بعد تسع سنوات من الزواج .. تحولت زهرة التي كان يحسن رعايتها إلى مجرد شبح يمر بجانبه لا يشعر به ولا يؤذيه فلم يكن يشعر سوى بتلك النيران التي تشعلها فتاة المعلقة في شرفة المنزل المقابل لمنزل والده .
كان يسكن و زوجته وطفليه بمنزل والده منذ بداية زواجه , لقد كانت له حبيبه وسيدة وأم يدفئ بحنانها و أولاده , &قد اختارها قلبه الذي كان يهرب من صدره متبعاً سيرتها , كانت حلم الأمس وجنة الحاضر , حتى أشرقت شمس الصبية الصغيرة التي كانت تدخل منزلهم كزائرة مع والدتها و تسرق ما يمكن أن تسرق منه .. نظرة وابتسامة ومن ثم كلمات عذبة تبعتها مواعيد وهي اليوم تحاول أن توقعه بوعد يفي به أمام أهله .
في كل مرة كان لها ما تريد .. تطلب ويلبي طلبها بحب , تخرجه في منتصف الليل من بيته , تلتقي به وتخفي نفسها خلف صدره , فيخرج البطل الصغير الذي يريد أن يحقق أحلام حبيبته , تصب من شهدها في قلبه فيغرقها بكرمه , وإن غابت غاب معها حرصه على مشاعر أهل بيته يظل واقفاً بالشرفة ينتظر خروجها أو حتى أن يلمح طرف ثوبها , يتمنى أن تتعطف عليه برضاها وتحسن إليه ببضع كلمات تكون كالحلوى ملونة وشهية .
في عطلة نهاية الأسبوع كان يقف أمام المرآة ينظر إلى ملامحه ويعدها بأنها ستكون بعد ساعة أكثر راحة , وستخلق لها حبيبته الصغيرة ابتسامة تجعل منه رجلاً أوسم , كانت تلك المنسية والمهملة تنظر إليه وهو يختار عطره , تقدمت باتجاهه أمسكت زجاجة العطر من يده وأخذت تعطره بيدها , نظر إليها متعجباً من ذلك الهدوء الذي يطغي على ملامحها المتعبة ومن صوت قلبها المسموع و من ارتجاف يدها الذي بدا واضحاً , اقتربت من أذنه همست بها : " لا تخرج من هنا كرجل , وتعود كطفل يبحث عن أحضان والدته ليدفن نفسه بها ".
دفعها بقوة .. فقد كان يدفع سنواته معها باليد التي ضمها بها أول مرة &ليبقي على شهوته الزائلة التي قد تنطفئ في أي لحظة , تركها موجوعة على الأرض وعينيها غارقة بدم دموع الزوجة المجروحة , دخل عليها ملاكها الصغير ببجامته وعينيه التي تتشبث بيد النوم باحثاً عن مكان له في أحضانها , فلم تحتمل أن يرى دموعها لملمت جراحها وضمته إلى صدرها ثم حملته إلى فراشه , ودخلت معه تحت اللحاف تحتضنه ومستقبله بيد وباليد الأخرى تمسك بثوب النسيان .. نسيان رائحة الخيانة .. نسيان وجع ذلك الجرح الممتد نحو الأنوثة التي فطرت عليها .. نسيان الخطأ الذي يهدم بنيان كان يترفع مع سنوات عمرها وكان يقف على صحتها وصلابتها , فقد تستطيع المرأة أن تتجاهل أنوثتها ولكنها لا تستطيع أن تتخلى عن أمومتها .
خرجت الشمس من صدر البحر , عاد الطائر إلى عشه .. دخل يبحث في بيته عن مصدر الأمان ونبضه , وجدها بين طفليها لازالت تحفظ له كل جميل , دخل حجرته اغتسل من ذنبه , تغطى بلحافه .. ونسي ذلك السراب الذي ظل يتبعه طوال الليل .
&