اهبط من مأمنه الرحيم 1966. نشر لاول مرة نصا شعريا في مجلة لوتس 1987 قبل ان ينهار الاتحاد السوفيتي السابق. حصل على بكالوريوس اداب الغة العربية 1991. عمل مصححا لغويا في مجلة "اقلام" في بغداد ومدير تحرير ملحق " نهار الكتب" في بيروت. منح جائزة هيلمان هيميت للابداع وضحايا التعبير لعام 1998. غادر بلاده 1993. يقيم في سدني اوستراليا منذ 1998. صدر ديوانه الشعري الاول عام 1993 عن دار الان لصاحبها الصديق فاضل جواد |
الذي اغلق الدار بعدها وغادر البلاد. حصلت الموافقة على نشر ديوانه الثاني " اطياف السواد" من وزارة الثقافة السورية عام 1998 ولم يحصل لعلمه حتى الان ان نشر الديوان ام لا.
الشعر لغة الانسان الاولى
الشعر، ذلك الكائن الغريب، بالنسبة الي، هو حوار الذات الداخلي مع نفسها، محاولة الايغال في الهتاف لبلوغ حالة الصمت، التناغم مع الطيات الجوانية للروح حيث ترقد عولم فسيحة وفضاءات لا متناهية مشرعة على كل ما يؤلف هوية الكائن وطبيعته المتشابكة، انه المرسلة ذاتها المقصودة لذاتها كما يقول جاكوبسن. وهو في لحظة التماهي مع الذات هذه فرصة طيبة لامكان الفرح الشفيف الذي يهيئ للشاعر التحرر من قيود العالم الخارجي لحساب الانكفاء على الذات لخلق عوالم سحرية تنبع من تحرر الشاعر من نظام اللغة العام وخلق لغة شخصية صرف. الامر الذي يتيح للشاعر الخروج من نسق التاريخ وقوانينه الصارمة الى ما يدعوه شلوفسكي" نسق الاغراب" الذي يجعل رؤيتنا للاشياء جديدة او متحولة في تجاوز صريح للاداء الوظيفي التوصيلي لانساق اللغة الصلبة المتماسكة لحساب المنحى الجمالي للغة الذي ينبعث من الذات ويعود اليها.
الشعر محاولة لاقتطاف ثمرة المعرفة المحرمة، لان يعود بالانسان الى بدائية ما قبل الطوفان، الى لغته الاولى، الى ثغثغته وهو يتعثر في صناعة اساطيره التي ارخت لبدايات الغياب في الذات والتوحد معها دون معرفة "قبلية" ـ بتسكين الباء العظيمة ـ تسلب العقل صفاءه وبراءته،، قبل ان يجد نفسه مأسورا لهيمنة الالهة التي اخرجت البشرية من جنة القول الشعري الى نثر الحياة وايديولوجيتها القامعة. انه التوحد مع البقعة العمياء الراقدة او الكامنة في طيات الروح حيث تضيع فيها كل هوية ابتداءً من هوية الجسد وحاجياته الحياتية مرورا بكينونة الشاعر التي تضيع او تتلاشى بين عدمين، عدم نظام الحياة القامع لكل حرية وعدم " اللامعنى" الذي ينتجه الخطاب الشعري.
انه المنفى اللغوي البديع حيث ما لا يمكن قوله في اللغة نستطيع قوله في النص الشعري ورؤاه الشاسعة، وحين يحاول الشاعر انتزاع الشعر من اللغة انما هو كمن يحاول اقتلاع لؤلؤة من محارة متحجرة. انه كلام بشري في مواجهة كلام الالهة التي صادرت حرية الانسان واستبدلت شعر اللغة بنثر الحياة.
يقول جدنا الجاحظ في تعريفه للشعر: " الشعر ما لا تستعين عليه بالفكر، وما كان غنيا عن التاويل " وما احاوله انا العبد الفقير مقارنة برهبة صاحب" الحيوان" ان اصنع شعرا يتنافى مع هذا التعريف ويناقضه تماما، عذرا ياصانع البيان الامهر فانا مولع بتوحد الفكر مع الشعر ومهووس بفضاءات التاؤيل والباطن وكل ما لا يمكن بلوغه بيسر.
