ها هو الشاعر الجواهري يعود في ذكرى رحيله العشرين ليقف عند ابواب قلوب الكثيرين الذين يعشقونه ويترنم لهم بأجمل قصائده فيما هم يستذكرونه من جميع جهاته عبر سنوات عمره التي قاربت المئة عام والتي كانت مفعمة بالاحداث والشعر والنثر والحوارات والحكايات الكثيرة التي كانت له مع الادباء والمثقفين والصحفيين من مختلف دول العالم ، لاسيما انه صار &نقيبا للصحفيين العراقيين في اول تأسيس للنقابة عام 1958 مثلما كان اول رئيس لاتحاد الادباء ،كأنه يأتي من عالمه البعيد محملا بكل تلك الاشياء والسنوات الطويلة من عمره الادبي والصحافي ويطلع الناس عليه في المناسبة التي يستذكره الاحباء فيها ، فيمر على المدن يحييها بشاعريته وروحه الجميلة و(عرقجينه) الملونة المميزة على رأسه ، ويمر على بغداد خاصة مارا في شوارعها وعابرا على جسورها ومتغزلا بالماء والقوارب ومتأملا وجوه الناس كأنه يعرفهم جميعا ويقف عند نهر دجلة كأن الحنين يعاوده اليه فنسمعه يردد: )يادجلة الخير يا نبعاً أفارقه ،على الكراهةِ بين الحِينِ والحينِ/ إني وردتُ عُيون الماءِ صافية، نَبعا فنبعاً فما كانت لتَرْويني) ، فيأخذ من دجلة ما يتمنى لكنه لم يشبع من مودتها ، فلا يشيح ببصره عنها ، على الرغم من انه يعلم ان المؤسسات الثقافية والادبية العراقية لم تعد تهتم كثيرا بذكراه (ولادة ووفاة) ذلك الاهتمام الذي كان بعد عام 2003 حيث اقيم له مهرجان شعري (قيل انه سنوي) لكنه توقف بعد عدة دورات لاسباب قيل تارة انها (مالية) وتارة اخرى (صيفية حارة) ومن ثم استبدل بمهرجان شبابي اطلق عليه (جواهريون) لكن الجواهري لم يشعر بالحزن لانه يعيش غربة اخرى حتى وان عاين التمثال البائس الذي قيل انه له فلم يجد اي شيء من جسده وروحه فيه بقدر ما رأى غربة اخرى تحيط به .
&
& & &عشرون عاما مرت.. على رحيل شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري ، الذي توفي في إحدى مشافي العاصمة السورية دمشق صبيحة يوم 27 يوليو (تموز) سنة 1997 عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، ونظم له تشييع رسمي وشعبي مهيب، شارك فيه أغلب أركان القيادة السورية،ودفن في مقبرة الغرباء في السيدة زينب في ضواحي دمشق، تغطيه خارطة العراق المنحوتة على حجر الكرانيت، وكلمات: (محمد مهدي الجواهري يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير) ، فيما كان الصمت الاعلامي يخيّم على العراق &، فقد حجبت الحكومة الخبر أعلامياً ولم يذع له اي نعي رسمي في الاذاعة أو التلفزيون، ولم يتمكن احد من يضع لافتة تنعاه ، وبعد عام 2003 كان اسم الجواهري يمشي بقامته المديدة في شوارع بغداد والمحافظات وتقام له الاحتفالات والاحتفاءات .
&
سيرة ذاتية مختصرة&
& & ومحمد مهدي الجواهري شاعر واديب عراقي ولد في النجف في السادس والعشرين من تموز / يوليو عام 1899م ،تحدّر من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم والأدب والشعر تُعرف بآل الجواهر، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والذي ألّف كتاباً في الفقه واسم الكتاب «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام». وكان لهذه الأسرة، كما لباقي الأسر الكبيرة في النجف مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية ، فيما كان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف، أراد لابنه الذي بدت عليه ميزات الذكاء والمقدرة على الحفظ أن يكون عالماً، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة، وهو القائل عن بيئة مدينته (بيئة مميزة في النجف. بيئة قاعدتها ترتكز على نقطتين أساسيتين هما: الدين والأدب. وإذا أردنا التفصيل لقلنا الدين لكونها – كما أشرت – مركزا دينيا يؤمه المسلمون، وبعضهم يبقى مددا طويلة ليحاور الإمام علي رضي الله عنه. وقد كان للأئمة من رجال الدين الكلمة الفصل، حتى في السياسة. وليس في العراق فحسب، بل خارجه أيضًا. وكانت كلمة من السيد أبو الحسن أو الشيخ النايني تشعل ثورة إذا شاء ذلك).&
نظم الشعر في سن مبكرة‏ وأظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر،‏ ولقد كان في أول حياته يرتدي لباس رجال الدين، واشترك في ثورة العشرين عام 1920 ضد السلطات البريطانية، وصدر له ديوان «بين الشعور والعاطفة» عام 1928م. وكانت مجموعته الشعرية الأولى قد أعدت منذ عام 1924م لتُنشر تحت عنوان «خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح». ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الملكي وراح يعمل في الصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة (الفرات) وجريدة (الانقلاب) ثم جريدة (الرأي العام) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين.
