عادل درويش من لندن: أثناء المراسم الرسمية لجنازة العاهل الاردني الراحل قبل عشر سنوات في عمان تحول نهر الاردن الى تيار من الدموع والشعب كله يبكي الرجل الذي اعتبروه ابو الاردن ومؤسس الدولة الحديثة؛ فقد كان الحسين ابن طلال ( 1935-1999) ربما اكثر زعماء القرن العشرين العرب شعبية بين رعيته. كان اعضاء البرلمان ورئيسه ورئيس الوزراء يذرفون الدموع، ماعدا الامير عبدالله بن الحسين، الذي اصبح وليا للعهد قبل المناسبة باسبوعين فقط.، وهاهو يتلقى العزاء في والده المحبوب قبل ان يؤدي قسم اليمن لبجلس على عرش البلاد.

ابدى عبدالله الثاني رباطة جأش غير معهودة في منطقة من العالم تسبق فيها العواطف حسابات العقل وتجيش الانفس بالانفعالات في مثل هذه المناسبات. تميزت خطواته بالثبات وابدى برود اعصاب تدل على الالتزام بالواجب الثقيل الذي القته الظروف على كتفيه الشابين وليس اللامبالة.

وقال المراقبون المعاصرون لابيه الراحل ان شجاعة عبدالله ورباطة جاشه في مواجهة اليوم العصيب، نتيجة تركيبة وراثية ونتيجة تربية وتنشاة خاصة اتيحت لاقلية نادرة العدد، مزيج من شجاعة بني هاشم باصولهم العرقية في مكة المكرمة عن ابيه، واسرة والدته انجليزية عريقة تمرست في التربية العسكرية البريطانية، هي اسرة غاردنير، وهي من الاسر الانغلوساكسونية التي يقتفي ابنائها فروع شجرة العائلة حتى جذورها في القرون الوسطى.

ومثل ابيه، كانت التربية العسكرية الانجليزية واضحة في برود عقله وثبات اعصابه وسرعة التصرف الشجاع مثل. والده اذهلت شجاعته وسرعة تصرفه المراقبين والمؤرخين عندما كان شابا دون السادسة عشرة. كان الامير الحسين، وقتها، يرتدي ملابسه العسكرية كضابط تدرب في ساندهيرست في الجيش العربي ( الفيلق العربي سابقا في الجيش البريطاني) بصحبة جده الراحل الملك عبدالله (1882-1951) لاداء الصلاة عام 1951 في المسجد الاقصى بالقدس عندما اطلق ارهابي متطرف النار على الملك. وبينما اسرع الجميع بالاختباء او الانبطاح ارضا، اندفع الشاب حسين يطارد الارهابي وحاصره في ركن رغم اطلاق الاخير النار عليه، واينقذت احدي الميداليات المعلقة بصدر زي الحسين العسكري حياته اذ استقرت فيها الرصاصة.

افردت الصحف العربية والعالمية الصفحات لهذه الشجاعة النادرة التي ابداها الامير الاردني الشاب، وكانت الصحف الانجليزية هي الاكثر احتفاءا. كان الحسين يحب الجيش العربي، واحبه الضباط، الانجليز ndash; وكان كثير من الضباط انجليز على راسهم رئيس الاركان غلوب باشا ( 1897-1986) الذي عرفه زعماء قبائل البدو بابو فارس ( نسبة الى ابنه فارس)- والعرب على السواء، وكان ولائهم والجنود له يبلغ حد التضحية بالذات. هذا الحب المتبادل، كان سببا مباشرا في لقاء القلبين، العربي البدوي الاصيل، والانجليزي العريق في زواج كان ثمرته الاولى عبدالله الذي اصبح ملكا بعد 38 عاما من هذا اللقاء.

كان المملك حسين قد وافق على طلب من المخرج العالمي دافيد لين (1908-1991) لاعارته لواءا من الجيش العربي لاعادة لعب دور لعبه اجدادهم حقيقة اثناء الثورة العربية ضد الحكم العثماني اثناء الحرب العالمية الاولى، وذلك اثناء تصويره لفيلم لورانس العرب، عن حياة الضابط البريطاني توماس ادوارد لورانس (1888-1935) حيث صور، في دراما ملحمية، احد اهم واشهر الفصول الرومانسية في عمر الصداقة العربية البريطانية، كاحد الضباط غير العاديين الذي عاش بين عرب الصحراء كواحد منهم بل كان الطلبة من بلدان عربية غير صحراوية يتعلمون منهم بعد ذللك العادات والتقاليد العربية.

اثناء تصوير الفيلم، كان الملك حسين يزور اماكن التصوير يوميا للتاكد من حسن معاملة الجنود واحترام الملثوين والعاملين في الفيلم للتقاليد العربية. وكان ايضا يطلع على اوراق سيناريو الفليم للتاكد من عدم تشويه الاحداث او تصوير افراد عائلته، خاصة الشريف حسين بن على (1853-1931) قائد الثورة العربية ndash; ولعب الدور عمر الشريف- الذي ناصره لورانس.