عدم يتاكل في العدم
1حركة الارض
كل شيء يجري بسرعة مذهلة وكانما هو واقف تماما وبحكمة مشوشة لايمكن لي ولا لك ولا لأي كائن اخر ان يفضّ مجاهلها، انه العالم البهي الواضح الذي يتحدر من اصلابنا اللابهية واللاواضحة. هذا الغموض المربك المنبثق من غموض اخر اشد منه فراسة ووحشية، عدم يتاكل في العدم ليكوّن عدما اخر من مثله،وانا جثة بهذا كله، بالغيوم المتسربلة في اروقة العضام،بالاسماك التي تلتهم الجدران والابواب، بالاظافر الممسكة باغطية الضياع، بالنمل المحاصر بالنيران والمدافع، لكنني بين هذا وذاك خرقة مرمية على ارض وعرة وشائكة، سقف يعلق الاباء فيه ثيابهم ونساءهم، حنجرة تتهشم في مرايا الكلام، صرخة بين حجرين كبيرين، قنديل مطفأ اخر النهار، عربات فارغة يسحبها الموتى بلا خيول، قاتل او قتيل، ارض يحرسها الظلام بفؤوسه البارقة، ناقوس مخلوع في اخر الارض، وحين حاول الموتى مقايضتي لذت بالمقابر والحديد، اويت طيور الليل ونزفت معها، وحين حاول ايقاضي مالك اليقظة ترددت بين هذا وذاك وضيعت عليه الامر بالكلام المباح،هذا كان اول ما تعلقت به عيناي وربما كان اخرها.
2يوم الظهور او ليلته
السماء المطوية خلف سماء اخرى، تلك التي لم تعلن بعد عن حرارتها ونخيلها ليست هي كل ما يربك في السؤال، ربما صورتها المعلقة على الجدار، او معطفها الذي يطل فيه الموتى على موتهم ويتلمسونه كما تتلمس المراة الفراش،الذعر المراق على الحدائق بما يصطاده من خفافيش وسعف وطناجر وهاربين،اية ليلة ستعلن بيارقها قبل الاخرى، تلك المرسومة على كتفي اليمنى التي رايت فيها خيولا صوّبت اليها السهام والرماح، ام تلك الليلة التي اخبرني عنها ابي وادركت فيما بعد انها اول ليلة لي على الارض بعد ظلمات ثلاث لا تحصى الا بمقدار ما تتاكل وتضمحل، ذلك الوجود الاعمى الذي يغيب ليمنحني حضوره لاصبح شكلا ذات ابعاد تقاس بالاشبار والاظافر.
3 الارض سرب طيور بعيدة
أي الحروف اكثر ابتهاجا من غيرها، وايهما يملك الصدارة في الكلام، في ان يكون قبل الاخر لتصنع الكلام، الكلام الذي نختفي فيه،و كيف لا يتزاحمون على الخروج من حنجرة عاطلة، لوح هزيل في الجانب الاخر من النهر، مكتوب عليه اسماء الامهات والديدان في اكياس بلاستيكية، لوح لا يقدر احد ان يقرأه او يفرز عظامه، في الجانب الاخر من النهر لوح هزيل لا يتكلم بما فيه، لا يبدو الامر اكثر من علاقة خفية بين ضفتي النهر كالعلاقة بين السماء والمنارات مثلا او بين الهواء وشبابيك الاغاثة،او بين الشمس والقمر من جهة والارض من جهة اخرى، انها ربما سرب طيور بعيدة هذا الارض جاءت من مكان بعيد وتهشمت حين لم تجد المياه، كتب سرية في معبد سري.
4 استظل بجسد اخر
في المقابر لا احد يتكلم اذ لا شواهد تدل على من فيها، سوى ترابها الذي اختلط مع العظام، انها الاب الشرعي لصرخاتنا، الاب الذي لا يدركه الموت ولا احد قادر على الخروج من نطفه الرحيمة الصافية الاكثر وضوحا من اطفال تعثروا ببقايا الهواء فايقظوا المنارة في سرة الاعمى، في ديدان تتناسل في العهد القديم الاكثر وضوحا من عباءة سوداء تكومت على حفنة من العظام هاتفة انه ولدي وليس لي سواه.المراكب تتناقص كذلك المستقبل، الماضي وحده الذي يكبر ويتناسل مثل ساعة رملية لم يمسسها احد بسوء، وانا بينهما احاول ان استرشد او اضاء، لكنني لكلما تلمست الكتاب لا اعرف اية هاوية تقع عليها اصابعي، سوى انها تتكاثر في النار التي تكبر فيما تلتهمه وتجعل منه سحابات متحجرة.
