إيلاف من بغداد: نعت نقابة الفنانين العراقيين ناهدة الرماح في مستشفى الكندي ببغداد عن 79 عاما ..بعد ايام من دخولها غرفة الانعاش اثر اصابتها بحروق بالماء الساخن، وتم مواراة جسدها الثرى في مقبرة الكرخ تنفيذا لقرار اسرتها.

وأكد نقيب الفنانين صباح المندلاوي ان الموت خطف يوم الاربعاء روح فنانة الشعب العراقي ناهدة الرماح عن عمر 79 عاما بسبب تعرضها الى مضاعفات حروق بالماء الساخن اثناء استحمامها قبل نحو اسبوعين، مشيرا الى ان رحيلها بهذا الشكل مؤلم ومؤثر .

كما نعاها الفنان غازي الكناني بكلمات مؤثرة ، وهو الذي حمل جثمانها من مستشفى الكندي الى الطب العدلي ومن ثم الى المقبرة، قال في نعيه: وداعا اختي وحبيبة قلبي..فنانة الشعب المظلوم الجريح..الصابر، وداعا ناهدة الرماح..ابنة العراق الحبيب، شلت يدي وانا اهيل التراب على جثمانك الطاهر ايتها الطاهرة والعفيفة، وداعا ايتها الراهبة وكاهنة المسرح العراقي..نهودة الغالية.

وتعد الفنانة ناهدة الرماح واحدة من الفنانات العراقيات الملتزمات التي حملت هموم الوطن والمواطن منذ ان اختارت بوعيها انتماءها المتميز إلى مدرسة المسرح في العراق (فرقة المسرح الفني الحديث) لتؤدي معها أول أدوارها الكبيرة شخصية (امرأة خرساء) في مسرحية (الرجل الذي تزوج امرأة خرساء) في العام 1957، الرحمه والنور لها ولكل مبدع فهم صنّاع الجمال

سيرتها الذاتية

الراحلة من مواليد 1938 واسمها الحقيقي ناهدة اسماعيل القريشي، دخلت الفن بعد مدة قصيرة من انتماء الفنانة آزادوهي صومائيل الى المسرح، وبالتحديد في عام 1956 عندما انتمت الى فرقة المسرح الحديث لتؤدي معها أول أدوارها الكبيرة لشخصية (امرأة خرساء) في مسرحية (الرجل الذي تزوج امرأة خرساء) في العام 1957من إخراج سامي عبد الحميد ، وهو العمل الأول الذي يخرجه سامي عبد الحميد، وقدمت المسرحية على قاعة مسرح الأمير عبد الله في الاعظمية، وكانت ناهده الرماح في تلك الفترة قد انتهت توا من تمثيل بطولة فيلم (من المسؤول) ، وكان تحت الانجاز والذي عرض فيما بعد في عام 1957 .

ناهدة الرماح ولجت مجال السينما أولا، كزميلتها زينب، قبل أن تصعدا خشبة المسرح . ودخلتا كلتيهما هذا المجال عن طريق إعلانات كانت منشورة من قبل الشركتين السينمائيتين في الجرائد تطلبان فيها وجوها نسائية جديدة للعمل في فيلمين هما: (من المسؤول) و (سعيد افندي) على التوالي. تقول (دخلت صدفة عن طريق شركة سومر مع المخرج عبد الجبار ولي لامثل مع في فيلم (من المسؤول) فمثلت بكل عفوية وبساطة فسمعت الكثير من كلمات الاطراء لكني لم اكن مقتنعة بما اؤديه وكنت اظن مع نفسي باني لا احسن التمثيل).

ساعدها في دخول مجال الفن زوجها شوكت الرماح فضلا عن والدتها. وكان زوج ناهدة الرماح يرافقها في التمارين ، وأحيانا والدتها المساندة الثانية لها في العائلة وظهرت في الفيلم أيضا ببعض اللقطات كنوع من تضامن قوي معلن من أم تؤيد وتزكي خطوات ابنتها في الحقل الفني. 

وقالت الرماح في إحد لقاءاتها الصحفية (لم أكن أفكر مطلقا أن أغدو ممثلة ، ففي مطلع الخمسينيات لم تكن هناك حركه فنية، والدخول إلى مضمار الفن كان يعتبر عارا وإساءة اجتماعية بالغة ، لكني بدأت أتغير ونما عندي حب الفن تدريجيا من خلال مشاهداتي للأفلام السينمائية التي كانت تعرض في دور السينما آنذاك ، واختلاطي بالوسط الفني من خلال حضور متفاوت لتمارين فرقة المسرح الشعبي ، ومعهد الفنون الجميلة ، بمعية السيدة ليلى العبيدي ، سحرت بعالم الفن وأنشددت إليه بقوه غريبة).

