حسم رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل، الجدل حول تعويم الجنيه، وأكد أن حكومته تدرس بالفعل اتخاذ هذا القرار، بينما وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 15.60 قرشًا، مقابل 8.88 جنيهات في السوق الرسمية بالبنوك، أي بفارق يقترب من الضعف، مع استمرار التوقعات بوصول سعر الدولار في السوق السوداء إلى 20 جنيهًا، في حالة تعويم العملة المحلية.

إيلاف من القاهرة: في أول تصريح رسمي حول أزمة الدولار، قال رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل، إن حكومته تبحث تعويم الجنيه، "خاصة أن السعر الموجود في السوق غير حقيقي"، وأضاف في تصريحات له أمس الأربعاء، أنه "تم الاتفاق مع البنك المركزي على مجموعة من الاجراءات لزيادة مرونة سعر صرف الدولار"، مؤكدًا أن "مصر تحتاج إلى قرض صندوق النقد الدولي لسد الفجوة التمويلية".

ويعتبر هذا أول تصريح رسمي وعلى مستوى رفيع يؤكد سعي مصر إلى تعويم عملتها المحلية، تنفيذاً لشروط البنك الدولي، لمنحها قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، ويأتي تصريح رئيس الحكومة تزامنًا مع ارتفاع سعر الدولار خلال الأسبوعين الماضيين إلى مستوى غير مسبوق، وبلغ سعر الدولار الواحد في السوق السوداء 15.60 جنيهًا، مقابل 8.88 جنيهات بالسوق الرسمية، أي بفارق يقترب من الضعف، وسط ترقب بإصدار القرار بتحرير سعر صرف العملة المحلية.

وقال الدكتور محمد ماهر، الخبير المصرفي، لـ"إيلاف"، إن سعر الدولار في السوق الموازية لن يهبط خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن الدولار قفز خلال أسبوعين من 12.60 جنيهًا إلى 15.60 جنيهاً أي بفارق 3 جنيهات، مع انتشار أنباء اعتزام الحكومة تحرير سعر الجنيه، تزامنًا مع اجتماع صندوق النقد الدولي في بداية شهر أكتوبر الجاري.

وتوقع أن ترفع الحكومة سعر الدولار إلى 12.50 جنيهاً، مشيراً إلى أن السعر في السوق السوداء سوف يرتفع أيضاً، ليقترب من العشرين جنيهًا.

وأرجع ذلك إلى أن السبب الأساسي في أزمة الدولار هو انخفاض الدخل القومي، لافتاً إلى أن تراجع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والأزمة الاقتصادية العالمية أثرت كذلك على إيرادات قناة السويس، مما أحدث أزمة في العملة الأجنبية، ولا يمكن أن يحدث استقرار لها إلا بزيادة الدخل القومي.

ورغم اصدار الحكومة تعديلات على قانون البنك المركزي، بما يغلظ المتاجرة في الدولار خارج السوق الرسمية، ووصلت العقوبات إلى السجن لمدة عشر سنوات ومصادرة الأموال، إلا أن السوق السوداء مازالت منتعشة، وتشهد رواجاً غير مسبوق، ووصل سعر الدولار إلى 15.60 جنيهاً للشراء، و15.75 جنيهًا للبيع، في ظل عدم قدرة البنك المركزي على توفير العملة الأجنبية للمستوردين.

وتجري عمليات البيع والشراء عبر وسطاء ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، خشية الوقوع في أيدي الشرطة، وتنتشر صفحات على موقع فيسبوك تنشر سعر الدولار في السوق السوداء على مدار الساعة، وتجري عليها عمليات بيع وشراء، ومنها "سعر الدولار بمجهود الأعضاء"، و"سعر الدولار في السوق السوداء اليوم"، و"سعر الدولار اليوم لحظة بلحظة".

ووفقًا لتصريحات الدكتور عاطف عبد اللطيف، رئيس جمعية مسافرون للسياحة والسفر، وعضو جمعيتي مستثمري مرسى علم وجنوب سيناء، فإن "تعويم الجنيه "&لن يؤثر سلبيًا على قطاع السياحة.

