خلف علي خلف: quot;هناك من يستحضر الاوراحَ، أنا أستحضر الاجسادَ. لا أعرف روحي ولا أرواح الاخرين أعرف جسدي وأجسادهمquot; هكذا تبدأ رواية سلوى النعيمي quot;برهان العسلquot; الصادرة عن دار الريس 2007. وتظل الراوية مخلصة لهذه المقولة طوال الصفحات التي تسرد فيها حكايات مصاحبة لاستحضار الاجساد. والجسد الذي أريد له أن يكون البطل الاساسي للرواية ليس مهماً الروح التي ترتديه أويرتديها. إنهالجسد في علاقته مع المتعة. الجسد الذي تشكل علاقتنا به وعلاقته بنا وبالاخرين، وينسج حياة سرية موازية للحياة كما يرد في الرواية ( لاروح لي) انحفرت الجملة في راسي، وصارت حياتي تمر من خلالها. كنت أعرف أني جسدي فقطquot;.
بعد الانتهاء من قراءة الرواية سيستغرب المرء تصنيف هذه الرواية بالجنسية، سواء في علاقتها الرقابية (منعت في معرض مكتبة الاسد) أو فيما حكي عنها شفاها ممن قرؤوها. إلا إذا صنفت هكذا بناءا على الالفاظ الصريحة في الرواية لمسميات الاعضاء الجنسية والفعل الجنسي. فالرواية هي بحث في الجنس لدى العرب قديما وحديثا ونزوع الى المقارنة بين الجنس عند العرب قديما وحديثا وتمتلئ باستشهادات من كتب الجنس في التراث العربي ويشكل هذا الاستشهاد مقولة اساسية في الرواية إذ بمقارنته مع واقع الحال الآن تريد الكاتبة أن تقول انظروا كيف كان العرب لا يجدون حرجا في تناول هذا الأمر وكيف أصبح الامر الان، فقد كانت الالفاظ والمسميات والوصفات الطبية ووصف أوضاع quot;النكاحquot; شائعة ومتداولة بلفظ صريح لم يجد العرب حاجة الى تلطيفه كما فعلوا فيما بعد ليس في علاقتهم مع الجنس الان بل في علاقتهم مع هذه الكتب التي منعت واقصيت وحين طبع بعضها quot;لطفتquot; عنواوينها. بينما في واقعنا الحالي أصبح تداول هذا الامر سرياً، يشكل حياة موازية مكتومة، لا يباح بها، مثله مثل تداول هذه الكتب التي كانت مباحة، و تم إيجاد تسمية جامعة للالفاظ التي تتناول الشأن الجنسي هي quot;الكلمات الكبيرةquot;.
وتتنقل الكاتبة بين هذين العالمين في قراءة مقارنة هي كل ماتريد قوله الرواية. ومن خلال هذه المقارانات تسرد الرواية عالم الجنس المعاصر عربياً، وعلاقتنا به، تلك العلاقة التي أصبحت تقوم ليس فقط على السرية فقط بل على عدم المعرفة و الجهل باسرار quot;النيكquot; كما يرد اللفظ صريحاً في الرواية في أماكن متفرقة تارة مقتبساً من الكتب التراثية quot;الأيك في معرفة النيكquot; وquot;نواظر الأيك في نوادر النيكquot;، وتارة من مشفاهاتنا المعاصرة التي تدور في السر.

مقولة الرواية:
تتلخص مقولة الرواية في الاحتجاج على واقع الحال فيما يخص quot;المسألة الجنسيةquot; عربياً، وتناولها وتداولها وتعلمها، والجهل بتفاصيل الجسد وعلاقة الناس بحياتهم الجنسية التي أصبح يحيطها الجهل والانحطاطquot;لستُ وحدي في هذا الجهل. يبدو أنه منتشر في عصر الانحاط الجنسي الذي نعيشه الان. ما علي إلا أن اقرأ الاسئلة الجنسية في صحيفة إيلاف على الانترنت حتى أكتشف هذا البؤس الجنسي العربي المعمم. أتصور الطبيب المختص يشد شعره وهو يرد على القراء المحتارينquot;. ومقارنة هذا البؤس مع ما كان سائداً في الحياة العربية في العصور السابقة من خلال الكتب التراثية بما فيها النص الديني. وفي ثنايا هذه المقولة الرئيسية هناك مقولات فرعية حول العلاقة بين الحب والجسد، الحب والجنس، السرية التي تمارس فيها هذه الحياة والعلنية التي تتكتم على كل ما يخص هذا الامر...

حكاية الرواية:
الحكاية الكلية للرواية ضئيلة بل إنها الاقل تواجداً في الرواية ويمكن تلخيصها بإمرأة، تشغف بالاطلاع على التراث الجنسي العربي، منذ أن كانت طالبة، وتستمر هذه العلاقة لاحقاً، وتقودها الى الاطلاع على كل كتب الجنس في التراث العربي، وتشكل هذه العلاقة جانبا من حياتها السرية التي تكشف للعلن لاحقا ويصبح الامر طبيعيا quot;اهتماماتي بدأت تعلن عن نفسها أمام الاخرين، منهم (...) من زملائي من يعدها لعبة، ومنهم من يتصورها انحرافاًquot;. لكن الذي انكشف هو فقط علاقتها بهذه الكتب إذ ظلت حياتها الموازية وعلاقتها بالجنس عالما يخصها لا تبوح به لأحد حتى علاقتها مع quot;المفكرquot; الذي قسم حياتها الى ما قبله وما بعده، وهو الشخصية الرئيسية في الرواية إضافة الى البطلة، التي تعمل في مكتبة في باريس وتعيش هناك وتستحضر الشرق أما من خلال الذاكرة أو من خلال زيارتها المتقطعة له، ومن خلال هذا العيش ترد إيضاً مقارنات على هامش المقارنة الاساسية مع عالم الجنس في الغرب، تأتي في الغالب من خلال النصوص وليس من خلال الحياة إذ ظل عالم الرواية عربيا بامتياز، من خلال الشخوص العرب المهاجرين والمقيمين هناك، عندما لا يكون المكان عربياً.