ولانه كان من المؤيدين المتحمسين لثورة 14 تموز 1958 وقيام الجمهورية العراقية لقب بـ«شاعر الجمهورية» وكان في السنتين الأوليتين من عمر الجمهورية من المقربين لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، ولكن هذه العلاقة انقلبت فيما بعد إلى تصادم وقطيعة، واجه الجواهري خلالها مضايقات مختلفة، فغادر العراق عام 1961 إلى لبنان، ومن هناك استقر في براغ سبع سنوات، وصدر له فيها في عام 1965م، ديوان جديد سمّاه «بريد الغربة»، عاد إلى العراق في نهاية عام 1968 بدعوة رسمية من الحكومة العراقية، بعد أن أعادت له الجنسية العراقية، في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس. تنقل بين سوريا، مصر، المغرب، والأردن، ولكنه استقر في دمشق بسوريا ونزل في ضيافة الرئيس حافظ الأسد، وكرمه الرئيس الأسد بمنحه أعلى وسام في البلاد، وقصيدة الشاعر الجواهري «دمشق جبهة المجد» يعتبر ذروة من ذرا شعره ومن أفضل قصائده.
غادر العراق آخر مرة، ومن دون عودة، في أوائل عام 1980، ‏تجول في عدة دول ولكن كانت اقامته الدائمة في دمشق التي امضى فيها بقية حياته ومن ثم مات فبها ودفن في احدى مقابرها .
&
مبدعون وكتاب ومثقفون عن السنوية العشرين لرحيل الجواهري
&
& & & وبهذه المناسبة تحدث العديد من المبدعين والمثقفين والاكاديميين، وفي التالي مقتطفات ومؤشرات موجزة، مما ادلوا به :
&
-الاستاذ الجامعي، د. اثير محمد شهاب:" الجواهري اسم مستقر في الذات والوجدان الجمعي العربي والعلمي، قدم للقصيدة العربية الكثير من الامتيازات التي أصبحت قاعدة للكتابة الشعرية، وهذا ما يؤشر طبيعة واهمية الجواهري في الشعرية العربية.."
-الشاعرة بلقيس حسن، كتبت قصيدة طويلة بالمناسبة ومن ابياتها:
" ملأنا صفحة الأيام حزناً وماعدنا نهم &الكون طرّا&
فلا بذرا غرسناه حصدنا ولا جمراً نفخناه فأورى&
أبا الشعراء هانت في بلادي مطامحنا وصارَ العيش مرّا&
وقوفاً للخلودِ رحلتَ لكنْ حفظنا منك في الأشعار فكرا"
-الباحث د.جمال العتابي،: ".. ما زلت أعيش تلك اللحظات والأيام التي تلقينا فيها نبأ وفاة الجواهري ، الخبر بالنسبة لنا أشبه بالمتنفس من ضغوط النظام ، لم يكن الحدث بمعنى الغياب ، بل كان بحثاً عن لغة تعبير جديدة ، في مرحلة تاريخية عاصفة من تاريخ العراق ..".
-الناقد حسان الحديثي: "الجواهري هو الشاعر والأديب الذي ظل يرمِقُ المعاني بإسجاح ولطف وترمقه بالف طرف فادرك دون مبالغة ولا تكلف انه شاعرٌ ولقد ولد كي يكون شاعراً ، وقدره ان يكون شاعراً حتى جلس على عرش الشعر فلقب عن جدارة بـ "شاعر العرب الأكبر".
-الموسيقار د.حميد البصري: "كوني ملحنا لمؤلفات شعراء عديدين، كنت محجما عن تلحين شعر الجواهري &لفترة طويلة، لا لشيء الا لقلقي وخوفي من ان يكون اللحن ادنى من مستوى الشعر . لكنني تجرأت في البداية الى استخدام احدى قصائده في المقام العراقي..".
