علي عبد الجليل من صنعاء: يمكن القول أن كتاب طه سيف نعمان (من الذاكرة) لا يكشف المستور عن جانب من تاريخ البعثيين في اليمن، بل ويصل في بوحه الاستذكاري إلى حد الفضيحة، إذ يسمي الأشخاص بأسمائهم ويسرد الوقائع كما عاشها ساردها تبدأ الحكاية أنه في أحد أيام يناير 1978 راجع المعلم طه سيف نعمان مقالة عن اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي، وبعد أن صححها من ناحية لغوية وإنشائية، أقترح على كاتبها إضافة كثير من التفسيرات والتحليلات، فسرّه ذلك وطلب منه معاونته بكتابة مقال شامل عن ذلك. وحين فعل، قال له quot;خذ هذه المائة لتشري بها القات وما تحتاج إليهquot;. فأسعده ذلك إذ كان يمكن له حينها أن يشتري القات لمدة ستة أيام بالمائة الريال. إلاّ أنه فوجئ وهو يتفحص الورقة النقدية فيما بعد أنها quot;مائة دولارquot; وليست quot;مائة ريالquot;. وظل مدهوشاً بالمبلغ والعملة.
لم تمر بعدها فترة أسبوعين حتى جاء هذا الشخص الذي يطلق عليه العديد من الصفات إحداها quot;أبو عيون جريئةquot;، فقال لطه:quot; في الغد أنت ضيفي على الغذاء، وسأعرفك ببعض الزملاء عندي في داري، وسوف أقدمك لهم على أنك عضو في قيادة تنظيم سري يعمل بهدف الولاء للعروبة والقومية العربية والتحرر العربي من كل أشكال الأفكار الضيقة والولاءات المختلفة الخاضعة للرجعية العربية والاستعمار والإمبريالية العالمية، وعليك أن تظهر بمظهر العنصر القيادي الذي يحمل هموم الوطن والأمة العربية، ويسعى إلى تحقيق وحدة الأرض والتربة العربيةquot;. وفي اليوم التالي قدمه أبو عيون هذا إلى الحاضرين في الاجتماع، قائلا: quot;شيء جميل أن تلتقي قيادة تنظيمنا هذا اليوم بكامل أعضائها، ومن الضروري أن يعرف كل منكم الآخر!! ومعنا اليوم الأخ الرفيق الأستاذ طه وهو عضو في قيادة التنظيم، والمسؤول العسكري فيه، ومعنا أيضاً الرفاق صالح سالمين، هادي حسين السرحي، سيف الزجا (ولُقّب بالزجا لأن الأمر الذي يصعب عليه كان يقول بأنه سيأخذه بالزجا، أي بالقوة)..quot;.
وطب منهم أبو عيون أن يرتبوا أسماء تنظيمية لهم استعدادا لمقابلة وفد حزبي من خارج الوطن، حيث سيقدمهم إليهم بصفتهم مسئولين في قطاعات مختلفة، حيث سيصبح طه رائداً في القوات الجوية ومسئولاً عن القطاع العسكري.
ووافق الجميع، إلاّ طه، حيث أشار إلى أن لا علم له بهذا (الخريط)، أي الكذب. لكن رجاء أبو عيون له ليقبل الصفة كي لا يضعف موقفه أمام الضيوف القادمين أدى به إلى الموافقة.
قبل أن يضع طه نظارة بيضاء على عينيه ويمشط شعره إلى الخلف، حتى يبدو كأنه رجل عسكري بالفعل، أنتبه إلى أنه لا يعرف اسم الحزب، فجاءه الجواب من قائده الحزبي: quot;اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي ومقره في سوريا، انتبه لهذه النقطة في سوريا مش في العراق!! وليكن الأمر في غاية السرية المطلقة، فإن كلمة واحدة قد تسوقك إلى دار البشائرquot;، وهو اسم السجن الشهير في صنعاء.
من أجل الربح
وخاض طه التجربة، ولم يكن يعرف أي شيء عن البعث، الذي أصبح أحد قادته.
