في جلسة إجرائية خلت من عناصر المفاجأة، إذ أن كافة وقائعها كانت متوقعة، أصدرت محكمة جنايات القاهرة في جلستها يوم الخميس الحكم بإعدام رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وضابط الشرطة السابق محسن السكري، في قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم .
وربما لم تكن قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وقبلها وبعدها قضايا اغتيالات كثيرة، بهذه الإثارة التي تنطوي عليها حكاية quot;الملياردير والمغنيةquot;، ذلك لأن الأخيرة فضلاً عن كونها تحمل كل عناصر الإثارة والتشويق، من الحب والجنس والمال والجمال والنفوذ وغير ذلك من المشهيات التي يبدو أن الشارعين المصري والعربي في غاية التعطش لها .
وسبق للمحكمة بجلستها الأخيرة في 21 مايو الماضي أن أحالت أوراق المتهمين المذكورينعلى مفتي الجمهورية، للتصديق على الحكم بإعدامهما لسابقة إدانتهما بقتل الفنانة المذكورة في شهر تموز (يوليو) من العام الماضي .
كما قضت المحكمة بإجماع الآراء أيضا بمعاقبة محسن السكري بالسجن المشدد عشر سنوات ومصادرة مبلغ المليوني دولار التي دفعها له هشام طلعت مصطفى لتنفيذ الجريمة والذخائر المضبوطة، وألزمت المحكمة السكري وهشام طلعت مصطفى بأن يدفعا متضامنين لكل من عبد الستار تميم والد الفنانة وشقيقها خليل عبد الستار تميم وثريا إبراهيم مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض المدني الموقت.
وأكدت المحكمة إثبات ترك احد المدعين بالحق المدني لدعواها المدنية، وقضت أيضا بعدم قبول الدعوى المدنية من المحامين نبيه الوحش وهالة عبد المحسن وسمير الششتاوى في ما قررت إحالة الدعوى المدنية المقامة من عادل معتوق ورياض العزاوي على المحكمة المدنية المختصة .
ولعل المأساة تكمن في تلك الطريقة التي نجحت عدة مرات سابقة مع محسن السكري، ليقفز بها خطوات واسعة في مشهد مصري راهن، يتعاظم فيه دور رجال المال والأعمال، فالضابط السابق التحق بالعمل لدى رجل أعمال مصري بارز أوكل إليه مهمة الحفاظ على شركته في العراق، قبل أن يقيله بعد أن اكتشف تورطه في التآمر مع بعض الإرهابيين هناك في عمليات اختطاف مدبرة، سبق أن جنى منها السكري أموالاً طائلة، مع أنها كانت مجرد مسرحيات تتم بالتنسيق مع عصابات الخطف في العراق، لكن ما أن اكتشف رجل الأعمال المصري أنه كان ضحية لعمليات احتيال حتى قرر التخلص من السكري .
وبطريقة ما استطاع ضابط الشرطة السابق محسن السكري اختراق دائرة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، الذي كلفه بقتل سوزان تميم للانتقام منها بعد ما تردد عن تخليها عنه وخداعه، كما تردد من أنباء وقيل في هذا السياق من روايات لا حصر لها .
منطوق الحكم
جاء حكم المحكمة جنايات جنوب القاهرة برئاسة المستشار محمدي قنصوه بعد مقدمة قانونية قال فيها رئيس المحكمة: quot;إنه بناء على رأي فضيلة مفتي الجمهورية، والاطلاع على مواد قانون الإجراءات الجنائية وعلى مواد قانون العقوبات، وعلى مواد قانون الأسلحة والذخائر والمادة 163 من القانون المدني و184 من قانون المرافعات، وبعد المداولة حكمت المحكمة حضوريا بما يلي :
أولا ـ بإجماع آراء أعضائها بمعاقبة كل من المتهمين ضابط الشرطة السابق محسن السكري ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالإعدام وذلك عما نسب للأول في التهمة أولا ، وعما نسب للثاني .
ثانيا ـ معاقبة الأول quot;السكريquot; أيضا بالسجن المشدد 10 سنوات عما نسب إليه في التهمتين ثانيا وثالثا.
ثالثا ـ مصادرة مبلغ المليوني دولار والسلاح والذخائر المضبوطة.
رابعا ـ إلزامهما بالمصاريف الجنائية.
خامسا ـ في الدعوى المدنية المرفوعة من كل من عبد الستار خليل تميم وخليل عبد الستار تميم وثريا إبراهيم الظريف، بإلزامهما بأن يدفعا متضامنين لكل منهم مبلغ 5001 جنيه على سبيل التعويض الموقت وإلزامهما مصاريفها شاملة 100 جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
سادسا ـ بإثبات ترك المدعى بالحق المدني وائل بهجت quot;لأعوانهquot; المدنية وإلزامه مصاريفها.
