عدّ عكسي لنهاية الوجود أم كشف للغز نشأة الكون؟
علماء أوروبيون يشغلون أكبر نظام لتسريع الجزيئات
صادم الهدرون الكبير LHC |
جنيف:هل يكتشف العلماء أسرار المادة والكون أم أنّ العدّ العكسي لنهاية الوجود قد بدأ فعلاً؟ هذا ما ستجيب عنه التجربة التي بدأ علماء في الفيزياء بتشغيلها اليوم قرب جنيف، وتهدف إلى كشف أسرار المادة والكون وإيجاد إجابات على تساؤلات كثيرة لطالما طاردت العلماء. وفي محاولة لمحاكاة نظريَّة الانفجار الكوني العظيم أو ما يعرف بـ Big Bang،تم ضخ حزمة أولى من بروتونات الذّرة وجزيئاتها بعيد الساعة السابعة والنصف بتوقيت غرينتش في quot;نظام تصادم الجزيئاتquot; أو ما يعرف بـquot;Large Hadron Colliderquot; أو LHC أختصارًا، وهو طوق يبلغ محيطه 27 كيلومترًا على عمق مئة متر تحت الأرض على جانبي الحدود الفرنسية السويسرية. ويفترض ان يكشف هذا النظام الجزيئات الاولية للمادة التي تتحدث عنها الفيزياء النظرية وكذلك تلك التي لم تشاهد من قبل ويمكن ان تؤكد وجود جزيئات تتشكل منها المادة السوداء خصوصًا.
احذرواالثقوب السوداء!
ولا تخلو التجربة من انتقادات. ونشرت مواقع على الانترنت مزاعم عن ان المعجل التصادمي الجسيمي سيؤدي الى حدوث ثقوب سوداء تبتلع الكوكب. وقالت المنظمة الاوروبية للابحاث النووية وعلماء بارزون اخرون ان هذه المزاعم quot;محض هراء.quot; وقال المدير الفرنسي للمنظمة الأوروبية للابحاث النووية روبير إيمار quot; المعجل التصادمي الجسيمي امن واي اشارة الى انه قد يمثل خطرا هي محض خيالquot;.
ونظريّاً، يقول العلماء إنَّ الانفجار الكبير أو Big Bang وقع قبل نحو 15 مليار سنة عندما انفجر جسم بحجم قطعة النقد المعدنيَّة، ولها من الكثافة والحرارة ما لا يمكن وصفه أو تخيله، وفي وسط من فراغ المادَّة، حيث بدأ بسرعة في التمدد والتوسع لتتكون النجوم وتظهر الكواكب وبالتالي تنشأ الحياة كما نعرفها على الأرض.
المرحلة الأولى... الهدف الرئيسي تحقٌّق
التجربة قد تؤدي الى نتائج مذهلة.. او إلى لا شيئ ! |
وكشف ضوء على الشاشة بعد ذلك ان الحزمة دخلت فعلا في الجزء الاول من الطوق. وبعد اقل من ساعة من بدء التشغيل، كانت الحزمة قد قامت بدورة كاملة في الطوق وحققت بذلك الهدف الرئيس للعلماء في اليوم الاول. وهذه الخطوة سيليها ضخ حزمة ثانية في الاتجاه المعاكس.
وسيتم التصادم الاول للبروتونات -- الذي يفترض الا يجري قبل أسابيع عدة -- بطاقة تبلغ 450 غيغا الكترون فولت اي اقل بقليل من نصف قوة quot;فيرميلابquot; في شيكاغو، الذي كان اكبر جهاز للتسريع في العالم. ويفترض ان يسمح تصادم الجزيئات داخل النظام بكشف جزيئات اضافية لم ترصد حتى الآن من بينها ذرة هيغز الحلقة المفقودة في نموذج الجزيئات الثانوية التي تتألف منها المادة.
