يبدو أن العالم يعيش أجواء حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي من جهة وبين أطراف عديدة منها إيران من جهة أخرى، فقد كشف كتاب صدر مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية عن بعض أسرار وكالة الإستخبارات الأمريكية بخصوص إيران، وإدعى مؤلف الكتاب أن الوكالة قد قدمت لإيران معلومات مغلوطة لصنع قنبلة نووية بداية عام 2000م، ويؤكد الكتاب على أن العديد من الجواسيس الأمريكين التابعين ل CIA قد أعتقلوا بسبب أخطاء إرتكبوها، هذا ما أكده الصحفي في نيويورك تايمز جيمس رايسن في كتابه quot;حالة حربquot;.

وإن إفترضنا أن مثل هذا الكلام صحيحاً فإن الهدف من تلك المعلومات المضللة هو عرقلة البرنامج النووي الإيراني ومما تقدم نستطيع القول أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والتي تخوض حرباً باردة مع العديد من الدول ومنها إيران قد تجد نفسها في وضع لاتحسد عليه إذا بدأت تفكر في شن هجوم على إيران وستكون إيران خاسرة إذا راهنت على أن أمريكا وحلفائها لن تخوض حرباً ضدها وخصوصاً بعد التورط الأنجلوأمريكي في العراق.

وقرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن الملف الإيراني الذي أعطى إيران مهلة ثلاثين يوماً قد حسم الأمر لصالح التصعيد الأنجلوأمريكي، وبات واضحاً وأكثر من أي وقت مضى أن دول العالم الغربي ستتحالف فيما بينها ضد إيران ومن أجل عيون إسرائيل التي تعهد بوش الإبن في خطاب له بجامعة كنساس بحماية أمن إسرائيل من أي تهديد إيراني محتمل، قائلا quot;لقد قطعنا على أنفسنا عهدا بضمان أمن إسرائيل، وهو عهد سنفي بهquot;، في رده على تهديدات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد السابقة بـquot;محو إسرائيل من الخارطةquot;.

هذا يذكرنا بما أقدم عليه الرئيس العراقي صدام حسين عندما هدد بضرب إسرائيل بالمزدوج فبدأت مرحلة التخطيط من تلك اللحظة الى أن تمكنت أمريكا من إحتلال العراق بعد حصار دام طويلاً وحروب متعاقبة أنهكت العراق، وكأننا أمام نفس السيناريو وعليه تبدوا الصورة أكثر جلاءاً وواضحة للعيان فالكيان الصهيوني لا يعتمد في بقائه وقوته على جنوده وأسلحتهم المتنوعة فقط، فهذه مظاهر طبيعية لكيان أسس نفسه على أشلاء الضحايا، من أبناء الأمة العربية، وعليه نستطيع أن نؤكد على أن ldquo;اسرائيلrdquo; في نظر الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً إنما تخدم مصالحهم مباشرة في المنطقة حتى لو ظهرت بعض بوادر الاختلاف والتي غالباً ما تكون هامشية.

وعودة الى المقدمة نجد أن المعلومات المغلوطة التي قدمت لإيران كانت واضحة لدرجة أن علماء روس يعملون في البرنامج الإيراني سارعوا الى تصحيحها ولن نخوض في طريقة نقل أو توصيل هذه المعلومات فإن العملاء المزدوجين موجودين في كل وقت وفي كل حين ولكن الغريب في الأمر أن من قام بتسليم هذه المعلومات تعهد وأعلن عن إستعداده لتصحيح الأخطاء الواردة بمقابل مادي.

ويتضح جلياً أن اللاعبين الأساسيين في أزمة الملف الإيراني هم ثلاثة أطراف أساسية أمريكا وحلفائها، وإيران ومن يساندها، وإسرائيل ومن يدعمها، ولهذا أريد من القاريء أن يتخيل معي دور كل طرف من هذه الأطراف للوصول الى النتيجة الحتمية ومن هم الكاسبون؟ ومن هم الخاسرون؟، هذا إضافة الى أطراف غير أساسية سنعرفها لاحقاً.

