&

بقلم عون جابر&
& & حدث أن قرأت كتاب الشاعرة عناية جابر " لا أحد يضيع في بيروت "( إصدار الحركة الثقافية في لبنان _ بيروت) &بالتزامن مع قراءتي لـ " جورنال الشتاء" للكاتب والروائي الأميركي بول أوست ، وهذا التعليق يتناول المشترك بين الكتابين، في الأول نجد نصوصا ومقالات يطغى عليها الطابع الوجداني ،والثاني عبارة عن سيرة ذاتية بقالب روائي . وإذا كان العديد من الأدباء و كتاب الأعمال الروائية &والقصصية يقسمون جسومهم في جسوم أبطال رواياتهم وقصصهم الكثيرة فلكي &يعبروا عن تجاربهم، ربما لأهميتها أو لتمرير مواقف وقناعات ونتفٍ من سير ذاتية، خاصة أن أي شخص على دراية بيّنة بالنفس والذات أكثر من أي موضوع آخر، فبقدر ما تختزن الأنا من تجارب الدهر بقدر ما ينضح القلم بصروفه إذا أتيحت له الفرص.
& & & ما سبق لا ينطبق على العملينِ المذكورين. فالكاتب والروائي الأميركي بول أوستر في سيرته الذاتية "جورنال الشتاء"، اِستعاد سيرة جسده بتوثيق واضح منذ نعومة أظفارهِ وحتى بداية شيخوخته، وبصيغةِ المخاطب وبحماس رهيب للكتابة وللقص. كشف الستر عن سيرته الخاصة الحافلة بالوجع والفرح والنشوة والجنس &والحب والزواج &والمغامرة وعن آرائه وفلسفته بمواجهة الحياة بصراحة فائقة تؤكد المقولة التي تعتبر أنّ من "وظيفة المبدع أن يتحلى بالجرأة والشجاعة لقول ما لا يستطيع الآخرون قوله".
& & & &أما كتاب الشاعرة والكاتبة عناية جابر، " لا أحد يضيع في بيروت " فهو عبارة عن نصوص أدبية نثرية &وجدانية &متنوعة تغطي مناح متعددة في حياة الكاتبة اليومية. فبصيغة المتكلم عبرت الكاتبة &وعلقت وروت وعالجت بثقة موضوعاتها بحميمية وبجرأة من زاوية ذاتية. وبذلك تقاطعت نصوصها التي أماطت اللثام عن مكنونات داخلية، مع سيرة بول أوستر الذاتية، رغم أن النوع الأدبي لنصوص "لا أحد يضيع في بيروت "عصيّ على التصنيف، خاصة وأن الكتاب خال من أي تقديم أو تعليق من الناشر أو الكاتبة يشير لظروف كتابتها وتاريخها وإذا ما نشرت سابقا أم لا. ويمكن وصف تلك المقالات بأنها رد فعل الكاتبة حيال ما تقذفه الحياة اليومية تجاهها، وهذا يتطلب جرأة إضافيّة لموهبة الكتابة الإبداعية، وهذا ما تتحلّى به عناية جابر فنجحت بأسر القارئ لمشاركتها مغامرة تحويل &اكتشاف جوانب حياتية عادية لترسم بشكل غير مباشر الملامح الذاتية لشخصيتها. & & & & & &
& & &للوهلة الأولى يُذكِّر العنوان "لا أحد يضيع في بيروت" بعمل الراحل الأديب محمد عيتاني الجميل وقصصه في &" أشياء لا تموت" كونه عن بيروت ما قبل السبعينات، أما كتاب جابر فليس عن بيروت كمدينة منفصلة عن الكاتبة، بل عن عناية البيروتية ومواقفها ومشاعرها &وهويتها وردّ فعلها وبيروت كمكان هي الخلفية في معظم النصوص ومن إحداها كان العنوان. ذاتيّتها أصبحت &موضوع &عملها الإبداعي. وهذا ما يضاعف فضول القارئ كون التجربة الإنسانية خصوصاً للمبدعين والمشاهير تسترعي الانتباه.
& & & ما يجمع بين عمل أوستر وعناية هو اعتمادهما على حلْب الذاكرة واستحضار المشاعر. فإذا كان عمل بول أوستر سيرة ذاتية تنهل من معين لا ينضب من الذاكرة &(تبدو موثقة أماكن السكن)، فهو في حالة عناية بناء وبعث حياة في مواضيع قد تبدو "مطروحة على قارعة الطريق". وإذ يصبح الكاتب هو المتكلم والموضوع بنفس الوقت تسقط المسافة بينه وبين القارئ ولا يمكن النظر للنص من خارجه، فحوافز السرد والبوح بمكنونات شخصية ليس أكثر من الرغبة بالتواصل والمشاركة مع الذات أولا ثم مع القارئ &فالكتابة هي" توسلها لصحبة الغرباء"على حد قول عناية جابر....
& & & &كما حضرت نيويورك &بشكل دائم &في" جورنال الشتاء" كذلك كان حضور بيروت في نصوص عناية، &حتى الكتابة &عن مدن أخرى كباريس والقاهرة وبوسطن يمتّ بصلة إلى بيروت ورغم الاستفاضة في سبر غورها "فهذه ليست بيروت كلها &لكن لا أحد يضيع في بيروت". وإذ استنفذت عناية جابر الحديث عن الأمكنة فإنها تستعير من الزمان مكانا "أضع قدمي في أول النهار". بسحر &لغتها الثرية المسبوكة بجمال أخّاذ وتعابير واشتقاقات لاتخطر على بال، دون أن تبدو اللغة وكأنها استعراض يفيض عن حاجة الموضوع &"تلمظتك كشراب حلو" أو "أقيم اتصالا تخاطريا". وعناية الشاعرة وظفت خبرتها في خدمة النص الذي يحفل بصور وجمل &شعرية جميلة تزيد النصوص &صدقا وثراء وحيوية.&
& بعد الانتهاء من قراءة "لا أحد يضيع في بيروت" و"جورنال الشتاء" تذكرت قول ج. د. سالنجر في روايته &"الحارس في حقل الشوفان" "الكتب التي تثير اهتمامي هي تلك التي عندما أنتهي من قراءتها أرغب في أن يكون المؤلف صديقا عزيزا لي " أعتقد بأن تعداد الأصدقاء في العالم الواقعي لاحدود له.&
عون جابر، ديترويت
&