مركز quot;كيرنquot; الأوروبي لأبحاث الجزيئات |
لا ضمانات للنجاح
ويبدأ مشروع المنظمة الاوروبية للابحاث النووية الذي تكلف عشرة مليارات فرنك سويسري يبدأ بخطوة بسيطة نسبيًاوسيحاول الفنيون في البداية دفع الشعاع في اتجاه واحد في المعجل التصادمي المغلق باحكام على مسافة حوالي 100 متر تحت سطح الارض. ويقول مسؤولو المنظمة الاوروبية انه لا يوجد ضمان لتحقق النجاح على الفور او حتى في الايام الاولى. لكن العلماء سيحاولون بعد هذه الخطوة توجيه شعاع في الاتجاه الاخر. وبعدئذ وربما في الاسابيع التالية سيطلقون اشعة في الاتجاهين ويصدمون الجسيمات ببعضها البعض لكن بكثافة منخفضة في البداية.
وفي وقت لاحق ربما قرب نهاية العام سيمضون قدما لاحداث تصادمات صغيرة تعيد توليد حرارة وطاقة الانفجار الكبير وهو مفهوم لاصل الكون يسيطر حاليًا على التفكير العلمي. وستتابع اجهزة استشعار مليارات الجسيمات التي تنبعث من التصادمات وتسجل على الكمبيوتر الطريقة التي تتجمع بها او تتطاير متباعدة او تتحلل ببساطة.
كوكب الأرض من الفضاء الخارجي |
واستغرق المشروع العلميّ حتى الآن قرابة عشرين عامًا، ويهدف العلماء إلى إيجاد إجابات على تساؤلات عظيمة بقدر عظم هذه الآلة، في محاولة لمحاكاة نظريَّة الانفجار الكوني العظيم أو ما يعرف بـ Big Bang للوقوف على الكيفيَّة التي تشكّل وابتدأ بها الكون، وكيف تكوّنت الحياة فيه بناء على النظريَّة التي يعتقد معظم علماء الفيزياء في العالم أنَّها الأقرب - افتراضيّاً - إلى ما حدث بالفعل.
وينتظر آلاف العلماء المشاركين في المشروع الحصول على معلومات أساسية عن المادة السديمية وعن اللغز الذي طالما حيرهم بشأن كيفية تحول المادة إلى كتلة وكيفية تطور الكون. ومن ضمن الألغاز التي يأمل العلماء في حلها من وراء المشروع هو إيجاد إجابة على السؤال، الذي طالما حير العلماء: لماذا لم ينتج عن الانفجار العظيم قدر متساو من المادة والمادة المضادة بحيث تنهي بعضها بعضا دون أن تبقي أي مادة لنشأة النجوم والكواكب والإنسان؟ أو بحسب تعبير عالم الفيزياء الألماني زيغفريد بيتكه: لماذا نحن موجودون من الأصل؟
وكان هذا السؤال الدافع لبيتكه وزملائه في معهد ماكس بلانك لتقديم مساهمات أساسية في مشروع المعجل النووي، إذ ساهموا في تطوير كشافات هائلة لرصد الجسيمات، التي تنتج عن كل انفجار في المعجل. ويقارب حجم هذه الكشافات التي تحمل اسم quot;أطلسquot; حجم منزل من خمسة طوابق. ويأمل العلماء من وراء رصد وابل الجسيمات الناتج عن الانفجار معرفة حقيقة العديد من جزيئات المادة المجهولة لديهم حتى الآن ومعرفة معلومات بشأن قوانين فيزيائية جديدة خاصة ما يعرف بجزيء هيجز المفترض وجوده في الكون والذي ينتظر العلماء من ورائه أن يفسر لهم سبب امتلاك الجزيئات لكتلة.
صادم الهدرون الكبير
وتعرف الآلة الضخمة التي تجري التجربة فيها باسم quot;نظام تصادم الجزئياتquot; أوquot;المعجل التصادمي الجسيميquot; أو quot;صادم الهدرون الكبيرquot; أو quot;Large Hadron Colliderquot; أو (LHC) اختصارًا، وهي موجودة في مركز أبحاث سيرن القريب من الحدود الفرنسية السويسرية. ووفقًا لمركز كيرن فإنَّ آلة LHC هي الأضخم التي شيدها الإنسان على الإطلاق، وبدأ العلماء بتشغيلها اليوم لتحقيق اصطدام بين جزيئات لمحاكاة ما عرف بعد ذلك ببداية الكون، في حال حققت التجربة النجاح المطلوب منها.