5 ملائكة غلاظ
توابيت كثيرة تنزل من السماء، جنود مسوّمون لا يقف في طريقهم شيء،و يفعلون ما يؤمرون، ثم يمضون من حيث جاؤوا انهم لا يتكلمون، مهمتهم الوحيدة هي الحرب انهم يقاتلون ثم يعودون من حيث هبطوا من السماء السابعة، وحين حاولت ان انظر اليهم، انهم لايدعونك تنظر اليهم، و يتركون وراءهم مرايا كثيرة لا ترى فيها غير صورتك قبل التكوين، وبعض جذوع نخيل بلا تيجان، وهناك في زاوية بعيدة من المرايا امهات يندبن ثم يتحولن الى ابتهالات وادعية خضراء سرعان ما ترحل مع المياه.
6 جرس ارهقته الاجراس
ياشقيق دمي ايها القبر، كن رحيما بي ودافئا، لا شيء اكثر الفة منك، متماد انت وغارق في التكهن، كيف يتسنى لك وبيد واحدة ان تتواشج مع كل هذا الخليط من الاحتمالات، ورغم كل هذا، حمدا للطبيعة على كل شيء، حمدا لهيأتها وهي بلا هيئة تعينها، حمدا لامتداداتها السحيقة، الخريف ينضج في جماجم فارغة، في ظلمة لا تفك الا بظلمة اشد منها، حمدا للطبيعة على كل شيء، لهواء المنازل تفك ازرار عتمتها، لامراة لا تغادر جليد الحضارة، للعماءات التي تنسكب على صورة الحياة، والهواء هو الهواء نفسه الذي يتنفس منذ ادم، للماء المتدفق من شعلة الالم، للحصى المتطاير من قلوب النساء، للخرافة التي اودعناها اطفالنا وبيوت احزاننا، للينابيع الربانية الهائمة في دكان مهجور، للحمل القدسي الذي يتدثر بالجمر،لامهات عاد اليهن اطفالهن بلا كلمات او اطراف، ايها الجرس الذي ارهقته الاجراس اما ان تصير فراشة او قنديلا فتستريح.
7 على نواح الارض تنهض السماء
غادرتنا اثوابنا، غادرنا ماء الحوامل التي لا مست شغاف النهر، ليل الاجنة المخبوءة في شراشف راهبة عمياء، ولم اكن حجرا ليصدعه السيل ولا كافورا لارى سواحل الموتى، بينما تكبر براعم الملائكة الغلاظ في قدمي وخاصرتي، تكبر في سحابة القلق، في الحقول التي تعلقني محض ناطور يفضح الحقل، بينما الاخت تهيء شاي المساء، وتهتف : على نواح النهر تنهض المزارع، على نواح الارض تنهض السماء، على نواح الشمس تنهض الغيوم، على نواح الليل ينهض النهار، على نواح المرأة ينهض الرجل، على نواح الحياة ينهض الموت، على نواح اللغة ينهض الشعر، على نواح الاباء ينهض الابناء، على نواح الهلاك ينهض الجمال، على نواح الذئب تنهض الخراف، على نواح القلب ينهض الحب، بينما الاخت مازالت تعد شاي المساء لضيوف لم يحضروا بعد.
8 موسيقى الحديد
يتساءل الواقف على عتبة النهر،عماذا يحق له الكلام، عن الكوكب الذي صار تفاحة من حديد، عن الدخان المتصاعد من جثة كلب محترق، عن اطفاله الذين يكبرون في اباريق الشاي، عن ابيه الذي دخل البئر مرتمسا ولم يخرج منه، عن اخيه الذي نزل النهر باحثا عن يقين المعمدان، عن موسيقاه التي هربت مع الحروب، عن قميصه المثقوب برصاصة عمياء، هذا برهانه على يديه، هذه ساعته وكتابه القديم، لكنه ضائع ومتردد بين العيون التي حملته على عجل وخوف، وبين اوراقه التي خبأها بين كليتيه، هائما في سراط الاعمى، كيف يتحجر بين يديه تاريخ كامل دون ان يدون فيه بعض وصاياه، كيف ينزل الى البئر باحثا عن يقينه قبل ان يدركه الغياب.
بغداد ـ سدني
1989ـ 2003
1989ـ 2003
التعليقات