ولن نذهب بعيداً فقد ربط بوش الإبن بين التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل وبين الأزمة النووية، مشيرا إلى أن تلك التهديدات تعد مؤشرا على أن طهران تسعى لتطوير أسلحة نووية، رافضا ما أسماه quot;الابتزاز القادم من سلاح نوويquot;.

ودخلت إسرائيل على خط المواجهة، ودعت على لسان رئيس وزرائها بالنيابة إيهود أولمرت إلى إحالة ملف إيران النووي سريعا إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات تمنعها من امتلاك القدرة النووية.

والإسرائيليون يعتمدون على المساندة والدعم من القوى الداعمة للصهيونية والتي تتمثل في الجماعات والمنظمات اليمينية الأصولية، ممن يعتقدون وبإيمان عميق إن ldquo;اسرائيلrdquo; هي رمز الخلاص وتتجسد هذه الحركة المسيحية وفكرها الصهيوني في مؤسسات إعلامية وإمكانيات مالية كبيرة وتحالفات متعددة تظهر بشكل قوي في الولايات المتحدة الأميركية ولها إرتباطات وثيقة وكبيرة مع ldquo;اسرائيلrdquo; فهي بإعتقادهم تمثل تحقيق النبوءات التوراتية وهي أيضاً تشكل الحليف الأقوى والشريان الأساسي لمصالح العالم الغربي في المنطقة العربية والتي إصطلحوا على تسميتها بالشرق الأوسط.

أما الموقف الإيراني ففيه لهجة التحدي عندما أقدمت على رفع الأختام عن مراكز البحث النووي، وهي متمسكة بمواقفها، حيث قال مرشد الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي إن بلاده لن تتخلى عن برنامجها النووي وإن التهديدات بفرض عقوبات لن يكون لها أي تأثير على إرادة شعبها، معبرا في الوقت نفسه عن ترحيب بلاده بمشاركة دول أوروبية وغير أوروبية في برنامجها النووي.

وكان التحدي الأكبر عندما أعلنت إيران خلال الأيام القليلة الماضية عن تطوير أسرع صاروخ تحت الماء في العالم وقامت بتجربته بنجاح في اليوم الثالث من مناورات عسكرية ضخمة على سواحل الخليج العربي وتحدث نائب القوات البحرية متباهياً بهذا الصاروخ حيث قال إن سرعة الصاروخ 360 كلم في الساعةquot; ويملك رأسا حربية قوية جداً بحيث يمكنه ضرب الغواصات، وحتى إذا اكتشفته السفن الحربية المعادية، فإنه لا يمكنها تفاديه بسبب سرعته الكبيرةquot;، ويأتي هذا التحدي بعد صدور قرار مجلس الأمن بشأن التعامل مع أزمة الملف الإيراني.

أما الأطراف غير الأساسية ولكنها فاعلة فتتمثل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أعلنت على لسان مديرها د. محمد البرادعي محذراً من تجاهل إيران لمطالبها، معتبرا أن مصداقية مسار التحقق من البرنامج النووي الإيراني في خطر. وإن العالم في غنى عن مواجهة جديدة، إلى أن إختتم حديثه قائلاً quot;إنني أرتعد لمجرد التفكير في النتائج التي قد تخلقها مواجهة، لذا على الناس أن يفكروا مليا قبل أن يدخلوا في مسار مواجهةquot;.


أما باقي الأطراف فلن نركز عليها كثيراً لأنها لن تؤثر على مجريات الأمور أو على النتائج الحتمية للمواجهة بكل أشكالها بين إيران من جهة وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى ونكاد نجزم أن إيران لم تستمع الى نصائح دول الجوار وقامت بإرتكاب خطأ خطير في الحسابات بعد قرارها استئناف أبحاثها في مجال الوقود النووي، وزادت الخطأ بخطأ أكبر عندما قامت بإجراء تجربة الصاروخ المائي، وأخشى ماأخشاه أن تتهم بحيازة أسلحة الدمار الشامل ويعود السيناريو الذي طبق على العراق ليتم تطبيقه على إيران ولهذا ينبغي على العقلاء أن ينزعوا فتيل الأزمة قبل أن تصبح المواجهة العسكرية حتمية.


مصطفى الغريب

شيكاغو