وحسب مركز كيرن، فإن LHC هو أضخم آلة شيدها الإنسان على الإطلاق. وتبلغ درجة الحرارة داخله سالب 271.3 درجة مئوية أي أقل بقليل من درجة الحرارة في الكون الخارجي، الذي تبلغ درجة الحرارة فيه سالب 270.4 درجة مئوية. وستصبح درجة الحرارة عند انفجار الذرات داخل quot;صادم الهدرون الكبيرquot; مرتفعة أكثر بمائة ألف مرة منها في مركز الشمس. كما سيجبر مجال مغناطيسي أقوى مائة ألف مرة من المجال المغناطيسي للأرض الجزيئات على الانتظام في مدارها.
وتستخدم آلة LHC مغناطيسات عملاقة موجودة في ناقلات بحجم كاتدرائية لإطلاق إشعاعات من جزيئات الطاقة في نفق تحت الأرض طولة 27 كلم، حيث ستصطدم هذه الجزيئات ببعضها بسرعة الضوء، بينما تسجل أجهزة الكومبيوتر تفاصيل التجربة، ويحلّل نحو عشرة آلاف عالم فيزياء في أنحاء العالم كافة المعطيات والمعلومات للوقوف على سر تكون الكون وبداية الخلق.
وستحتاج التجربة إلى 120 ميجاوات من التيار الكهربائي وهي نفس الكمية التي تحتاجها مدينة مثل جنيف، التي يقارب عدد سكانها 160 ألف نسمة. ومن المنتظر أن يتم التصادم بين بروتونات الذرة بسرعة الضوء تقريبًا وأن تقطع 54211 دورة في الثانية في هذه الماسورة العملاقة تحت الأرض وستقطع مسافة 299780 كيلومتر في الثانية.
كلفة باهظة
وتبلغ تكلفةالمشروع 3,76 مليار يورو، وحشد خلال عقد من الزمن آلاف الفيزيائيين والمهندسين من العالم أجمع.ويشرف مركز quot;كيرنquot; الأوروبي لأبحاث الجزيئات على المشروع الفريد والذي حطم كل الأرقام القياسية المعروفة في مجال أبحاث الفيزياء والأبحاث العلمية بشكل عام. وستكون تجربة محاكاة الانفجار العظيم غير مسبوقة في حجمها ونوعها.
ويسعى العلماء في مركز سيرن، المشروع الأوروبي لبحوث الذرة البالغ من العمر 54 عامًا، الى الوقوف على أسرار quot;المادة السوداءquot; و quot;الطاقة السوداءquot;، والأبعاد الاخرى، وغيرها من الأمور ذات الاهمية الأساسية في معرفة كيفية بدء الكون وتشكله الى ما هو عليه الآن. ويقول روبرت إيمار المدير الفرنسي لمركز سيرن إنَّ quot;LHC سيغير نظرتنا الى العالم، ومهما كانت الاكتشافات التي سنخرج بها فالخلاصة ان ذلك سيزيد ادراك البشرية بشكل كبير من فهمنا لاصول الكون ونشأتهquot;.
نظريّة هيغز
وحسب نظرية عالم الفيزياء البريطاني بيتر هيغز، فإن الكون يتغلغل فيه نوع من المادة الهلامية التي تكبح الجزيئات بشكل يتفاوت مع تفاوت صفات هذه الجزيئات مما يمنحها الكتلة.ولا يكتمل تصور العلماء عن بناء المادة من دون هذه الآلية المفترضة. وسيسعى العلماء في معمل المنظمة الاوروبية للابحاث النووية التي انشئت قبل 54 عامًا قرب سفوح جبال جورا الفرنسية الى دراسة مفاهيم محيرة مثل quot;المادة المعتمةquot; وquot;الطاقة المعتمةquot; والابعاد الإضافية وقبل كل ذلك جسيمات هيغز التي يعتقد انها جعلت كل ذلك ممكنا.