لكن الرماح وان كانت تعترف بخجلها انذاك الا انها صممت على أن تكون ممثلة ، خاصة مع رأي الفنان الكبير بدري حسون فريد فيها انها (لن تصبح ممثلة طوال حياتها)، هذا اعتبرته تحديا ما جعلها تعزز من ثقتها بنفسها ومن ثقافتها العامة و الفنية بالقراءة لكل ما كان متاحا آنذاك من مجلات وصحف ، وتعلمت فنون المسرح على أصوله ( كما تقول ) على يد أساتذتها الأوائل في الفرقة ، ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد ويوسف العاني، وفي الفرقة بدأت تدرس وتتعلم قواعد اللغة العربية وسلامة النطق بمساعدة زميلتها ( زينب ) التي كانت مدرسه للغة العربية والزملاء الآخرين المجيدين في اللغة العربية. 

نشأت ناهده الرماح في بيت ، كان شقيقها ناشطا سياسيا ، تقول (نشأت في أسرة سياسية، وعيت وأنا اسمع كلمات مثل الحرية والدكتاتورية والسلام والاستعمار، ومنذ طفولتي تجولت بين السجون والمعتقلات في الكوت وبعقوبة والموقف العام ونقرة السلمان وسجن النساء) كما تعرضت للاعتقال من قبل الحرس القومي بعد انقلاب 1963، وفصلت من وظيفتها التي كانت تشغلها في احد البنوك ، لكنها ظلت متعلقة بالمسرح الذي سرعان ما عادت إليه بعد إعادة تشكيل ( فرقة المسرح الفني الحديث) ، وأعيد تعيينها بعد عام 1968 كموظفه في مصلحة السينما والمسرح بعد ان شملها أيضا قرار إعادة المفصولين السياسيين إلى وظائفهم الذي صدر من الدولة آنذاك.

أصيبت بتلف في شبكية العين أثناء أدائها دور (زنوبة) في مسرحية القربان ،إعداد ياسين النصير عن رواية لغائب طعمه فرمان ، إخراج فاروق فياض عام 1976 ، وفقدت بصرها تماما في المشهد الاخير من المسرحية حيث تذكر جملة "صرت فانوس لكل اللي يعرسون"، وأرسلت الى خارج العراق للعلاج فورا ، وخضعت لعدد من عمليات ترقيع الشبكية ، ثم عادت الى بغداد ، وعلى لسانها تقول (أثناء وصولي إلى بغداد كان هناك استقبال جماهيري لايمكن وصفه، رميّت عليّ الحلوى والورود والموسيقى الشعبية، ونحرت الذبائح، لا أنسى ذلك الموقف أبداً لا أنا ولا جمهوري أيضاً) .

لكن ناهدة الرماح قررت مغادرة العراق ، وعن هذا تقول : في عام 1979، في بداية الشهر الأول بالتحديد، تركت أرض الوطن مجبرة بقلب مجروح وعين دامعة، بعد أن تعرضت إلى مضايقات كثيرة.. حاولوا قتلي وقتل إبني، وتعرضت إلى محاولات ومضايقات نفسية منها محاولة إبعادي عن جمهوري، لكني حافظت على مبادئي ولم أتنازل عنها أبداً، وقد منعوني حتى من دخول دار الإذاعة والتلفزيون بعد أن تجاهلت صدام حسين أثناء حضوره في الإذاعة والتلفزيون وشاهدته وجهاً لوجه ولم أسلم عليه ولم أنظر حتى في وجهه فأثرت جنونهم. على اثر هذا اضطرت الى اللجوء في بريطانيا بمعية كافة أفراد أسرتها بعد تنقل وتشتت بين لبنان وسوريا ودول اشتراكية سابقه وأوربا .

بعد عام 2003 شعرت بحنين العودة الى العراق التي طالما حلمت به ديمقراطيا جميلا امينا، وحين عادت اليه عام 2009 وحاول الفنان سامي قفطان اعادتها الى خشبة المسرح من خلال مسرحية (صوت وصورة) تأليفه واخراجه واستعرض العمل اهم المحطات المسرحية التي جسدتها (ناهدة الرماح) خلال مشورها الفني، لحظتها قالت الرماح (لقد رأيت الليلة الذين حضروا الى المسرح وتعرفت على وجوههم واحدا واحدا. واضافت: لم احس رغم سنوات الغياب الطويلة باني بعيدة عن الناس وعلى الخشبة التي اعطيتها عيوني). كما شاركت ايضا في المسلسل التلفزيوني (الباشا)، للمخرج فارس طعمة التميمي.

أهم أعمالها في فرقة المسرح الحديث والتي يتذكرها فيه جمهورها (آني أمك يا شاكر) و(الخال فانيا)، (مسألة شرف)، (النخلة والجيران)، (الخرابة)، (المفتاح)، (القربان)، (الصوت الإنساني) وأعمال عديدة أخرى. اما أشهر الأفلام التي اشتغلت فيها (من المسئول) و( الظامئون) و(يوم اخر)، وحصلت خلال مسيرتها الفنية في المسرح على عدد من الجوائز لنشاطها الإبداعي في المسرح ، وجوائز تقديرية عديدة.

الفنانة الرماح سجلت مذكراتها على مجموعة من الأشرطة، وعنها تقول (لو خرجت هذه المذكرات إلى النور فلن تكون مذكرات فنية فقط بل هي تاريخ الحركة الفنية والسياسة في العراق) .