وقتها قابل الملك الشاب، حسين بن طلال، حب حياته انطوانيت افريل غاردينر، التي عرفت في الاوساط الانجليزية بتوني غاردينر، ابنة ضابط انجليزي من الاسر الارستقراطية، كانت تعمل في نسخ اوراق السيناريو بعد تعديلها مع فريق تصوير الفيلم.

كان حبا من اول نظرة ndash; تماما مثلما حدث مع ابنه الامير عبدالله بعد ثلاثة عقود عندما كان ضابطا في الجيش العربي بعيدا عن الاضواء ولايفكر في التاج او العرش او السياسة، عندما دخل احد البنوك في عمان والتقت عيناه بعيني الحسناء رانيا المثقفة التي كانت تدير البنك، وتزوجا واصبحت اليوم من اشهر الشخصيات الملكية حبا حول العالم.

انطوانيت تزوجت الحسين، بمباركة ابيها الكولونيل الانجليزي والتر بيرسي غاردينر الذي كان عمل في الفيلق العربي، ويعشق العرب والصحراء، في 25 مايو 1961 لتصبح الاميرة منى الحسين بعد اشهار اسلامها ولم تمنح لقب ملكة، اذ كان في القصر ملكة واحدة قوية لاتسمح لاحد بمشاركتها اللقب، هي الملكة زين شرف طلال الهاشمي( 1916- 1994) والدة الملك حسين. عندما انجبت الاميرة منى الحسين ) (توني غاردنر سابقا) الامير عبدالله عام 1962، منعت المرحومة الملكة زين ولدها من ان يسميه وليا للعهد قائلة ان نسب الاسرة الهاشمية الذي يعود الى بيت الرسول محمد مما يعني ان الجالس على عرش الاردن له مسؤوليات تاريخية ويجب ان يكون من دماء حجازية عربية بدوية خالصة لايختلط بها دماء اوروبية حتى ولو كانت الام مسلمة.

وتحت ضغط ملكة قوية عنيدة اعتبرت الانجليز مسؤولين عما حل بزوجها الملك طلال بن عبدالله ( 1909-1972) من تنحيه وتنازله عن العرش للملك حسين لاسباب صحية ونفسية؛ اضطر الحسين الى تسمية اخيه الامير حسن بن طلال وليا للعهد، حتى قبل وفاته باسبوعين، عندما انزعج قائد المخابرات الاردنية وزعماء الجيش من تحركات زوجة الحسن الباكستانية، وخشيتهم من ان توعز لزوجها باجراء تغيرات في الجيش. وسافر قائد المخابرات مع الامير عبدلله للقاء الملك حسين عندما كان يعالج من السرطان في مينابوليس بامريكا. ولاحد يدري ماذا كان مسار التاريخ لو كانت الملكة زين لاتزال على قيد الحياة.

ولدت انطوانيت افريل غاردينر في 25 ابريل 1941 في مقاطعة سافولك الانجليزية المطلة على بحر الشمال لكل من الملازم غاردينر وزوجته دوريس اليزابيث سانون، وتعلمت في مدرسة ارسالية الاسر الانجليزية في كوالالامبور عندما اصطحبت الاسرة الضابط غاردينر مع الجيش البريطاني هناك. وكانت لاعبة هوكي متالقة حصلت على عدة ميداليات قبل الانتقال مع ابيها الى الاردن حيث عملت ككاتبة على الة الطباعة مع فرقة تصوير فيلم لورنس. وحسب المصادر الخموثوقة ومن الاسرة نفسها، فام الحسين احب منى كما لم يحب احد من قبل، وبعد طلاقهما في عام 1971، لم تتزوج ابدا اذ لم تحب احدا غير الملك حسين.

انجبت منى الحسين، عبدالله عام 1962، ثم فيصل عام 1963، ثم التوائم عائشة وزين عام 1968. بقيت منى الحسين في الاردن بعد الطلاق، وانغنست في الاعمال الخيرية خاصة في مجال التمريض وتدريب اللمرضات. وقد خصصت منحة منى لدراسة التمريض. وكانت علاقتها طيبة بالملك حسين حتى وفاته، وان عرف انها لم تكن مودة كثيرة لحماتها الراحلة الملكة زين. ورغم انه لم تتفوه بكلمة سلبية عنها، الا ان المقربين يقولون انه اعتقدت ان الملكة زين كانت وراء طلاقها من الملك حسين.

وهناك شبه اتفاق بين المراقبين المعاصرين ان هدوء اعصاب ورقة وادب منى الحسين الجم انعكس في اخلاقيات المللك عبداله الثاني الوادعة ادبه الحم وهدوء اعصابه في مواجهة المآزق. وعبدالله الثاني، من ناحية رمزية، هو نتاج التلاحم الرومانسي في عصر التحالف العربي البريطاني، الذي غير مسارلا التاريخ عبر ضفتي الاردن.