-الكاتب رواء الجصاني: إذا ما كانت ملحمة - اسطورة كلكامش، السومرية الغارقة في العراقة، وحتى اربعة الاف عام، قد تحدثت عن الخلود والموت، هاهو الجواهري يجسد الامر حداثياً، وواقعياً، فراح يَخلـدُ، وإن رحلَ، وعن طريق اخرى، هي الفكر والشعر والابداع..".
-الشاعر رياض النعماني: " الجواهري &لم يهدئ يوما ولم يستكن ولم يجد راحة إلا في عرام لهب سوح المعارك التاريخية الكبرى ، والا في قيامة شعبه ووطنه ... اذا اردنا ان نقرئ تاريخ العراق ومآثرة ومجد أبنائه، لنقرأ ابي فرات"&
- الباحث د. سعد عبد الرزاق حسين : "بالمناسبة &فأن شخصية الجواهري ابعد ماتكون عن الفئوية او الطائفية، انه وطني عراقي بحق، لا يميز الناس على اساس خلفياتهم الدينية او المحلية او غيرها، بل ربما يصح القول عنه بأنه كان اممياً".
-الباحث د.صباح الشاهر: " كنت وما زلت أتهيب الكتابة عن شعر الجواهري، فشعره جبل سامق يصعب إرتقاءه، لكنني أود أن اشير إلى أن الجواهري ظاهرة شعرية عربية فذه يستعصي على التأطير الأكاديمي، هو المدارس الشعرية كلها ، ويخطيء من يحشر شعره في مدرسة أدبية ، ويخطيء أكثر ذاك الذي يصنفه كشاعر كلاسيكي إحتكاماً لعمود الشعر...".
-الكاتب عبد الاله النعيمي: "بعد عشرين عاماً على رحيل &آخر العظماء ، كما سماه الفنان الرائد محمود صبري ، ما أحوج العراق اليوم الى الجواهري الذي لم يعترف بانتماء سوى الانتماء الى الأسرة الانسانية".
-الباحث د.عبد الحسين شعبان: " ..حتى ما أنتجه الجواهري من روائع في المهجر، فقد كانت نكهته محلية وعراقية وعربية بامتياز، ومن يقرأ قصائد ديوانه " بريد الغربة" وقبل ذلك قصيدته الشهيرة "يا دجلة الخير" وغيرها يتأكد من أن الغربة رغم لواعجها لم تترك مثل ذلك التأثير على لغته وقصيدته وفكره".
-الباحث د.عبد الحميد برتو: "مضى عشرون عاماً على رحيل الجواهري الكبير، ولم تُغيّر تلك الأعوام شيئاً، لا من صورته أو موقعه، ولا من معاركه، ولا من نبوآته وتقديراته. وكذلك الحال في ما يخص قراءاته لواقع بلاده وأمته، ولا من رؤيته لطريق خلاصهما من العبودية الرعناء، نحو شامخات الذُرًى".
-الكاتب ليث الحمداني: " على مدى سنوات عمره الحافل بالعطاء وحب العراق والمنفى كانت قصائد الجواهري الخالد تخترق كل الاسوار والقيود التي يصنعها الحكام لتستقر كلماته في عقول وقلوب العراقيين الذين احبوه فتحيي في مشاعرهم المصادرة: الامل، الحب، والثورة".
-الكاتب، محمد كامل عارف: " أتذكر اني كتبت قبل نحو اربعين عاما " لعلّ اكبر عيب في جيل الادباء الحالي، انه لم يتتلمذ كما ينبغي في مدرسة الجواهري. لقد جعلوا منه (عنتيكة) .. (أسطورة).. احالوه الى القرون الغابرة وارتاحوا منه، بينما هو (معلّم) جدير بنا. نحن لسنا جديرون به".
-الكاتب مفيد الجزائري : " نحن الجيل &الذي عاصرناه وقاسمناه معاناة السنين الطويلة السالفة، والذين عبّر في شعره عن احاسيسهم وأمانيهم واستنهض عزائمهم فتأثروا به عميقا، ما زال حيا فاعلا في واقع مجتمعنا..".
-الباحث د. موفق فتوحي:" كان الجواهري اضافة لكونه شاعرا فذاً، وطنيا كبيرا، مساندا لقوى الخير والتقدم والتنوير. لقد خلد بقصائده العراق الحبيب، ولعل عصماءه " يا دجلة الخير" تكفي لتؤشر بعض وطنياته".
&
&