سابعا ـ عدم قبول الدعوى المدنية المرفوعة من كل من نبيه الوحش وكمال عبد الفتاح وهالة عبد المحسن وسمير الششتاوي وألزمت كل منهم مصاريفها شاملة مبلغ 100 جنيه أتعاب المحاماة.
ثامنا ـ إحالة الدعوى المدنية المرفوعة من كل من عادل رضا معتوق ورياض العزاوى على المحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف .
وقائع الجلسة
وشهدت الجلسة حضورا إعلاميا وصحافيا مكثفا، إذ احتشد مراسلو وكالات الأنباء ومصورو الفضائيات الإخبارية المحلية والعالمية منذ الصباح الباكر أمام مبنى محكمة جنوب القاهرة حيث عقدت المحكمة برئاسة المستشار محمدي قنصوه، وقد اكتظت قاعة المحكمة بالحضور عن آخرها .
واحتشدت قوات الأمن بكثافة داخل وخارج مبنى وقاعة المحكمة، حيث شارك العشرات من لواءات شرطة مكافحة الشغب والأمن المركزي والعمليات الخاصة ، في تأمين مبنى المحكمة من الداخل والخارج.
وتواجد الآلاف من رجال الأمن المركزي والقوات الخاصة وشكلوا كردونات أمنية على امتداد الطريق إلى داخل القاعة التي تم تفتيشها من خلال كلاب الحراسة المدربة على كشف المفرقعات، فضلا عن التدقيق في هوية كافة الحضور إلى حد التفتيش الذاتي ومرورهم على 3 بوابات الكترونية لكشف المعادن والأسلحة وتسجيل أسمائهم ووظائفهم لأكثر من مرة.
وتسبب عدم التنظيم الكافي للحضور من إعلاميين ومصوري الفضائيات وضيق قاعة المحكمة في حدوث مشادات لفظية واشتباكات بين مصوري القنوات الفضائية والصحافيين نتيجة الزحام الشديد، فضلا عن اعتداء أفراد الحراسة التابعة لأسرة المدانين هشام طلعت والسكري على المصورين الصحافيين الذين حاولوا تصوير هشام ومحسن السكري عقب تلاوة المحكمة لحكمها ورفعها للجلسة .
وأودع السكري الجزء الخاص به من قفص الاتهام في تمام السابعة صباحا، محاطا بداخل القفص باثنين من الحراس لتأمينه جسديا ، فضلا عن الحراسة الخارجية، أخذ بعدها على الفور في التلاوة من المصحف الذي كان بحوزته، غير مهتم بتدافع عدسات المصورين وكاميرات الفضائيات نحوه لتصويره، حيث بدت عليه علامات الوهن والضعف الجسماني والهزال، فيما تم إيداع طلعت مصطفى بعده بعشر دقائق، والذي لم يتحدث إلى
أحد سوى محاميه فريد الديب الذي حضر الجلسة، لينفي بذلك شائعة الاستغناء عنه لصالح بهاء الدين أبو شقة، ونجله الدكتور محمد أبو شقة ليتوليا ملف القضية في مرحلة نقض الحكم .
واستقبل هشام طلعت الحكم بهدوء، ولم تظهر عليه علامات التوتر أو القلق قبل وأثناء اعتلاء هيئة المحكمة للمنصة ونطقها للحكم .
وسبق للمحكمة أن أصدرت في 21 مايو الماضي حكما تمهيديا بإحالة أوراق كل من طلعت مصطفى والسكري، إلى فضيلة مفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه الشرعي بشأن الحكم بإعدامهما، وذلك لإدانتهما في جريمة مقتل الفنانة سوزان تميم، وأسفرت عملية استطلاع رأي المفتي بجلسة اليوم عن موافقته على قرار المحكمة السابق اتخاذه بإعدامهما .
وتقدم فريد الديب محامي الدفاع الرئيس عن هشام طلعت قبل أيام بطلب إلى المحكمة لإعادة فتح باب المرافعة في القضية، مشيرا في طلبه إلى أن هناك دفعا جديدا يريد إبداءه في القضية أمام المحكمة يتمثل في عدم اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى، على اعتبار أن جريمة قتل سوزان تميم وقعت في إمارة دبي، وأنه يرغب في توضيح ذلك الأمر أمام المحكمة ليؤكد أن نظر القضية يخرج عن ولاية القضاء المصري، إلا أن المحكمة لم تأت على ذكر هذا الطلب والتفتت عنه في منطوق حكمها .
