة الأميركية مع هراري بكثير من النفاق، فطلبت من إسرائيل إخراجه من بنما قبل عملية الغزو، ونفت إسرائيل أي علاقة لها مع هراري، وعندما تم الغزو، لم يعتقل مثلما حدث مع نورويغا رغم انه كان ذراعه الأيمن ويفترض انه يشاركه مسؤولية أفعاله التي كانت مبررا للإدارة الأميركية لغزو بنما واعتقال دكتاتورها الذي ما زال يمضى فترة حكمه في السجون الأميركية..

وفي عام 1989 أيضا، أعلنت وكالة المخابرات الكولومبية عن وجود شركة إسرائيلية تدرب أفراد العصابات هناك المعروفة بكارتيلات المخدرات.

ويشمل التدريب إعداد مجموعات محترفة للقتل والتصفيات، ورغم نفي إسرائيل أي علاقة صفة رسمية لهذه الشركة، إلا أن مسؤولية ضباط موساد سابقين عن الشركة لم يكن بدون دلالات.

وبعد..

تدرك الحكومة الإسرائيلية الخطر الذي تمثله المافيا داخل إسرائيل وخارجها، وعندما عين ارئيل شارون قبل أسابيع مفتشا جديدا لشرطة هو موسى كرداي، قال الأخير أن من مهامه تكثيف محاربة الجريمة المنظمة.

ولم يكن إقرار وزارة الخارجية الإسرائيلية بالخطر الذي تمثله المافيا خارج البلاد، إلا إدراكا لحقيقة مخاطر المافيا الحقيقة على الأمن العالمي.

ومع ذلك لا يعرف حتى ألان إذا كانت الحكومة الإسرائيلية قررت خوض حربا لا هوادة فيها مع المافيا، ولا توجد مؤشرات على ذلك، ولكن من الصعب التكهن بان الوضع سيبقى كما هو، خصوصا مع تصاعد نفوذ عائلات المافيا بشكل غير مسبوق.