إيلاف من لندن: أكدت الصحافة العالمية المختصة في شؤون المال والأعمال، مثل بلومبيرغ الأميركية مرورًا بالفايننشال تايمز البريطانية ولاتريبون الفرنسية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، أن الطرح المنتظر لأسهم من شركة أرامكو النفطية السعودية في البورصة، سيكون أكبر إدراج في تاريخ البورصة، وأكبر 4 مرات على الأقل، من الرقم القياسي السابق الذي تملكه شركة علي بابا الصينية منذ 2014.

وفي تقرير عن إدراج 5% فقط من رأس مال شركة أرامكو، أشارت تلك الصحف لأهمية القرار الذي أثار شهية كبريات الشركات المالية العالمية مثل جي بي مورغان، ومورغان ستانلي، أو إتش إس بي سي التي انضمت جميعها إلى بنكي الأعمال الأمريكيين مويليس، وإيفر كور، وبنكي الأهلي وسامبا السعوديين، لتنظيم وادارة وتأمين شروط نجاح الإدارج الناجح لما يُعادل 5% فقط من رأس مال أكبر شركة نفطية في العالم.

إعادة هيكلة

وتملك أرامكو إلى جانب عشرات الحقول النفطية المنتشرة في مناطق سعودية مختلفة، أحد أضخم آبار النفط في التاريخ، حقل غوار، الذي أنتج وحده بين 1948 و2005 أكثر من 60 مليار برميل نفط، في حين تُقدر بعض الدراسات السابقة والتي تعود إلى عام 2005 أن الاحتياطي النفطي في غوار يصل إلى 170 مليار برميل.

وتعمل السعودية في إطار خطتها لتنويع اقتصادها ومواردها المالية والتي أعلن عنها اوائل العام الماضي نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن نية المملكة طرح جزء من شركة أرامكو للاكتتاب العام، لأول مرة في تاريخها، في محاولة اعتبرها البعض، إعادة هيكلة للاقتصاد السعودي. 

يعتبر البعض تلك الخطوة مؤشرًا على خطورة وضع الاقتصاد السعودي، حيث تزامن مع ذلك الإعلان؛ إعلان آخر بأن الحكومة ستبدأ في خطوات راديكالية تهدف الى ترشيد الانفاق والاصلاحات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط. وذلك باستقطاب رؤوس أموال خارجية وداخلية جديدة، بطرح أسهم بعض الشركات الكبرى في الأسواق العالمية والمحلية، وفي مقدمتها أرامكو، والتي يُنتظر أن يكون عائد عرض 5% فقط من أسهمها في بورصات الرياض وهونغ كونغ، ونيويورك على الأرجح، أضخم طرح في تاريخ البورصات العالمية. ويبدو الآن ان نيويورك ستكون الأكثر حظا في عملية طرح الأسهم.

وبعد تقييم وتقدير قيمة الأصول الحقيقية للشركة والذي لن يقل عن ألفي مليار دولار، لأرامكو، فإن أقل قيمة مالية لأسهم الشركة التي ستطرح للتداول في البورصات العالمية، ستجد في المقابل مستثمرين لشرائها بما لا يقل عن 100 مليار دولار، أي أربع مرات حجم الطلب على عملاق التجارة الإلكترونية الصيني علي بابا مالك الرقم القياسي السابق منذ 2014، بعد طرح حوالي 70% من أسهم في بورصة نيويورك.

خطوة ايجابية

كما رحبت الأسواق بالقرار السعودي في خفض الضرائب التي تدفعها شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو الأمر الذي زاد قيمة الشركة بواقع تريليون دولار وذلك قبل الطرح العام الأولي المزمع للشركة في عام 2018 والمتوقع أن يكون الأكبر في العالم.

 وكانت حكومة المملكة قالت الاسبوع الماضي إنها خفضت نسبة الضريبة على أرامكو إلى 50 في المئة من 85 بالمئة في إطار الاستعدادات للطرح العام الأولي المقرر العام المقبل. السعودية تريد التخلص من العجز في الميزانية الذي بلغ 79 بليون دولار عام 2016. فبدل ان تستلم الحكومة السعودية ضريبة من آرامكو ستستسلم حصص ربحية كمساهم كبير يمتلك جزء كبير من الشركة.

وهناك تكهنات في السوق ان الأرقام تستند على سعر افتراضي للنفط على المدى الطويل بحدود 75 دولاراً للبرميل، فإن تقييم الشركة يزيد من 0.4 تريليون دولار إلى 1.4 تريليون دولار". ويمثل هذا نبأ ساراً للحكومة السعودية، التي تأمل بجمع أموال لتغطية العجز في الموازنة والاستثمار في صناعات جديدة في الوقت الذي تسعى فيه إلى تنويع موارد الاقتصاد في ظل تدني أسعار النفط.

وفي هذا الاطار قال أمين ناصر المدير التنفيذي لشركة آرامكو ان تخفيضات الضرائب سيضع آرامكو على قاعدة المعايير الدولية.