محطات المحاكمة
وكانت محاكمة هشام طلعت ومحسن السكري، قد استغرقت 29 جلسة على مدى 8 أشهر تقريبا، نفيا في أول جلسة لمحاكمتهما ما هو منسوب إليهما من اتهامات، فيما طالبت النيابة بعقوبة الإعدام لهما في ضوء قرار الاتهام الصادر ضدهما من النيابة العامة.
وأصبح من المقرر أمام طلعت مصطفى والسكري أن يطعنا على الحكم بإعدامهما أمام محكمة النقض - أعلى سلطة قضائية - فور إيداع المحكمة لحيثيات إدانتهما، والتي إما أن تؤيد حكم محكمة الجنايات فيصبح الحكم باتا ونهائيا، ولا يتبقى سوى تحديد ميعاد لتنفيذ الإعدام بحقهما.. أو أن تقضي المحكمة
بإعادة محاكمتهما مرة أخرى أمام دائرة محاكمة جنائية مغايرة إذا رأت وجود خطأ أو عوار قانوني، ليتم نظر القضية من جديد من البداية حتى يصدر فيها حكم جديد.
واستمعت المحكمة خلال جلسات المحاكمة إلى عدد كبير من الشهود في القضية، من بينهم ضباط في الإدارة العامة في شرطة دبي ووزارة الداخلية المصرية، وخبراء من وزارة العدل والطب الشرعي في مصر ودبي، وعدد من العاملين في مجموعة شركات طلعت مصطفى، وأصدقاء مقربين للقتيلة سوزان تميم .
وكانت المحكمة قد قررت في ثالث جلساتها لنظر القضية حظر النشر فيها بجميع وسائل الإعلام quot;المرئية والمسموعة والمقروءةquot;، وقصر النشر على منطوق قرارات المحكمة وما يصدر عنها من أحكام سواء كانت تحضيرية أو تمهيدية وكذلك الحكم النهائي، وحصرت التسجيل (ما يدور في الجلسة) على
التدوين في محضر الجلسة فقط دون النشر، على اثر ما وصفته المحكمة بـ quot; محاولات توجيه الرأي العامquot;، في 3 كتب عن القضية بما يعد quot;تدخلا في شؤون ومجرى العدالةquot;.
وسبق للنيابة العامة أن أحالت المتهمين للمحاكمة الجنائية عقب انتهاء تحقيقاتها في القضية، حيث نسبت إلى محسن السكري أنه ارتكب جناية خارج البلاد إذ قتل المجني عليها سوزان عبد الستار تميم عمدا مع سبق الإصرار، بأن عقد العزم وبيّت النية على قتلها فقام بمراقبتها ورصد تحركاتها في العاصمة البريطانية quot;لندنquot; ثم تتبعها إلى إمارة دبي، حيث استقرت هناك .
وأوضحت النيابة أن المتهم أقام في أحد الفنادق بالقرب من مسكن سوزان، واشترى سلاحاً أبيض (سكين) أعده لهذا الغرض، ثم توجه إلى مسكنها وطرق بابها، زاعما انه مندوب عن الشركة مالكة العقار الذي تقيم فيه لتسليمها هدية وخطاب شكر من الشركة، ففتحت له باب شقتها إثر ذلك، وانهال عليها ضربا بالسكين محدثا إصابات شلت مقاومتها وقام بذبحها قاطعاً الأوعية الدموية الرئيسة والقصبة الهوائية والمرئ ما أودى بحياتها.
وذكرت النيابة أن هذا الأمر مبين وموصوف بتقرير الصفة التشريحية والتحقيقات وكان ذلك بتحريض من المتهم الثاني هشام طلعت مقابل حصول السكري منه على مبلغ نقدي قيمته مليونا دولار ثمنا لارتكاب تلك الجريمة.. كما حاز بغير ترخيص سلاحا ناريا (مسدس ماركة سى زد) عيار 35.6 على النحو المبين بالتحقيقات، وحاز أيضاً ذخائر (29 طلقة عيار 35.6) حال كونه غير مرخص له بحيازته على النحو المبين بالتحقيقات .
ونسبت النيابة العامة لهشام طلعت أنه اشترك بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة مع محسن السكري في قتل المجني عليها سوزان تميم انتقاما منها، وساعده بأن أمده بالبيانات الخاصة بها والمبالغ النقدية اللازمة للتخطيط للجريمة وتنفيذها وسهل له تنقلاته بالحصول على تأشيرات دخوله إلى بريطانيا والإمارات فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة .
التعليقات