مسؤولون يستبعدون إمكانية توقيفه في مصر أو إعتراض طائرته
البشير يواصل تحدي قرار المحكمة الدولية إعتقاله بزيارة للقاهرة
نبيل شرف الدين من القاهرة: في خطوة ثانية تشكل تحديًا جديدًا لقرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقاله، يصل اليوم الأربعاء إلى القاهرة الرئيس السوداني عمر البشير، بعد زيارة إلى إرتيريا إثر صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه، بتهمة المسؤولية عن إرتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية في إقليم دارفور غربي البلاد.
وبينما يرى مراقبون أن البشير يغامر بمواجهة قرار الاعتقال عندما يغادر السودان بسبب قرار الاعتقال الذي أصدرته المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي في وقت سابق من الشهر الحالي، غير أن مسؤولين رفيعي المستوى في القاهرة استبعدوا تمامًا أي إمكانية لتوقيفه أو اعتراض طائرته سواء في الأجواء السودانية أو المصرية، كما يستبعد المراقبون أيضًا أن يواجه البشير مشكلة في القاهرة التي تربطها علاقات وثيقة مع السودان وسبق لها أن دعت مجلس الامن الدولي إلى تعليق قرار الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية .
وحذر علماء دين في السودان الرئيس عمر البشير من المشاركة في القمة العربية التي ستعقد في الدوحة في نهاية آذار (مارس) الجاري، إذ أصدرت هيئة علماء السودان بعدم جواز سفر البشير إلى العاصمة القطرية، وهي فتوى قد تتيح له مخرجًا من الرحلة المحفوفة بالمخاطر، وينظر الى قيام البشير بزيارة قطر على انها تنطوي على مجازفة أكبر من زيارة مصر أو إريتريا لأنها تشمل الطيران عبر الأجواء الدولية .
وقال مصدر دبلوماسي غربي إن السودان استدعى السفير الفرنسي لمطالبته بتقديم تفسير لتقارير وسائل اعلام ذكرت ان فرنسا ستؤيد اعتراض أي طائرة تقل البشير خارج المجال الجوي السوداني، ونقلت وسائل الإعلام الحكومية الصادرة في الخرطوم عن علي الصادق المتحدث باسم الخارجية السودانية قوله إن الخرطوم راضية عن ان المسؤول الفرنسي الذي ورد اسمه في التقرير نسبت اليه تصريحات خاطئة .
ويقول خبراء دوليون إن ما لا يقل عن 200 الف شخص على الاقل قتلوا وان أكثر من 7 ر2 مليون نزحوا عن ديارهم خلال نحو ست سنوات من القتال في دارفور بغرب السودان. وتقول الخرطوم ان عشرة الاف فقط قتلوا في الصراع، واندلع صراع دارفور عندما حمل متمردون معظهم من غير العرب السلاح ضد حكومة السودان مطالبين بتمثيل افضل واتهموا الخرطوم بتجاهل تنمية الاقليم.
خلفيات وتداعيات
وقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عريضة اتهام بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دافور ضد سكانها من قبائل quot;الفور والمساليت والزغاوةquot;، مستخدما في ذلك جهاز الدولة بأكمله وتحت مبرر مواجهة التمرد في الإقليم .
وبعيدًا عن تصريحات الرفض والشجب التي يطلقها مسؤولو الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية وحتى السودان نفسه، فإن الأكثر أهمية هو ما يسوقه مراقبون يرون أن هذه الرسالة ربما تفتح أبواب الفوضى ليس في السودان فحسب، بل وفي دول افريقية أخرى عديدة، لأنها ستقوي نزعات التمرد المسلح في أكثر من مكان ودولة من دول القارة السمراء التي تواجه العشرات من أحداث التمرد والمواجهات الدامية .
ويذهب المراقبون والمحللون السياسيون إلى أن الاتهام الدولي حقق هدفه الاولّي في إضعاف مكانة الرجل الاول في السودان، وهو بحكم منصبه الدستوري ورئاسته لعدد من المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، فضلا عن رئاسته لحزب المؤتمر الحاكم، بات متهما وعليه أن يثبت العكس، وهذا فى حد ذاته أمر لا يبدو ممكناً في ظل التعقيدات التي تحيط بقضية دارفور وتداعياتها الدولية والإقليمية .
غير أن موقف البشير يختلف اختلافا كبيرا عن ميلوسيفيتش وتيلور، فهو يحكم قبضته بقوة على كافة مقاليد السلطة كما أن هؤلاء الذين يمكن أن يسلموه للاهاي تفصلهم عنه مسافة كبيرة، ويقول نيك غرونو من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: quot;إنه من المستبعد أن ينتهي الامر بالبشير في قفص الاتهام بقاعة المحكمة في أي وقت عما قريب، مؤكداً أنه quot;ليس هناك احتمال حقيقي بأن تتم الإطاحة بالبشير في المدى المنظور باستثناء وقوع انقلاب عسكريquot;.
لكن في المقابل فإن قرار القضاة الدوليين باعتقال الرئيس السوداني من المؤكد أنه سيقيد حركته كثيرًا، مما يجعل السفر الى الخارج بالنسبة للرئيس شبه مستحيل بشكل خاص ويجعل من الصعوبة بمكان قيامه بإجراء أي اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى خارج حدود بلاده .
خيارات الملاحقة
وقرار الاعتقال هو الأول من نوعه الذي تصدره المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي ضد رئيس في السلطة منذ إنشائها في عام 2002، ويخشى محللون سياسيون أن يتسبب هذا الإجراء في المزيد من الاضطرابات بالسودان والمنطقة المحيطة، وتشير حكومة الخرطوم إلى تصاعد العنف في دارفور خلال الشهور التي سبقت قرار المحكمة، ويقول علي كرتي وزير الدولة في الخارجية السودانية إن بلاده لن تكترث بهذا القرار الذي وصفه بأنه كان متوقعًا وتقف خلفه دول بعينها، على حد تعبيره .
غير أنه في المقابل فإن خبراء في القانون الدولي يرون أن هذا القرار ملزم حتى للدول التي لم توقع أو تصدق على معاهدة روما، والتي تأسست بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، وهنا ترى الدكتورة أميرة الشنواني أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن غاية ما يمكن أن تفعله الضغوط في هذا الاتجاه هو إرجاء تنفيذ القرار لمدة عام واحد قابل للتجديد .
وقالت المحكمة الجنائية الدولية إنها لم تجد أدلة كافية لتضمين قرار الاتهام بحق الرئيس السوداني تهمة الابادة الجماعية لكنها وجهت الى البشير سبعة اتهامات بارتكاب جرائم حرب وضد الانسانية، وتشير التقديرات الأمم المتحدة إلى أن ثلاثمائة ألف شخص قتلوا في صراع دارفور منذ العام 2003 ، كما شرد ما لا يقل عن مليونين وسبعمئة ألف نتيجة ذلك الصراع الدامي الذي احتدم بعد أن حمل المتمردون السلاح ضد الحكومة مطالبين إياها بتمثيل أفضل وتحسين البنية التحتية في منطقتهم .
والرئيس السوداني هو أول رئيس دولة توجه له المحكمة الجنائية الدولية اتهامات وهو في منصبه منذ ما حدث مع رئيس ليبيريا تشارلز تيلور، والرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش، وكلاهما نقل إلى لاهاي في نهاية المطاف، وقد توفي ميلوسيفيتش قبل إصدار حكم نهائي في محاكمته التي استمرت زهاء أربعة أعوام.
التعليقات