بعد نحو سبع سنوات من المفاوضات، توصلت شركة أحمد حمد القصيبي وإخوانه (AHAB) في يوليو الماضي إلى اتفاقية مع 90 مدعيًا من أصل 109، تمثل مطالباتهم ما يعادل 60 في المئة من قيمة الديون، لإعادة هيكلة ديون الشركة البالغة نحو ستة مليارات دولار.

إيلاف من الرياض: على الرغم من مضي نحو سبع سنوات على انهيار شركة أحمد حمد القصيبي وإخوانه، وإفلاسها في عام 2009، لا تزال تفاصيل انهيار إمبراطورية القصيبي التجارية مجهولة، بينما الحاضر الوحيد فيها هو الاتهامات المتبادلة بين عائلة القصيبي وصهرها معن الصانع، بخصوص أيهما المتسبب في المشكلات التي تواجههما. وفيما تشهد المحاكم فصول التقاضي بينهما، لحقت مجموعة سعد التي يملكها الصانع بمجموعة القصيبي، وهي أيضًا في طريقها إلى الانهيار.

مشروع لمجموعة القصيبي في السعودية


ولادة الشركة

تعود ولادة شركة القصيبي إلى أربعينيات القرن الماضي. بدأت عائلة القصيبي مشوارها التجاري بصيد اللؤلؤ والزراعة، قبل أن تتطور وتدخل في نشاط الخدمات المالية، وتعبئة المشروبات الغازية، وتجارة إطارات السيارات، وغيرها. وتعد سبعينيات القرن الماضي أبرز مراحل نشاط الشركة وتوسعها عندما كان الأخوة الثلاثة سليمان وعبد العزيز وأحمد القصيبي يديرونها. وفي الثمانينيات فتحت الشركة بيتًا تجاريًا وشركة استثمارية في المنامة التي اصبحت مركزاً ماليًا عربيًا، مستفيدة من تراجع دور بيروت بسبب الحرب الأهلية.

ومعن الصانع طيار كويتي متقاعد، تزوج من سناء بنت سليمان القصيبي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وشغل منصب مدير تشغيل شركة للصيرفة تابعة للمجموعة، كانت مسؤولة عن التحويلات المالية للعاملين الاجانب في السعودية. في عام 2003، كان الصانع يعمل على بناء سمعته الخاصة كمستثمر ثري، واستحصل في تلك المرحلة على الجنسية السعودية ليظهر اسمه في المرتبة 62 على قائمة فوربس لأثرياء العالم 2009 بثروة قدرت قيمتها بسبعة مليارات دولار.

بداية التدهور 

بدأت مجموعة الخدمات المالية للقصيبي بالتفكك، بعدما توقفت البنوك عن إقراضها. والمؤسسة المصرفية الدوليةTIBC مؤسسة مصرفية بحرينية تملكها مجموعة القصيبي، أعلنت إفلاسها في مايو 2009. في النزاعات القانونية التي تلت ذلك، أدعت شركة القصيبي أنها ضحية عملية احتيال قيمتها 9 مليارات دولار، دبرها الصانع. وزعمت شركة القصيبي أن الصانع استغل اسم الأسرة واعتبارها، وأحكم سيطرته على المجموعة المالية وأجبرها على الانخراط في قروض غير قانونية بمبالغ طائلة، باسم أو ضمانه، مستخدمًا وثائق مزورة، ليضخ العائدات في شركاته الخاصة، ومنها في جزر الكايمان. وهذا أكدته محكمة في جزر الكايمان خلصت في عام 2011 إلى أن ثمة أدلة دامغة على وجود مدفوعات ضخمة غير مفسرة لمجموعة الصانع، وأن هناك احتيالًا واضحًا ومثبتًا، وأن الصانع كتب لنفسه ولشركاته شيكات بما لا يقل عن ملياري دولار.

وجهت عائلة القصيبي أصابع الاتهام إلى صهرها معن الصانع، فاعتبرت انه أفسد كل شيء، مدمرًا السمعة الطيبة التي تتحلى بها مجموعة القصيبي، بلجوئه إلى عمليات احتيال كبيرة. ومنذ ذلك الحين، دخل الطرفان في نزاع قضائي مرير.

