السعودية توقف التنقل بالهوية الوطنية مع الإمارات

إيلاف من الرياض:كانت حالة من السكون وموجات صمت مطبقة مع تفاصيل خطوط قد تكون بعثت عصرًا جديدًا من المجهول لتنبش قبور 30 عامًا مضت كانت قد دفنت في ثرى خليج واحد، تلك الخطوط تبقى لبعضهم مجرد مرسمة لتاريخ يرى أنه حق له ولبعضهم الآخر حق سلم به الاثنان فلماذا الآن؟

السعودية الطرف الأكبر في القضية قررت أن تتعامل بحزم في ما يتعلق بقضية الحدود بينهما وبين الإمارات، بعد أن اتخذت قرارًا بوقف تنقل مواطنيها إلى الأمارات عبر البطاقة الشخصية (الهوية الوطنية). وهو ما يعكس حالة توتر واضحة بين البلدين. فمدير عام الجوازات السعودية اللواء سالم بن محمد البليهد أكد توقف العمل بآلية تنفيذ التنقل بالهوية الوطنية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بموجب المادة الرابعة من البيان المشترك الصادر عن وزارتي الداخلية في البلدين بتاريخ 14 / 4 / 1428هـ، والمتعلق بآلية تنفيذ التنقل ببطاقة الهوية الوطنية لمواطني البلدين، عبر المنافذ الرسمية للبلدين، والذي أعطى الحق لأي من البلدين إنهاء العمل بهذه الآلية بإشعار الطرف الآخر؛ ويسري الانتهاء بعد انقضاء تسعين يومًا من تاريخ الإشعار.

وبيّن اللواء البليهد أن السبب في اتخاذ هذا الإجراء يعود إلى أن الخارطة التي تظهر على الهوية الوطنية لمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة لا تتفق مع اتفاقية تعيين الحدود بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة المبرمة بتاريخ 3 / 8 / 1394هـ، الموافق 21 / 8 / 1974م.
وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط بين أهم بلدين اقتصاديين في المنطقة، إلا أن قضية الحدود كانت دومًا محور جدل وخلاف دائم، على الرغم من حل جزء منها في سبعينات القرن الماضي.
السعودية اعتقدت من جانبها أن هذه المشكلة قد حسمت تمامًا، بعد الاتفاقات الأخيرة بين البلدين، اثر زيارة قام بها الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني، وزير الداخلية السعودي ، ورجل القرار المهم أمنيًا في المملكة، عام 2005م، لدولة الإمارات، وكانت نتائجها مثمرة من الجانبين.
ويرى مراقبون أن هناك مشكلة مزمنة بين الرياض وأبو ظبي، تمتد جذورها لأكثر من ثلاثين عامًا تتمثل في مطالبة الإمارات بنصيب اكبر في حقل الشيبة النفطي الواقع على الحدود بين البلدين، وينتج حوالى نصف مليون برميل من النفط يوميًا، إضافة إلى مطالبها بالشريط الساحلي المقابل له (منطقة العيديد) الذي تعتبره الإمارات تابعًا لها، وبلغ الخلاف حول هذا الشريط ذروته عندما عارضت الحكومة السعودية بناء جسر بحري يربط الإمارات بدولة قطر ويمر فوق المياه الإقليمية لهذا الشريط.
ومن المهم التذكير بأن المملكة العربية السعودية ما زالت تحرص على بناء علاقات جيدة مع جيرانها ومع كافة أفراد الأسرة الدولية؛ وذلك سعيًا منها لخلق ظروف مناسبة للتعاون وتعزيز فرص الأمن والاستقرار، ليس في المنطقة العربية فحسب، وإنما في مختلف أنحاء العالم.
وإذا كانت الحدود الإقليمية للدول حديثة الاستقـلال قد احتلت مكانًا بارزًا وأصبحت الشغل الشاغل لجميع القيادات السياسية في هذه الدول، فإن الإرث الاستعماري الذي هيمن على العديد من دول المنطقة لفترة طويلة قد ساهم بدوره في خلق منــاخ مضطرب وزرع بعض الألغام السياسية والأمنية بين تلك الدول وساعد على تشجيع الصراعات والنزاعات الحدودية ووضع قضايا السيادة والمصالح المتداخلة في موقف حرج ومتأزم لفترات طويلة.
