فيينا: يتوافد على فيينا اليوم مدراء صناديق تحوط وتجار سلع وجواسيس سابقون وحشد من الصحافيين والمحللين لمتابعة اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط "اوبك" في العاصمة النمساوية. ومثل هذا الاهتمام بالاجتماع قد يبدو في غير محله إزاء عام امضته اوبك في الخلافات وانعدام الثقة بين دولها الأعضاء حتى ان مصداقيتها باتت موضع تساؤل.

ولكن من المتوقع ان يكون الاجتماع ساحة لسياسة الحافة ووضع الأسواق في حالة ترقب يشوبها التوتر. ومستقبل اوبك ليس وحده المهدد بل ان نفوذ السعودية اكبر منتجي المنظمة، سيكون حاضرًا بقوة في مواجهة غريمتها ايران التي تواصل رفع انتاجها الى مستواه قبل العقوبات الدولية، ومعها العراق الذي يريد اعفاءه من أي خفض في الانتاج لتعديل الأسعار فضلاً عن مواقف روسيا التي تقف متفرجة بإنتظار ما يتمخض عنه اجتماع اوبك قبل ان تحدد موقفها من مقترح خفض الانتاج.

لتكوين فكرة عن حجم الرهانات المطروحة لا بد من العودة شهرين الى اتفاق وزراء اوبك في الجزائر. فبعد تسعة اشهر من المحاولات الفاشلة للاتفاق على تجميد الانتاج اعلنت اوبك خفضه الى 32.5 ـ 33 مليون برميل في اليوم أو ما يقل عن 1.1 مليون برميل عن مستواه الحالي. واسفر الاعلان عن انتعاش الاسعار رغم ان وزراء اوبك تركوا الجزء الأصعب الى اجتماع فيينا الأربعاء ، وهو تحديد حصة كل بلد من التخفيض. ومنذ اجتماع الجزائر ادعت ايران ان من حقها رفع الانتاج الى مستواه قبل العقوبات الدولية على طهران بسبب برنامجها النووي. وابدى العراق اعتراضه على مستوى الخفض الذي يجب ان يجريه في الانتاج متعللاً بحربه ضد داعش وحاجته الى العائدات النفطية لتمويلها.

في هذه الأثناء كانت روسيا مترددة. فهي ليست عضواً في اوبك ولكن السعودية تريدها ان تشارك في مجهود المنظمة لمنعها من سرقة حصة من السوق على حساب اوبك واعضائها. ونتيجة لذلك انقلب انتعاش الأسعار في سبتمبر الماضي الى نقيضه. ويتوقع محللون ان يسفر عدم تنفيذ ما وعد به وزراء اوبك في الجزائر عن هبوط سعر النفط الى اقل من 40 دولارًا للبرميل.

تعزيز موقف السعودية

ومن شأن هذا ان يعزز موقف السعودية التي تأمل بموافقة ايران والعراق وروسيا على خفض الانتاج، لأن عودة اسعار النفط الى الهبوط ستكبد اقتصادات هذه البلدان مزيدًا من الأضرار، في حين ان لدى السعودية ما يكفي من الاحتياطات النقدية لتحمل أي خسائر تترتب على مثل هذا الهبوط. وتنتج ايران والعراق وروسيا الآن بطاقة قصوى تقريباً في الوقت الحاضر وبالتالي فإن اجراء تخفيض ينبغي ان يكون سهلاً نسبياً. والأكثر من ذلك ان ايران تواجه خطر استئناف العقوبات الاميركية ضدها إذا نفذ الرئيس المنتخب دونالد ترامب وعده بتمزيق الاتفاق النووي معها. ولعل هذا يغري طهران بتحقيق مكاسب قصوى من رفع الأسعار ما دام ذلك بمقدورها قبل إبعادها عن السوق من جديد.

لكنّ مراقبين يلاحظون أن هذه اصبحت لعبة تتعلق بالجيوسياسة أكثر منها بالاقتصاد ويُرجح أن نتيجة اللعبة لن تُحسم إلا بتراجع احد طرفيها أمام الآخر. وإذا كان هناك اتفاق فالأرجح ان اسعار النفط سترتفع وستفاجئ السوق كما فعلت بعد اجتماع الجزائر. وستكف السوق عن الثقة باوبك حيث كانت السعودية تقوم تقليدياً بدور الحكم الذي تجمع كلمته اعضاء المنظمة على موقف موحد. وبحسب مجلة الايكونومست، فان هبوط اسعار النفط سيجعل من الأصعب تعويم جزء من شركة ارامكو السعودية قررت المملكة طرحه للاكتتاب العام في اطار الاصلاحات الجذرية التي اعلنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وفي الحقيقة أن آفاق سوق النفط ستكون قاتمة بحيث تشيع البلبلة مع تأكيد سائر الأطراف التزامها بمواصلة التحادث مهما بلغ عمق الاختلاف بينها. ولكن اسواق النفط لن تثق مرة أخرى بما تسمعه.

أعدّت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن مجلة "الايكونومست". المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي

http://www.economist.com/blogs/economist-explains/2016/11/economist-explains-17?fsrc=gnews