الفصائل تتهم إسرائيل وفي الأذهان قاتل من الداخل
إغتيال مدحت إنذار مبكر للفلسطينيين في لبنان
إيلي الحاج من بيروت: تداعت الفصائل الفلسطينية، على تنوعها، والمراجع والأحزاب اللبنانية على اختلافاتها لحصر ذيول اغتيال نائب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، القيادي في حركة quot;فتحquot; اللواء كمال مدحت، الذي شغل في ما مضى منصب رئيس الاستخبارات الفلسطينية في لبنان وكان لصيقاً بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وقبل أن يلتقي ممثلو الفصائل للبحث في أبعاد هذه الجريمة وإصدار بيان موحد حض على التهدئة وأشار إلى التحضير للمشاركة الواسعة الأربعاء في تشييع مدحت (اسمه العادي كمال ناجي) في بيروت، كانت الفصائل توجه في معظمها أصابع الاتهام الى إسرائيل وعملائها، إلا أنّ ذلك لم يمنع بعض الأوساط الامنية، من ترداد ان مدحت ربما يكون قد ذهب ضحية عملية تصفية حسابات، خصوصاً انه كان قد كُلف منذ فترة بترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وبذل جهداً لإعادة الهدوء الى مخيم عين الحلوة، حين كادت تضربه رياح الفتنة. ولم يستبعد قياديون فلسطينيون وجود مخطط يستهدف أمن المخيمات الفلسطينية في لبنان ونقل الاشتباكات التي كانت قد وقعت في الضفة والقطاع اليها، وأضافوا إن ممثل منظمة التحرير عباس زكي حاول إبطال هذا المخطط الذي اعطى مؤشرات قوية في الاسابيع الاخيرة من طريق اغتيالات وزرع متفجرات وعبوات. ولاحظوا أنّ المستفيد الاول من هذه الفتنة اذا حصلت هي اسرائيل، لكن من نفذوا الجريمة هم في الواقع فلسطينيون ومن داخل المخيم على الأرجح.
وكانت قيادة quot;فتحquot; كلها تقريباً بعد ظهر الإثنين مجتمعة في مخيم المية ومية، القريب من صيدا، للتعزية بمسؤول سقط في اشتباك محلي ولرأب الصدع، وفي المقدمة كان عباس زكي، كمال مدحت، وسلطان أبو العينين، وغادر زكي أولا، وبعد عشر دقائق تبعه مدحت وما هي الا لحظات قليلة حتى اغتيل في سيارته مع أربعة من مرافقيه، مما أعاد إلى أعاد الى أذهان اللبنانيين فورا مشهد الاغتيالات السياسية التي أوقفها quot;اتفاق الدوحةquot;، وقال خبراء أن الفاعلين محترفون جدا بدليل اختيارهم المدروس لمكان فارغ أمنيا بين حاجزين لـquot;الكفاح المسلحquot; والجيش اللبنانيعند منعطف يسهل اصطياد الضحية فيه بطريقة محكمة، كما انهم اختاروا quot;توقيتا مدروساquot; في مرحلة الفراغ الفلسطيني ومع بدء عملية الانتقال من الصراع الى محاولة الاتفاق.
وإذا كانت إسرائيل هي الفاعلة، فإن هذه الجريمة توضع في سياق عملية تصفية الحسابات المفتوحة ضد قيادات فلسطينية ولبنانية من أصحاب السجلات النضالية، وفي سياق السياسة الاسرائيلية الهادفة الى تعميق الشرخ والصراع على الساحة الفلسطينية الداخلية، إلا أن التحليل في هذا الإتجاه يجب ألا يهمل الخلاف المستفحل بين فتح وحماس أو داخل quot;فتح لبنانquot;، خصوصا وان مدحت نجح في الفترة الأخيرة في تعزيز وضعه ليصبح رسميا وتراتبيا الرجل الثاني بعد عباس زكي، وليصبح عمليا الرجل الأقوى وصاحب التأثير والنفوذ على مستوى كل المخيمات، في حين ان نفوذ سلطان أبو العينين يتركز في الرشيدية ونفوذ منير المقدح يقتصر على مخيم عين الحلوة. وإذا كانت الجريمة تندرج على هذا النحو فإنها تشكل ما يمكن اعتباره إنذارا أو تحذيرا مبكرا مما تختزنه المخيمات في لبنان وما ينتظرها من ألغام وأخطار وتحديات. خصوصاً أن مدحت ذا الباع الطويل في عالم الأمن والمخابرات كان يشعر في الأيام الأخيرة بأنه عرضة للاغتيال، وصارح من مسؤول أمني لبناني وبعض المقربين منه بذلك وكان يردد أمامهم:quot; أنا خائف وأشعر بأن هناك من يدبر اغتياليquot;، بحسب ما نقلت صحيفة quot;السفيرquot; اللبنانية عن قريبين منه، مضيفة أن مدحت طلب من مخابرات الجيش اللبناني تسهيلات معينة، فكان الجواب بأنه يستحسن ألا يتنقل كثيراً في هذه المرحلة، وأن الأمر نفسه يسري على عباس زكي، لكن مدحت رفض الامتثال، وقبل ساعات من اغتياله طلب تسهيل خروجه من على حاجز الجيش اللبناني، فكان له كل ما أراد مع نصائح جديدة بالحذر quot;لكن ما كنا نخشاه قد حصلquot;.
ولا شك أن منظمة التحرير وquot;فتحquot; في لبنان تلقتا ضربة موجعة وخسارة لا تعوض، لأن كمال مدحت كان استثنائياquot; في خبراته العسكرية والأمنية والسياسية التي راكمها على امتداد سنوات، وفي تحصيله العلمي النوعي، إذ حصل على دكتوراه في العلومال عسكرية من روسيا ودكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية،فضلاً عن أنه كان يعتبر من الشخصيات الفلسطينية القليلة في لبنان التي تملك رؤية وأبعادا استراتيجية على مستوى التحليل والتقييم، كما على مستوى التخطيط والموقف. والسؤال الذي يفرض نفسه بعد اغتياله ماذا ينتظر فلسطينيي لبنان أو الفلسطينيين انطلاقاً من لبنان إذا تكررت جرائم الإغتيال وتوسعت؟ وما سيكون تأثيرها على عملية ترتيب البيت الفلسطيني التي يوليها العرب اهتمامهم الرئيسي هذه الأيام؟
التعليقات