ومع أن المملكة العربية السعودية كانت بزعامة قائدها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود-يرحمه الله- قد حققت استقلالها الكامل ووحدة أراضيها الشاسعة في عام 1932م من دون أن تخضع لأي نوع من أنواع الاستعمار الذي شهدته بعض الأقطار المجاورة، إلا أنها شهدت وعاشت بعض النزاعات الحدودية مع دول الجوار بسبب الغموض في ترسيم الحدود وتعيين مواقع السيادة البرية والبحرية وبعض القضايا الأخرى المتعلقة بتبعية القبائل وتنظيم حركة تنقلها والطرق التي يجب اتباعها في التعامل التجاري وقضايا الجمارك وغيرها من المسائل التي كان لموضوع الحدود أثر بارز في التحكم في مساراتها واختيار الأساليب المناسبة لحلها.
ومن خلال الجهود الحثيثة لحل الخلافات الحدودية بين المملكة العربية السعودية ودول الجوار اتضح أن هناك تداخلاً بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية لهذه الخلافات، كما أنه لم يكن بالأمر المستغرب أن تتدخل بعض القوى الأجنبية في توجيه هذه الخلافات، والتأثير في مساراتها وخاصة بريطانيا التي كانت تستعمر أو تسيطر على العديد من الدول المجاورة للمملكة.
ولا شك في أن اهتمام المملكة العربية السعودية بحل النزاعات والخلافات الحدودية مع دول الجوار كان ينبع بالأساس من حرصها الشديد على ترسيخ مبدأ السيادة وفقًا لقواعد القانون الدولي وتعزيز فرص الأمن والاستقرار في المنطقة وخلق ظروف ملائمة لاستثمار الموارد المتاحة وإبعاد جميع أشكال التدخل الأجنبي ودعم التوجهات السلمية لحل الخلافات بالطرق الودية والأخوية.
وكانت اتفاقيات مبدئية تم توقيعها بين المملكة ودول الجوار، ومن ضمنها اتفاقيات الحدود السعودية مع دولة الإمارات العربية المتحدة. من العرض السابق يتضح أن النزاع السعودي البريطاني في منطقة الخليج العربي قد انحصر في معظمه في الحدود الشرقية والشرقية الجنوبية لشبه الجزيرة العربية حيث توجد منابع النفط وحيث تتضارب المصالح المتنامية لشركات النفط البريطانية والأميركية في هذه المنطقة. وفي الوقت الذي كانت فيه قضية الحدود السعودية في هذه المنطقة تناقش بشكل مباشر مع بريطانيا فإن تداخل الحدود بين مسقط وأبو ظبي والسعودية قد جعل هذه القضية تطرح وكأنها قضية واحدة وخاصة في منطقة البريمي.
وإذا كانت المقترحات التي طرحت منذ عام 1913م قد حاولت ترسيم الحدود بين الأطراف المتنازعة فإن هذه القضية ظلت لفترة طويلة تراوح بين الادعاء والادعاء المضاد ولم تستطع الجهود التي بذلت في هذا السبيل التوصل إلى حل مقبول لأطراف النزاع.
ويبدو أن تباين وجهات النظر بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية هو الذي ساهم في تأجيل النظر في هذا النزاع وخاصة بعد أن أصبح للاكتشافات النفطية دور كبير في توجيه الأحداث وتحديد مساراتها. وبعد جلاء الإنجليز عن منطقة الخليج في عام 1971م واستقلال دولة الإمارات بدأ التفاوض حول قضايا الحدود يأخذ طابعا جديدا ويتسم بنوع من الجدية وروح المشاركة المباشرة.
وفي عام 1974م اتفقت دولة الإمارات العربية المتحدة مع المملكة العربية السعودية بموجب المعاهدة التي وقعت في جدة على حسم الخلافات الحدودية وإنهاء هذه المشكلة وفتح صفحة جديدة من التعاون المثمر والأخوي بين البلدين.