في بنائية الرواية:
قسمت الرواية الى 11بابا على طريقة الكتب التراثية quot;باب أزواج المتعة وكتب الباه ndash; باب المفكر والتاريخ الشخصي ndash; باب الجنس والمدينة العربية ndash; باب الماء ndash; باب الحكايات ndash; باب المدلكة وزوجها الزاني ndash; باب شطحات الجسد ndash; باب زمن التقية في المجتمعات العربية ndash; باب اللسانيات ndash; باب التربية والتعليم ndash; باب الحيَلquot; وكل باب يتحدث عن عنوانه، وتقوم بنائية العمل على إدماج الاستشهادات من كتب التراث بحياة بطلة الرواية، ومن خلال النص سيتضح لنا أن كتب التراث هي المتن بينما الحياة المعاصرة التي تجري الان هي ما يشبه الهامش الذي تم ابتكاره لشرد مقولات هذه الكتب التراثية وتلخيصها واعلانها، بل إن الروائية تعلن على لسان بطلة الرواية في الباب الأخير أن quot;المفكر كان حيلة من حيل الكتابة وأنه لم يوجد أبداً، ولذلك كان لابد لي من أن أخترعهquot; وربما يجد القارئ أن هذه الحيلة التي كانت الرابط الاساسي لخيوط الرواية المتناثرة، لم تكن من القوة بحيث تشد quot;أبواب quot; الرواية، لتظل هذه الأبواب شبه منفصلة تدور حول يختزله العنوان من محتوى، وقد يجد البعض أن العمل لايشكل رواية بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هو أقرب للبحث، بل إن العمل على موضوعة الجنس بوصفه بحثاً هو متكأ أساسي للراوية، لتسرد جانباً سرياً من حياتها. إذ أن تكليفها في تقديم بحث عن الكتب الجنسية العربية المحظورة التي ذاعت علاقتها بها، لتقدمه على هامش معرض تحت عنوان quot;جهنم الكتبquot; سيقام في نيويورك وتم الغاؤه لاحقا بسبب الارهاب! اتخذ ذريعة لكتابة العمل. إلا أن هذه الذريعة تبدو واهية، ولا قيمة لها، ولاتشكل قيمة اقناعية للقارئ كمبرر للعمل بل إنها غير مؤثرة في سياق العمل، إلا من خلال الحديث عن الرقابة العربية على هذه الكتب.
وقد قام البناء السردي للعمل على لغة خفيفة معاشة تنحو في أغلب مفاصل الرواية الى لغة الحكاية، وتفترق عن هذا حينما يكون الحديث عن علاقة بطلة الرواية مع quot;المفكرquot; إذ تنحو حينها الى لغة دلالية أقرب الى لغة اليوميات التي يكتبها شعراء. ولاتشكل الشخصيات في هذه الرواية جزءاً من العمل بل إنها ترد لتؤكد المقولة التي تريد الروائية أن تؤكدها في كل فصل، وعندما تكون هذه المقولة لازمنية، أي لا تخص زمناً محددا ببداية ونهاية، لايغدو الزمن مهماً داخل العمل. إنه زمن عائم في الآن، زمن خارجي إذا جاز التعبير، وكذلك لايغدو مهما أن يكون للرواية حدثاً رئيساً، بل إنها تقوم على جعل الحكايات وما ترتبط به منquot; أحداثquot; شخصية، هي العمود الفقري لحدث الرواية.

لا تتعالى الرواية على الزمن الخارجي، أو الزمن المحيط، فهي رواية راهنة معاصرة، تورد داخل المتن علاقتنا مع العالم الراهن بتطوراته التقنية فتذكر الوسائط المعاصرة ودورها في ( تفعيل ) الحياة الجنسية إذ أن وسائط الـquot;إس إم إسquot; يتم من خلالها إرسال النكات الجنسية وتداولها، وكذلك البريد الالكتروني، وكذلك الصحف الالكترونية التي أتاحت كسر التابو، فترد صحيفة ايلاف من خلال طبيبها الذي يرد على الاسئلة الجنسية، وتذكره من خلال حديثه عن quot;شوربة الفياغراquot; التي ينصح بها ويعتبرها أهم منشطات الغلابى. وهي quot;اختراع مصري خالص وبراءة اختراعه محفوظة لمطاعم السمك وللبائعين المتجولين...quot;. هذه الفياغرا التي أنقذت الناس وأصبحت تصنف في خانة المساحيق لا الأدوية لأنها بيضت وجوههم!.. ولأهمية هذا الاختراع يجب ترشيح مخترعيها الى جائزة نوبل على ما يرد في الرواية. وكذلك تذكر في لمحة طريفة عن الفياغرا السورية التي تناولها فنان مصري quot;فانتفخ رأسه وبقي عضوه مرتخياً متهدلاً مدلدلاً. البنت التي كانت معه ارتعبت وهربتquot; وربما تكون هذه الجملة هي سبب منع الكتاب في معرض مكتبة الاسد لأنها تعرّض بصناعتنا الوطنية التي نشأت وترعرت في ظل الحزب القائد. والإشارة الى فسادها يمكن تأويلها كإشارة الى فساد النظام!