اطلت لتحية مستقبليها وفي ملامحها تصميم محاربة واثقة من النصر، سيدة في الخمسينيات من عمرها محامية متفانية تدافع عن النساء والاطفال وسجناء الرأي وضحايا عسف السلطة، اول قاضية في ايران منذ العام 1969. عصفت بها رياح الثورة الاسلامية فاقصتها عن منصة القضاء لان السلطة الدينية لاتجيز للنساء اعتلاءها، كما منعت من ممارسة المحاماة بعد ان اغلق الفقهاء نقابة المحامين وتولوا مهامها، رفضت العمل كخبيرة في وزارة العدل فتقاعدت وانصرفت للكتابة عن القانون وحقوق الانسان ومساعدة اليونيسيف في طهران وانشاء جمعية تعنى بحقوق الطفل. ومازالت تناضل على ارضها وقد اثمر سعيها بان حصلت على اجازة المحاماة في العام 1992، وكان لدعوتها الى تحريم العنف ضد الاطفال اثر مهم في اقرار تشريع بشانه. اطلقت حملة المليون توقيع للمطالبة بتغيير القوانين التي تحط من قدر المراة كاعتبار ديتها نصف دية الرجل، وتحديد مسؤليتها الجنائية بتسع سنوات واجازة تزويجها في سن الثالثة عشر، بالاضافة الى اعتبار شهادة امراتين تعادل شهادة رجل واحد. تلك هي الدكتورة شيرين عبادي، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام في العام 2003، وجوائز عالمية اخرى تقديرا لمجموع انجازاتها .
في مركز سقف العالم، كان لي لقاء معها وحديث قصير عن المرأة الايرانية، رأيها ان وضع النساء تحسن قليلا قياسا الى الحال التي اعقبت الثورة وان العمل من اجل حقوقهن يجري في غاية الصعوبة وهي لاتجد عونا من قبل النساء في البرلمان، بل على العكس فقد تقدم بعضهن بطلب الى البرلمان لتقليص عدد الفتيات في الجامعات، لان نسبتهن وصلت الى ثلاثة وستين بالمئة. هي متفائلة بشكل عام لان المفاهيم التحررية كحقوق الانسان اصبحت اكثر تداولا من قبل، واثمر نضال النساء مثلا عن اصدار قانون جديد لصالحهن في قضية الحضانة. ولدى مقارنتها الراهن بالماضي تجد ان الفكر الاصلاحي قد قويت دعائمه. ولهذا المركز الذي يسمى بالفرنسية ( توات دو مونت )، قصة روتها لي المنشطة الاجتماعية والثقافية الدكتورة رابحة الناشي، فقد اسسه القس جورج شاربونيه لخدمة المهاجرين في العام 1982 ليكون لهم ملتقى يصلون فيه، على اختلاف اديانهم. وبمرور الزمن تحولت الصلاة الى صلات اجتماعية واحتفاليات ثقافية تجلب الفرح الى قلوب اتعبها الاغتراب. وهو يحظى بدعم الحكومة وبعض المنظمات وينشط في مناهضة العنصرية وتشجيع المغتربين على الاندماج في المجتمع الفرنسي عبر التعريف بالحضارات المختلفة وتقريب المسافات فيما بينها.
تحدثت شيرين الى من تجمعوا تحت ذلك السقف من الايرانيين والعراقيين والافارقة والصينيين وغيرهم فقالت انها آمنت دائما بحق الانسان في الحرية، اياً كان لونه ودينه اوا صله، وانها تساند قضايا اللاجئين الباحثين عن اجواء اكثر امنا وحرية واعترافا بحقوقهم الاساسية. والعالم بنظرها، بسكانه الاصليين والمهاجرين، اشبه بسفينة تحاول الوصول الى مرساها، فان هي غرقت يهلك سائر البشر، وعلينا ان نقودها الى بر الامان بان نكبح نزعات العنصرية والتفرد ونجعل السلام غايتنا. ويذكر لهذه السيدة المكافحة انها فوق مشاغلها وقضايا السجناء التي تدافع عنهم تطوعا، ساهمت مع مجموعة من النشطاء، في انشاء منظمة ( المشاركة ضد الالغام ) واثمر نشاطها جزئيا عن قرار الحكومة بزيادة الميزانية المخصصة لازالة الالغام، ففي ايران اربعة ملايين هكتار من الاراضي، مزروعة بالالغام، بقيت حتى الان على الرغم من نهاية الحرب مع العراق.
شيرين عبادي مع شهرتها العالمية وكثرة المحافل الدولية التي تستضيفها، تعتز بكونها امراة مسلمة ولكن مستنيرة، فهي لاترى ان الاسلام يتعارض مع الديمقراطية والسبب فيما يحصل من انتهاكات لحقوق الانسان في بعض البلدان الاسلامية، هو الفهم الخاطئ للاسلام. تلك الانتهاكات تحصل ايضا في دول بعيدة عن الدين، مثل كوبا والصين.quot; ان الديمقراطية تتعثر وتتراجع حيثما تحجب حقوق المراة، الديمقراطية تساوي مكانة المراةquot;. و quot; مع كل مدرسة نبنيها للبنات، نتقدم خطوة الى الامام نحو مكانة ارفع في تاريخ الحضارة.quot; تلك الافكار، عبرت عنها شيرين في محاضرتها التي القتها في جامعة بواتيه في الثالث من ديسمبر، وكان عنوانها الاسلام وحقوق المراة. احتفاء الجامعة بها كان مميزا فقد منحتها الدكتوراه الفخرية.