وكان المهندس أمين الناصر قد أكد العام الماضي أن الشركة لا تزال تدرس خيار طرح جزء من أسهمها بعد الاكتتاب في سوق الأسهم الأميركية في نيويورك وأن الشركة لم تتراجع عن التفكير في نيويورك رغم صدور التشريع الأميركي الذي يعرف باسم «جاستا» ويسمح لعائلات ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر بمقاضاة المملكة. ومن الجدير بالذكر ان برامج الاستثمارات الدولية والتي تشمل أسواق المال والمصادر الأميركية الكبرى يتم تنفيذها بغض النظر وبتجاهل تام لصدور التشريع الأميركي المعروف بـ "جاستا".

وأضاف أن أرامكو ستدرج أسهمها في سوق الأسهم السعودية وما زالت تدرس إدراج أسهمها في أسواق دولية. وكل الاحتمالات مفتوحة حتى الآن سواء كانت نيويورك أو هونغ كونغ أو لندن أو طوكيو ولكن أغلب التقارير تشير باتجاه نيويورك وول ستريت المالي.
آرامكو ليست فقط منتج كبير للنفط والغاز ولكنها ذراع حكومي فعّال حيث انها تبني المدارس والمستشفيات وحلبات الرياضة. وحسب مصادر الفانينشال تايمز اللندنية فان آرامكو هي اكبر مزود نفط خام للصين فان الممكلة العربية السعودية تسعى لاقناع شركات النفط الصينية الكبيرة بالاستثمار في أسهم آرامكو لأن الصين سوق ضخم للنفط والغاز وكمستثمر كبير.

وكان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود الذي يشرف على الإصلاحات الاقتصادية قال إن الطرح العام الأولي سيقيّم أرامكو عند تريليوني دولار على الأقل. وإذا جاءت القيمة أقل كثيراً من هذا المستوى، فإنها قد تعرض عملية الطرح للخطر.

كنوز اقتصادية كبرى في المملكة

وفي تطور آخر أشارت قناة سي ان بي سي يوم 31 مارس آذار المنصرم والمتخصصة في شؤون المال والاقتصاد الى تقرير اقتصادي يقول "إن طرح 5% من أسهم أرامكو للاكتتاب والتحول عن النفط سيؤسس ما بين 10 إلى 12 صناعة قوية، ويكشف عن الكنوز الاقتصادية الكبرى في المملكة". جاء هذا بعد يوم واحد من تعيين أرامكو بنوك جى بي مورجان، واتش اس بي سى، ومورجان ستانلي كمستشارين للاكتتاب المخطط في النصف الثاني من العام المقبل.

وقال التقرير: إن الهدف من الاكتتاب ليس جمع الحصيلة المالية ووضعها في البنوك بفائدة 2%، وإنما تأسيس ما بين 10 إلى 12 صناعة قوية بعيدًا عن النفط. وأبرز التقرير أهمية الجولة الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في آسيا من أجل تنويع القاعدة الاقتصادية بعيدًا عن النفط، ولفت الى الشراكة والاتفاقيات التي تم توقيعها في الصين واليابان وإندونسيا وماليزيا في مختلف المجالات.

ويعتقد خبراء ان تخمين قيمة أرامكو يستند على خصم التدفقات النقدية الحرة لكل حقل نفطي. وبموجب نسبة الضريبة الجديدة، من المتوقع أن يكون الكثير من مدفوعات الشركة للحكومة في صورة توزيعات أرباح نقدية وليس ضرائب.

ويقول الخبراء إن "القيمة الإجمالية لإيرادات أرامكو بعد التكاليف نحو 3.4 تريليون دولار. في ظل نظام الضرائب القديم تحصل الحكومة على 88 في المئة من هذه القيمة عبر ضرائب ورسوم بينما في ظل النظام الجديد فإن نحو 60 في المئة من الأرباح يذهب إلى الحكومة".

 وعلى افتراض ان سعر البرميل يستقر على 75 دولار للبرميل على المدى الطويل سيرتفع تقييم الشركة من 0.4 ترليون دولار الى 1.4 ترليون دولار.

كما ان مقادير وقيمة الاحتياطات النفطية تعطي آرامكو قيمة أعلى بكثير من الأرقام المتداولة على الساحة.

يعتقد مراقبون ان انهيار اسعار النفط والتزامات الحرب في اليمن وانفاق الحكومة الضخم على مشاريع التطوير والتنمية في الممكلة والعجز في الموازنة أجبر المملكة على اعادة حسابتها. وعلى هذه الخلفية جاءت الخطة الراديكالية في طرح اقل من 5%من قيمة آرامكو للاكتتاب العام مما سيحقق عوائد تزيد عن 100 مليار دولار مما يعني ان قيمة آرامكو الاجمالية تبلغ تقريبا 2 ترليون دولار.

وبهذا تكون الصفقة أكبر عملية طرح اسهم شركة في الاسواق في التاريخ. حتى ان صحيفة الصاندي تايمز في لندن أطلقت عليها صفقة القرن. وتأتي الصفقة في اطار رؤية 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي.

وتم عقد عدد من الاجتماعات في العواصم الدولية اولها بتاريخ 19 اكتوبر الماضي في عاصمة المال والأعمال لندن، وتبعها سلسلة لقاءات في وول ستريت في نيويورك لبحث موضوع الادارج على البورصة في نيويورك.

والهدف الرئيس من بيع السندات هو دعم الخزينة السعودية، وتخفيض العجز في الموازنة الذي بلغ 98 مليار دولار عام 2015 و79 مليار دولار عام 2016.