وأضاف لـ"إيلاف" أنه في حالة تعويم الجنية وعودة السياحة إلى طبيعتها، فإن التعويم سيرفع من قيمة الدولار مقابل الجنيه وسترتفع أيضًا أسعار مستلزمات التشغيل للمنشآت السياحية، ولكن السياحة تستطيع تعويض ارتفاع الأسعار بفارق العملة في الدولار الذي يأتي من السائحين.

ولفت إلى أن تعويم الجنيه "شر لابد منه"، وسيحدث ارتباكا في السوق من 6&أشهر إلى عام، وسيؤثر بلا شك على أسعار السلع بالأسواق لفترة، ولكنه سيقضي على السوق الموازية للعملة لأنه ليس من المنطقي أن يتم التعامل بسعرين على أي سلعة في العالم، على حد قوله.

وذكر عاطف عبد اللطيف أن للتعويم فوائد وسلبيات أيضًا، ولكنه يرى أن الايجابيات أكثر إذا تم تنفيذ عدد من الاشتراطات قبل عملية التعويم، منها إصدار قانون الاستثمار الموحد ولائحته التنفيذية بمميزات وحوافز غير تقليدية، مما يساعد في جذب رؤوس الأموال الأجنبية ويشجع المستثمرين الأجانب والعرب في فتح استثمارات لهم في مصر، وكذلك الاهتمام بمصادر دخل الدولار في مصر، وعلى رأسها السياحة التي من الممكن أن تحقق مليارات الدولارات.

وأوضح عاطف أنه بجانب ضرورة اهتمام الدولة بالسياحة، يجب أن يكون هناك بالتوازي اهتمام بالتصدير والصناعة وحل مشاكل المصانع المتعثرة &وفتح أسواق تصديرية جديدة وعدم الاعتماد على الأسواق التقليدية فقط.

وأشار إلى أن الدولة حاليًا تتحمل فارق العملة في استيراد بعض السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، لافتاً إلى أنها توفر الدولار للمستوردين &بسعر 8.88 جنيهات في ظل أن سعره في السوق الموازية تخطى حاجز الـ&15 جنيهاً.

ونبّه إلى أنه في حالة التعويم أيضًا، سيقوم المصريون بالخارج بإعادة تحويلاتهم عبر البنوك، لأنه لن تكون هناك سوق سوداء، وسيتم القضاء على ظاهرة &"تخزين الدولار" للذين يحتفظون بأموالهم في هيئة دولارات، معتبرًا أن تلك الظاهرة تمثل 35% من أزمة الدولار في مصر بعد أن تحول إلى سلعة.

ودعا عبد اللطيف إلي ضرورة أن توفر الدولة كميات كبيرة من الدولارات لمواجهة احتياج السوق في ظل تعويم الجنيه المرتقب.

ويخشى المراقبون أن يؤدي "تعويم الجنيه" إلى موجة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة معدلات التضخم، غير أن وكالة "بلومبرغ" الأميركية نقلت عن مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، قوله إن مصر ليس من المحتمل أن تشهد ارتفاعاً كبيراً في نسبة التضخم جراء التدابير التي تتخذها لمواجهة نقص العملة الأجنبية، لأن أسعار الواردات تعكس معدل سعر الصرف في السوق الموازية.

وأضاف أن المسؤولين المصريين من المتوقع أن يخفضوا قيمة الجنيه، وأن يقللوا الدعم على الطاقة لضمان الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار، تحتاجها البلاد لتمويل الإصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن هناك مخاوف تتعلق بارتفاع نسبة التضخم، لاسيما أنه في أعلى مستوياته منذ عام 2009.

وقال مسؤول صندوق النقد الدولي "إذا نظرت إلى ما يحدث الآن تجد أن الكثير من أسعار السلع يعكس بالفعل سعر صرف السوق الموازية، وليس من الواضح بالنسبة لي أنه سيكون هناك تأثير إضافي على الأسعار".

وحسب وجهة نظر مسعود، فإن تأجيل تعويم الجنيه، "ستكون له تكلفة عالية على الاقتصاد المصري".