أجرى مصرف البحرين المركزي عمليات تحقيق واسعة وشاملة من خلال تكليف فريق مؤلف من 50 مدققًا ماليًا تابعين لشركة Deloitte العالمية للنظر في تعاملات الصانع التجارية. كما باشر خبراء في كشف الاحتيال من شركة Ernst & Young وشركة Kroll Associates بتحقيقات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سويسرا.

ونشرت مجلة Bilang محاضر فصلت بعضًا من عمليات الاحتيال التي قام بها الصانع، وأظهرت تبخر أكثر من تسعة مليارات دولار واختلاسها من 118 بنكًا منتشرًا في القارات الخمس، اشارة إلى أن هذه العملية اعتبرت من أكبر قضايا الاحتيال في التاريخ، كما صرّح أحد ضحايا هذا الاختلاس!

معن الصانع


إعادة الهيكلة

في يوليو الماضي، تنفست مجموعة القصيبي الصعداء، بعد أن وقعت اتفاقًا مع لجنة تمثل البنوك الدائنة لإعادة هيكلة ديون والتزامات مباشرة للبنوك والمؤسسات المالية بنحو 22,5 مليار ريال، أي ما يعادل ستة مليارات دولار. وتبلغ جهات المطالب التي شاركت رسميًا في عملية التسوية الشركة برغبتها في مشاركة 90 مدعيًا من أصل 109، وتمثل مطالباتها ما يعادل 60% من قيمة الديون الكلية.

قدمت مجموعة القصيبي في يناير الماضي للدائنين خطة لإعادة الهيكلة بنيت على أساس عرض مبدئي كانت قد قدمته لهم في يونيو من العام الماضي، وأدخلت عليها بعض التحسينات والتعديلات لينال موافقة الدائنين. يعد هذا الاتفاق الموقع في يوليو الماضي مع لجنة من خمسة أعضاء (المؤسسة العربية المصرفية وبي.إن.بي باريبا وبنك الإمارات دبي الوطني ومجموعة فورترس الاستثمارية وستاندرد تشارترد) مكلفة بالتفاوض نيابة عن الدائنين التزامًا رسميًا بتنفيذ خطة إعادة الهيكلة التي تقدمت بها في يناير.

وقالت مجموعة القصيبي في حينه إنها تأمل في توقيع اتفاقات مع دائنين آخرين بشأن خطة إعادة الهيكلة "في أقرب وقت خلال الأسابيع المقبلة"، وأن يدفع الحصول على موافقة أكبر عدد من الدائنين المحكمة لإقرار خطة إعادة الهيكلة والبدء في تنفيذها.

مدينة الخبر السعودية مقر مجموعتي «القصيبي» و«الصانع»


موافقة السلطات القضائية السعودية

على الرغم من الاتفاقية الموقعة مع الدائنين، لا تزال تتطلب موافقة لجنة مكونة من ثلاثة قضاة في محكمة بمدينة الخبر شرق المملكة، عُيّنت للإشراف على ديون المجموعة، وكانت اللجنة القضائية طلبت من كافة الدائنين التقدم بمطالبات الديون الخاصة بالمجموعة بحلول 21 يوليو. لكن بحسب البيان، طلبت شركة القصيبي أخيرًا تمديد الموعد النهائي.

وتشترط الجهات القضائية السعودية أن تُعامل تلك الاتفاقية كافة المؤسسات المالية المطالبة بالتساوي بغض النظر عن جنسيتها، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.

ويعتقد سايمون تشارلتون، القائم بأعمال الرئيس التنفيذي والمسؤول عن إعادة هيكلة الشركة، أن السلطات السعودية ترغب في حل هذه المسألة بشكل عملي وشامل، وتسعى إلى الحصول على مصادقة الجهات المختصة في المملكة على التسوية بمجرد الحصول على دعم مجموع المدعين.