مع أننا من ضمن الدول الـ 191 التي قامت بالتوقيع على أهداف التنمية الألفية الثمانية التي حددت لها الأمم المتحدة عام 2015 م لبلوغ الأهداف كالتزام دولي لهذه المعاهدة، فبعد مرور 5 سنوات على توقيع المعاهدة بنيويورك نجد الكثير من المؤشرات المحلية لتحقيق تلك الأهداف فيما عدا الهدف الثالث الذي ينص على " تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة " يقف مكانه وكأننا مستثنين من هذا الهدف..
وبنظرة سريعة لواقع المرأة الفعلي نجد أننا بحاجة لمهلة تزيد عن المدة المحددة عشرات الأعوام ففي كل نافذة نبحث من خلالها عن المرأة المتمكنة نجدها محلك سر، ومع وجود عناصر نسائية استطاعت التحرك إلا أنها تبقى حالات استثنائية يصعب علينا من خلالها التعميم الذي نسمعه ونراه يومياً فمجرد وجود شخصية نسائية سعودية ناجحة في مجال الاقتصاد كلبنى العليان على سبيل المثال، لا يخلو محفل من الإشادة بإنجازات النساء السعوديات فيشار إلى هذه السيدة الناجحة بالبنان، وكأن المرأة في هذه البلد قد اختصرت بواحدة أو اثنتين مع أن الواقع يشهد بطاقات نسائية لا حد لها إلا أن النظام الاجتماعي قابعاً تحت سترته لا يريد أن يتغير، وهذه وإن ظهرت بصورة إشادة في حق المرأة إلا أنها أحد الصور الحضارية لاقصاءها فيما توحي بأن لدينا هذه وتلك ( وكفى ) وحاجتنا لمثل هؤلاء الناجحات توجب أنظمة علمية وتربوية وثقافية تجعل هذا البلد يحظى بمئات الناجحات لا خريجات محطمات ما بين الطرق الوعرة والهجر وسائق آسيوي أو أي كان جنسه يقاسمهن ما يكسبنه من حفنة ريالات هذا عدا الأمر والنهي باسم ( الرجل ) والنهاية موت أو إعاقة أو حالة نفسية متردية وهذا في الغالب.
كما زادت هذه الأيام نبرة تدعي التحضر وعرض قدرات المرأة السعودية على المناداة بحقوقها دون أن يتحدث عنها الــ مع أو الــ ضد ( الرجل )، ولم تعد هذه النبرة جديدة خصوصاً هذه الأيام حتى أنه قد وصل صوتها إلى الصحف الليبرالية التي تُعد أحد أهم المنابر المنادية بحقوق المرأة.
ما يثير الاستغراب حقيقة مطالبة بعض الكتاب المعروفين بوقوف المرأة بنفسها على حقوقها وكأن النظام الاجتماعي قد أتاح لها ذلك مع أن الحقيقة المرّة تمنعها حتى من الحديث مع أي رجل لأي غرض كان من باب أن صوت المرأة عورة ومن باب عدم الخضوع بالقول، ومن باب الكثير من المناداة بإقصائها بعيداً لأنها أداة الفتنة ومنبع الشهوة لذا فالتعامل معها لا يكون إلا على أساس ( الحجب ) وكل يمارس هذا الحجب بطريقته، وكما نرى المجتمع يتفنن في هذا الحجب حتى أنه قد يصل في بعض الأحيان إلى منعها عن رد التحية الهاتفية إن جاءت عبر صوت ذكوري، فلا ننظر للصورة بيضاء ناصعة وكأن المرأة السعودية بإمكانها الصعود على أي منبر لتتحدث، فهي لازالت كسيحة تجاه تحقيق أبسط متطلباتها فليس بإمكانها بعد أن تقود سيارتها لقضاء احتياجاتها كأي إنسان عادي فهل ستتحلل من الإعاقة دفعة واحدة لتصل إلى المنابر ؟؟؟
مع كل هذا الرعب الذي تعيشه المرأة خوفاً من فتنة الرجل لا يزال البعض يطالب بإقصائها - بصورة حضارية - كإقامة مؤتمر مخصص للنساء يتحدثن فيه عن حقوقهن ولا يحضره رجل وهذا لا يختلف عن من علق تلك اليافطة التي نراها على المشاغل النسائية ( ممنوع دخول الرجال ) إلا أن الشعار لدى المتحضرين يختلف.
وهنا وجب التساؤل من هن هؤلاء النساء اللاتي سينادين دعونا نقرر ؟ فالنشطات في مجال المرأة لازالت أعدادهن لدينا لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة والباقيات في سبات عميق فأي شيء ستقره امرأة مغيبة عن الصورة الحقوقية لها كانسان، وإن افترضنا وجود أخريات قد وصلن إلى مرحلة الإدراك إلا أنهن حائرات في طريق الوصول إلى منبر تُسمع من خلاله أصواتهن، وقد يكون هذا صعباً عليها ولنا في بعض الأسماء النسائية التي ترفض الظهور بالاسم الحقيقي أو اللقب شاهداً وبرهان...
هذه المطالبات الحضارية أيضاً لا تختلف مضموناً عن ممارسات الرجل أو لنقل المجتمع الذي يريد أن يغطي المرأة بكل ما أوتي من قوة، مما يذكرني ببعض ما جاء من مداخلات في المؤتمر الوطني الثالث عندما قالت إحداهن " علينا أن نوجد للمرأة مجتمعاً خاصاً بها بكافة الخدمات والمرافق التي تحتاجها ويكون المكان نساء في نساء بما في ذلك المستشفيات ! "، ولا أعلم إن كان هذا أو ذاك جاء من باب سد الذرائع وخلافه.
ما أعلمه كإنسانة بالفطرة أن الرجل والمرأة خُلقا سوياً من أجل تعمير الأرض وبناءها وكون أن هذه الفطرة حادت أو مالت إلى طرق غير صحيحة وغير منطقية باسم العادات والتقاليد فهذا لا يعني أن نصفق لها وإن كانت جهالة، بل علينا الوقوف والتصدي إلى كل صوت ينادي بخنق المرأة باسم ( التكريم ) أو ( الجوهرة المصون ) وأعود مجدداً لبداية الحديث عن ترك شؤون المرأة لتتحدث هي عنها، من حق المرأة أن تتحدث بحقوقها ومن حق الرجل الوطني أن يتحدث عن المرأة باعتبارها ( مواطن ) قادر على البناء ومن حق الوطن أيضاً أن يستثمرها لصالحه ولكل من يحب هذا الوطن حق الحديث.
صحافية سعودية
التعليقات