المدير الفرنسي للمنظمة الأوروبية للابحاث النووية روبير إيمار: |
وأشار العالم الفيزيائي الأميركي ديفيد غروس الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2004: quot;غير أن جزيء هيغز لن يكون بالتأكيد الاكتشاف الأول لمركز كيرنquot;.وتتوقع فرق الباحثين أن تستغرق معرفة حقيقة هذا الجزيء نحو خمس سنوات وأن quot;تسبقها اكتشافات أخرى مثيرة لم تكن في حسبان أحدquot; حسب غروس.
المادة السديمية المحيّرة
ومن غير المستبعد أن ينتج المعجل لأول مرة جزيئات المادة السديمية المحيرة للعلماء. فعلى الرغم من أن هذه المادة غير المرئية تشكل نحو 80 في المائة من كتلة الكون إلا أنها لا تعرف إلا من خلال قوة جاذبيتها ومازال العلماء يجهلون حتى الآن الجزيئات التي تتكون منها هذه المادة.ويأمل هوير في quot;أن يفتح مركز كيرن نافذة على هذا الكون السدميquot; ويستدرك بالقول quot;لكن هذا ليس مضمونًا بالطبع غير أن احتمال العثور على مرشحين للمادة السديمية هو احتمال كبير نسبياquot;.
سباق نحوالمعرفة
من جانب آخر يقول علماء بريطانيون يعملون في أعمق منجم في بريطانيا إنَّهم ربما تمكنوا من تحقيق تجربة أصغر من تجربة مركز سيرن، التي كلفت قرابة مليارات الدولارات. ويقول العلماء البريطانيون إنَّهم ربما سبقوا زملاءهم في المركز السويسري وبكلفة أقل بكثير من كلفة سيرن، وبنفق لا يزيد طوله على نصف كيلومتر، ولن يستغرق منهم أكثر من نصف الوقت الذي قد تستغرقه تجربة سيرن.
تجربة محاكاة الـ BIG BANG غير مسبوقة في حجمها ونوعها |
اغنيات تحتفي بمشروع Big Bang
ولقي مشروع لاعادة تمثيل quot;الانفجار الكبيرquot; في معمل تابع للمنظمة الاوروبية للابحاث النووية قرب جنيف ترحيبا موسيقيا على الانترنت من خلال مجموعة من الشبان يعملون هناك.
وتقول الاغنية: quot;نفق تحت الارض بطول سبعة كيلومترات... مصمم بهدف اطلاق البروتونات... دائرة تمر عبر الاراضي السويسرية والفرنسية... ستون دولة تشارك في المبادرة العلميَّةquot;.
واثار فيلم الفيديو البالغة مدته حوالي خمس دقائق اهتمامًا كبيرًا على موقع يوتيوب وبعض المواقع الاخرى بدرجة لم تكن تتوقعها الكاتبة العلمية الاميركية البالغة من العمر 23 عامًا التي ألفت الاغنية. وتقول كيت ماكالباين المتدربة في المنظمة الاوروبية للابحاث النووية ان الاغنية quot;لها غرض علمي. اعتقدت انها ربما تجد قبولاً في بعض فصول الفيزياء وربما يتصفحها بعض الناس بصورة عشوائية على الانترنت.quot;
وصورت اغلب لقطات فيلم الفيديو في الكهوف الواسعة تحت الارض التابعة للمنظمة الاوروبية للابحاث النووية عبر الحدود الفرنسية السويسرية. ويوضح الفيلم لمن ليست لديهم الخبرة المشروع الذي يلقى اهتماما كبيرا وينفذ في المعجل التصادمي الجسيمي الذي يمتد عبر نفق بطول 27 كيلومترًا. وتتحدث كلمات الاغنية بصورة مباشرة عن ماكينة المعجل التصادمي الجسيمي العملاقة. وتقول quot;الاشياء التي تكتشفها... ستضربك على رأسكquot;. وتضيف quot;نحن نفكر في الابعاد.. نحن نعيش في ثلاثة فقط. ربما تكون هناك ابعاد اخرى.. سوف نرىquot;.
التعليقات