عامر الحنتولي- إيلاف: عبثا حاولت طواقم حكومية كويتية بإيعاز من جهات عليا كبح جماح الإنفلات المدوي في أسعار المواد الغذائية الأساسية على أبواب شهر رمضان الفضيل، وسط شكاوى مريرة لآلاف الأسر الكويتية والعربية المقيمة في الكويت من الإرتفاع الجنوني والحاد في أسعار المواد الغذائية، في ظل إتهامات تطال كبار التجار حول احتكار العديد من السلع الغذائية المهمة، وتخزينها بعيدا عن الأعين الرقابية الحكومية تمهيدا لطرحها في السوق بأسعار عالية جدا خلال شهر رمضان، من دون أن تكون للمستهلك أي بدائل أخرى تمكنه من تجنب الإقبال على تلك السلع الأساسية، خصوصا وأن معظم الشعوب العربية تعرف بنهمها الغذائي خلال شهر الصوم، وهو ما يتسبب باستنزاف الدخل سريعا لأرباب تلك الأسر، لكن في الأعوام الأخيرة جاء الغلاء ليضاعف الأعباء المالية لهذا الشهر الفضيل الذي ينطلق يوم الجمعة المقبل في أغلب الأقطار الإسلامية حول العالم. وتأتي هذه الأوضاع لتشكل ظاهرة سنوية تستفحل فصولا في السنوات الخمس الأخيرة تغضب المواطن المستهلك، وتستنفر الحكومة التي تحاول جهد استطاعتها للجم الإرتفاع الحاد في الأسعار، خصوصا وأن الحكومة الكويتية دأبت في عدم التورط في التدخل بحرية السوق الإقتصادية الداخلية، وسط دعوات جادة للحكومة بقيادة السوق أقله خلال شهر رمضان المبارك للجم جشع التجار، وشهوتهم الى الإثراء السريع من خلال مزاجيتهم في فرض أسعارهم الخاصة على المراكز التجارية، التي تقوم بدورها بتعديل الأسعار لاحتساب هامش ربحها، وهي إرتفاعات يتكفل بها المستهلك في نهاية المطاف، لكن خبراء في الإقتصاد الكويتي ينحون باللائمة على الدور المتقاعس للحكومة الكويتية، وعدم قدرتها على التحرك ضد طبقة التجار الذين ينتمون الى أكبر العائلات الإقتصادية الثرية المعروفة بتحالفها التاريخي مع الحكومة منذ عقود عدة، فيما يتوقعون أيضا أن تتصاعد تلك الظاهرة السنوية الى آفاق أكثر خطورة خلال المرحلة المقبلة خصوصا مع وطأة أزمة المال العالمية التي تسببت بخسائر فادحة جدا لعشرات الكيانات الإقتصادية الكويتية.


يقول مجحم المطيري صاحب إحدى الشركات الكويتية للإستيراد والتصدير المتخصصة في إستيراد السلع الغذائية الأساسية: quot; طبقة التجار ورجال الأعمال مستهدفة النقد دائما في الأسابيع القليلة التي تسبق الشهر الفضيل بسبب الإرتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، مع إغفال حقيقة إقتصادية مهمة تؤكد أن هذه الإرتفاعات هي عالمية الطابع... دول كثيرة حول العالم بدأت وضع ضرائب خاصة ورسوم على تصدير بضائعها، وبالتالي نحن كطبقة تجارية مستوردة في الكويت نخضع لتلك الإرتفاعات، وبالتالي لا يمكن أن نبيع هذه البضائع هنا في السوق المحلية بخسارة، أو بسعر التكلفة، وعلى المستهلك أن يعي أن هذه الإرتفاعات هي عالمية ويمكن متابعتها مباشرة على المواقع الإلكترونية للشركات التي تنتج السلع الغذائية... وهناك حقيقة عالمية أخرى أننا في الكويت شعب مستهلك جدا ولنا عادات إستهلاكية خصوصية في شهر الصوم وهو ما يكرس قاعدة العرض والطلب بمعنى أنه كلما زاد الطلب على سلعة ما ارتفع سعرها تلقائيا بسبب تهافت المراكز التجارية على توفيرها لعملائه، لكن يبقى الثابت في حقل الإستيراد والتصدير أن الشركات العالمية المنتجة للسلع الغذائية في بعض الأوقات من العام تلزم المستورد بكوتا تصدير ثابتة بسبب عدم قدرة مصانعها على تلبية جميع طلبات التصدير من جميع أنحاء العالمquot;.


الخبير في الشؤون الإستهلاكية عيسى الشعيبي يقول لـquot;إيلافquot;: quot; نفهم جيدا إرتفاع بعض الأسعار عالميا بالنسبة إلى البضائع المستوردة، والمستهلك عموما يتابع ذلك من خلال وسائل الإعلام، لكن لا نفهم أبدا كيف أن سلعة غذائية مصنعة محليا هنا في الكويت ترتفع أسعارها، فإذا كانت الحجة أن هنالك تهافتا على سلعة ما وطلبا قويا عليها، فهذا يلزم الشركات المحلية بالإستعداد جيدا للشهر الفضيل من خلال توفير جميع منتجاتها بالسوق بكميات كبيرة جدا تبقي سعرها ثابتا مهما زاد الطلب عليها، لأن شهر رمضان موعده سنويا ثابت تقريبا وعلى تلك الشركات عدم الضحك على المستهلك سنويا بأكذوبة العرض والطلب، فهذه القاعدة الإقتصادية العالمية معناها أن يزداد الطلب فجأة ومن دون مقدمات على سلعة ما، ما يؤدي الى فقدانها وإرتفاع أسعارها، لكن جميع الشركات الكويتية تعرف موعد شهر رمضان المبارك، وبالتالي لاعذر بحكاية الإرتفاع الجنوني لأسعار منتجاتهم في السوق الكويتيةquot;.


عذاري الظفيري (موظفة في وزارة المالية) تقول لـquot;إيلافquot;: ذهبت الى مركز مشهور جدا للتسوق الأسبوع الماضي في منطقة السالمية فلم أتمكن من التسوق بسبب الإزدحام الشديد والفوضى التي فاقت قدرة القائمين على المركز في ضبط الأمور، وتسهيل مهمة الزبائن، ورأيت بعيني مشاهد مخجلة جدا، ومعيبة من قبل مواطنين ومقيمين من سلوكيات شرائية ضارة... يشترون وكأنهم يستعدون لحرب طويلة جدا تستدعي تخزين المواد الغذائية الأساسية لأشهر عدة... تخيل في إحدى عربات التسوق وجدت مقيمة وقد وضعت بها 6 علب حلاوة طحينية... كما أن مواطنة أخرى اشترت أكثر من عشرة ألواح من مادة قمر الدين (مشمش مجفف)... فعلا كأننا بحرب... كل ذلك بالطبع بسبب قرب شهر رمضان، علما أن جميع البيوت في الكويت بما فيها الآن قادرة على إنهاء شهر رمضان بأقل السلع الأساسية الغذائية... لكن ما يحدث هو تواطؤ بين المستهلك والتاجر من دون أي رابط بينهما فالمستهلك يسهل جشع التاجر من دون أن يدري، وكلما زاد الإستهلاك زاد إرتفاع الأسعار لتصل الى حدود قياسية لم تعرفها السوق الكويتية من قبل.