بعد ثلاثة أشهر من اللقاءات الحزبية عرفوا أن القيادة القومية قي سوريا أوقفت الدعم المالي ولم تعترف بالهيئة الحزبية التنظيمية في اليمن والتي، حسب طه، لم يحسن أبو عيون تفصيل القياسات وفق الشروط المتبعة والمعروفة لديهم.
ويكتشف طه سيف نعمان صاحب المذكرات التي صدرت حديثاً عن مركزعبادي في صنعاء بعنوان (من الذاكرة) لما لجانب الدعم المالي من مكانة في العمل الحزبي، ولهذا بدأ أبو عيون يسعى إلى نقلهم من حزب البعث بشقه السوري، أو الأموي، حسب تعبيره، إلى الشق العراقي، أو العباسي؛ بعذر توحيد النشاط في حزب بعثي واحد.
وبعد لقاءات مع أحد مسئولي الجناح العراقي يتم العمل على ترتيب أوضاع المندمجين، وهنا سرد طه سيف نعمان الكثير من المفارقات حول سماعه وترديده لشعار الحزب، أوّل مرة، ورصد تصرفات مسؤولي الحزب في مصروفاتهم المالية وسلوكهم الحزبي، كما يكتشف أن أبو عيون جاء به quot;إلى القيادة ليكمل به النصاب المقرر من أجل الربحquot;.
صباح يوم الخامس عشر من أكتوبر 1978 يجيئون إلى اعتقاله من بوابة المدرسة التي يعمل فيها، وأنتبه لحظتها إلى وجود أبو عيون في زقاق قريب، بإشارة إلى انه هو الذي دل رجال الأمن عليه ليعتقلوه!.
أثناء التحقيق يستعيد صورة أبو عيون وهو يقف على مقربة من اعتقاله فيعترف باسمه وأن الاجتماعات الحزبية كانت بسببه، وأنها كانت تناقش موضوعه، وكيف تحايل عليهم وكذب، ولم تكن تناقش خطة قلب نظام الحكم!، كما جاء في التهمة التي أشارت إلى أن طه حدد له منصب وزير التربية والتعليم في الحكومة الانقلابية!
تصور المذكرات فترة السجن التي استمرت ثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما وما صاحبها من تحقيقات وتعذيب ومواقف الحزبيين والمسجونين الآخرين والسجّانين.
من بني أمية إلى بني العباس
بعد السجن يحاول أن يتأقلم مع التنظيم ومسؤوليه إلاّ أن هناك مشاكل كثيرة كانت تطغى على ممارسات قياداته.
ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى بدأ التقارب مع الجناح السوري للحزب، بالحجة القديمة نفسها، العمل من أجل وحدة مناضلي الحزب، لتبدأ مرحلة بني أمية، كما يصفها طه. وعنها تواصل المذكرات تقديم جوانب كثيرة من ممارسات العمل الحزبي ومفارقاته المثيرة التي كان يمكن اعتبارها رواية مؤلفة لولا أن كاتبها يفصح عن أسماء شخوصها المعروفين في الحياة السياسية والاجتماعية اليمنية. فالكاتب، كما يقول محمد عبدالله الفسيل في مقدمته للكتاب، قد quot;فتح كل الغرف المغلقة التي يجتمع فيها (الرفاق) للمناقشة وراء الجدرانquot; وأخرجهم منها إلى الشارع، في عمل جريء.
يتحدث صاحب المذكرات عن اعتقاله مجددا ومكوثه ثلاثاً وأربعين يوماً إثر مداهمة منزله، وعن رحلاته الحزبية إلى سوريا عبر مدن أوروبية.
حين رفضت القيادة في اليمن بعض قرارات القيادة القومية في سوريا بإعفاء عدد من الأعضاء في اليمن عن مناصبهم الحزبية، ومنهم طه سيف نعمان، عادت فكرة التقارب مجداً مع جناح الحزب في العراق، لتبدأ مرحلة بني العباس في أواخر 1987وتنتهي في سبتمبر 1989.
ويعتبرها صاحب المذكرات quot;مرحلة مخزيةquot;، ويقول أن أغلب الصراعات الحزبية كان سببها الجانب المالي. وأن الحزب عند أكثرهم يعني quot;الصرفquot; المالي.
التعليقات