مدونات لبعض الملحدين في تونس على شبكة quot;الفايسبوكquot;

إسماعيل دبارة من تونس:يبدو أنّ الـquot;فايسبوكquot; التونسيّ يأبى إلا الإتيان بالجديد والطريف وربّما الغريب، فبعد أن ارتفع عدد مستعملي هذه الشبكة إلى أكثر من 700 ألف مشترك ndash; معظمهم من الشباب - في ظرف وجيز، وبعد أنّ تمكّن الشباب التونسي من تحطيم عدد من الحواجز والمحرّمات كالجنس والسياسة ونقد الخطاب الديني، في حركة دلّت على ضيق فضاءات الحوار والحرمان من النقاش الجديّ والصريح مع هذه الفئة، برزت ظاهرة جديدة لم يعد بالإمكان، وفق عدد من المتابعين، اعتبارها quot;حالات معزولةquot; أو شاذةquot;... إنهم الملحدون الذين يُنظمون صُفوفهم ويتوجّهون للشباب آخذين على عاتقهم quot;تنويرquot; العقول عبر الإطلاع على حقائق ونظريات وفلسفات مختلفة قد تساهم في تغيير القناعات بما فيها العقائد والأديان.

لا توجد إحصائيات دقيقة في تونس عن أعداد الملحدين أو اللاّ دينيين، لكنّ الثابت أنّ عددهم في ازدياد وأنّ نشاطهم أضحى أكثر كثافة وتأثيرا من ذي قبل، إذ تكفي الإشارة إلى أنّ أحد أشهر المدوّنين التونسيين وأكثرهم شعبية لدى الأوساط الشباب quot;عيّاش مالمرسىquot; (اسم مستعار) هو مُدوّن مُلحد يمقت الأديان و يستهجن من يؤمن بها.

أمّا على شبكة quot;الفايسبوكquot; الاجتماعية الشهيرة، فقد أطلق عدد من الملحدين مجموعات ضمّت المئات من اللاّ دينيين على غرار مجموعة quot;تونسيون ملحدون علمانيونquot; و quot;الملحدون التونسيونquot; وغيرهما، و تتضمن المجموعات نقاشات متعدّدة حول الإلحاد والأديان.

يلاحظ المتتبّع لسير نقاشات الشباب التونسيّ مع الملحدين الذين خيّروا لعدّة أسباب التوجّه بأفكارهم إلى هذه الشريحة العُمريّة، أنّ الشباب لم يتقبّل بشكل سلس وجود quot;تونسيين غير مؤمنين quot; يتحدّثون باسم بلدهم ويدافعون عنه ويتشبّثون بالانتماء إليه.

وعادة ما تندلع مشاحنات ومشادات كلاميّة عنيفة بين الملحدين وزوّار صفحاتهم تنتهي في غالب الأحيان إلى السّباب وتبادل الشتائم وكيل الاتهامات إلى اللاّ دينيين بـquot;الكفر والزندقةquot; وخدمة أجندة مخابرات الدول الأجنبية والعمالة لـquot;زعزعة عقائد التونسيينquot;.

لكنّ ليس من الصّعب على المتابع أن يكتشف أنّ مُلحدي تونس يستقون أفكارهم وحُججهم مما ينشر عادة عبر موقعين الكترونيين شهيرين للدفاع عن الإلحاد والترويج له وهما quot;منتدى الملحدين العربquot; وquot;شبكة اللادينيين العربquot;.

... بين الدين والالحاد
الشاب المُلحد زياد طارق بن يوسف صاحب مدوّنة quot;صوت التونسيّquot; ردّ على سؤال quot;إيلافquot; حول ما الذي يدفع بشاب تونسيّ تربّى في بيئة عربية مسلمة، تبدو محافظة إلى حدّ ما، إلى الإلحاد والتخلي عن دين آبائه بالقول:quot; إلحادي كان عبر رحلة تديّن في سنين المراهقة، وبعد تأمّل وثبوت عجز من توجّهت لهم للإجابة عن أسئلتي بشكل عقلاني مُقنعquot;.


أما الملحد سفيان دافيد المُشرف على احدى المجموعات quot;الفايسبوكيّةquot; التي تنادي بالإلحاد فيقول:quot;صحيح أنني ولدت وترعرعت في عائلة مُسلمة، وكنت مُسلما وغيورا على ديني، لكن بفضل الانترنت اطلعت وفق منظور جديد على تاريخ الأديان والتناقضات التي وقعت فيها خصوصا مع مسألة الحداثة، واكتشفت كذلك أن الملحدين موجودون في كلّ مكان فأعلنت إلحادي أمام الجميع وهو ما سبّب لي مشاكل كثيرة و تهديدات يوميّةquot;.