وبموجب هذه الاتفاقية التي ركزت على تعيين الحدود البحرية والبرية بين البلدين quot;تعترف دولة الإمارات العربية المتحدة بسيادة المملكة العربية السعودية على جزيرة حويصات، وتعترف المملكة العربية السعودية بسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جميع الجزر الأخرى، المقابلة لساحلها في الخليج العربي.
بيد أنه على الرغم من أن جزيرة حويصات هي الجزيرة الوحيدة التي تتبع المملكة العربية السعودية في منطقة حدودها المشتركة مع دولة الإمارات العربية المتحدة فإن المملكة ndash; طبقا لأحكام المادة (5/2) من الاتفاقية تتمتع بحق إقامة أي منشآت عامة على جزيرتي القفاي ومكاسبquot;([20]).
وفي الوقت الذي نصت فيه المادة (2) من هذه الاتفاقية على ترسيم مسارات الحدود البرية بين البلدين فإن المادة (3) quot;تعتبر كافة المواد الهايدروكربونية الموجودة في حقل (الشيبه- زراره) مملوكة للمملكة العربية السعوديةquot; وفي الوقت نفسه أكدت الاتفاقية التزام الإمارات العربية المتحدة quot;بعدم القيام بأي عمليات بحث أو تنقيب عن المواد الهايدروكربونية أو استثمارها أو استغلالها أو الإذن بذلك في ذلك الجزء من حقل (الشيبه- زراره) الذي يقع شمال خط الحدودquot;.
كما أكدت الاتفاقية حق المملكة العربية السعودية في quot;القيام بعمليات البحث والتنقيب واستثمار واستغلال المواد الهايدروكربونية في ذلك الجزء من حقل الشيبه- زرارهquot;.
أما في ما يتعلق بموضوع السيادة المشتركة وقضايا الوصول إلى البحر العام فقد اتفق الطرفان بموجب ما جاء في المادة (5/3) على أن quot;يتم تعيين الحدود البحرية بين البلدين على أساس العدالة التي تحقق للمياه الإقليمية الخاصة بذلك الجزء من إقليم المملكة العربية السعودية المجاور لإقليم دولة الإمارات العربية المتحدة والمياه الإقليمية الخاصة بجزيرة حويصات اتصالاً حرًا مباشرًا بالبحر العام، وبحيث تراعى في تحقيق ذاك الصلاحية للملاحة العميقة بين البحر العام، وذلك الجزء المشار إليه أعلاه من إقليم المملكة العربية السعودية .
ويكون لكل من الطرفين المتعاقدين الساميين السيادة المشتركة على كامل المنطقة التي توصل- طبقًا لحكم هذه الفقرة- بين المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية والبحر العام، مع ملاحظة أن مفهوم السيادة المشتركة على كامل المنطقة المذكورة لا يشمل تملك الثروات الطبيعية الكائنة في قاع البحر وما تحت القاع، حيث تظل تلك الثروات مملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة بصفة منفردة وذلك استثناء من حقوق السيادة المشتركةquot;([21]).
وإذا كان الاهتمام قد انصب بشكل رئيس على مكامن النفط والثروات الطبيعية التي تختزنها الأراضي الحدودية ومناطق السيادة المشتركة فقد حرص الطرفان على الحفاظ على مصالح كل طرف ومنع أي التباس قد يشوب هذا الأمر.
وفي هذا الإطار أوضحت المادة (4) من الاتفاقية المذكورة على ضرورة أن quot;تلتزم كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالامتناع عن القيام بأي عمليات استثمار أو استغلال للمواد الهايدروكربونية أو الإذن بذلك، في ذلك الجزء من إقليمها الذي تمتد إليه حقول المواد الهايدروكربونية الواقعة بصفة رئيسة في إقليم الدولة الأخرىquot;.
وكان الاعتقاد السائد بعد هذه الاتفاقية الواضحة المعالم أن تكون السعودية والإمارات، قد حققتا نصرًا كبيرًا في هذا المجال وفتحتا الطريق أمام علاقات أخوية وسلمية دائمة، إلا أن القرار السعودي الأخير أعطى انطباعًا مختلفًا ستكون له تداعيات كثيرة على مستقبل العلاقات بين البلدين.