تتعرّض مُدونات الملحدين ومجموعاتهم في تونس إلى هجمات شرسة ومُنسّقة من الشباب الذي يناصر الهويّة والدين، فمدوّنة quot;صوت التونسيquot; وصفحتها على quot;فايسبوكquot; تتعرّض خلال الأسابيع الأخيرة إلى هجمة قد تؤدي إلى غلقها نهائيا بعد أن قرر العشرات التقدّم بشكاوى لدى إدارة موقع quot;فايسبوكquot; بسبب ما يعتبرونه quot;إساءات المُدونة وصاحبها لتونسquot;.

ويقول صاحب المدونة المستهدفة لـquot;إيلاف :quot; لا تعنيني كثيرا اتهاماتهم لي بالصهيونيّة و ضرب هوية المجتمع التونسي، سأواصل الإصداع بمواقفي، أعتقد أنّ أفضل طريقة للتعامل بين المُتدينين والملحدين هو البحث عن المشترك الذي لا يختلف عليه عاقلان، وهي المبادئ الإنسانية الكبرى التي لخّصها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أنا شخصيا احترم المُتدين الذي يبرهن على وجود الله بطريقه محترمة، و كل ما اطلبه من المتدينين مسيحيين ومسلمين وبوذيين هو أن يعبدوا الحجر لو أرادوا لكن بشرط آلاّ يضربوني بهquot;.

وعلى الرغم من تكتّم عدد كبير من الملحدين عن الإدلاء بهوياتهم الحقيقية لمن يطلبها، إلا أنّ التنسيق بينهم في النقاشات وquot;المشاداتquot; مع متديّنين تبدو واضحة، معتمدين في ذلك الرسائل الخاصّة وتقنية التراسل المباشر أو quot;الشاتquot; أو حتى عبر لقاءات مباشرة أحيانا.

يقع الملحدون عادة في استفزاز المُتدينين بالسّخرية من مُقدساتهم وعقائدهم وحتى ازدرائها ما يخلّف تشنجا كبيرا لدى الطرف المقابل يصل إلى حدّ التهديد، لكن بعض الملحدين يؤكدون من جهتهم أنّ quot;اللا دينيّ الصادق المثقف لا يسخر من المقدس قط، فالملحد حيادي ويقف على مسافة واحدة من جميع الأديان لأنه لا يؤمن بها جميعاquot;.

فراغ علمي..وديني
ويلخّص الإعلامي التّونسي المقيم في ألمانيا رئيس تحرير صحيفة quot;الوسطquot; الالكترونيّة مرسل الكسيبي لـquot;إيلافquot; الأسباب التي تدفع بشباب تونسيّين لإعلان إلحادهم بـquot; الفراغ والاضطراب في المنهاج التعليمي الرسمي، حيث يتم التعتيم على ثنائية العلم والإيمان بصفتها أقوى ثنائية يمكن أن ترسّخ الاعتقاد وتبرهن عليه، بدل الاعتماد على النقل في الاعتقاد بعيدا عن مناهج البرهنة العقلية التي برع فيها علماء أفاضلquot; على حدّ تعبيره.

ويتابع الكسيبي:quot; تونس تضرّرت كثيرا من سياسة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة تجاه قضايا الإيمان والإسلام، إذ إنّ رؤيته المضطربة في الموضوع كانت وراء إلغاء المؤسّسة الزيتونية للتعليم، وإحداث حالة الفراغ العلمي والديني بما مهّد بعد ثلاثة عقود ونصف إلى سياسة تجفيف الينابيع بكل ما حملته من كوارث أخلاقية وثقافية مازلنا نعاني من تبعاتها الثقيلة إلى حدّ اليومquot;.

ينصّ الدستور التونسي من جهته على حرية المعتقد والعبادة، ما يعني أنّ الإلحاد أو الجهر به ليست جرائم يُعاقب عليها القانون، لكنّ الإعلامي مرسل الكسيبي يرى أنّ للحركات اليسارية التونسية دورا مهما في إثارة قضايا الاعتقاد والإلحاد من منطلق إيمانها بمقولات الجدلية المادية ورؤية كارل ماركس للدين والحياة، وهو ما جعل من ثنائية رفض الدين واعتناق المذهبية الاشتراكية أو الشيوعية ركيزة مهمة في دور هذه الحركات على حدّ تعبيره.

ولكنّ quot;المُحيّرquot; بحسب الكسيبي هو أن الحركة اليسارية التونسية quot;لم تستطع على غرار الحركة اليسارية الأوروبية وحتى الكُوبية تلطيف العلاقة بين عالم المادة والروح، ومن ثمة احترام المُقدس الجماعي وإدراك واحدة من أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي السابق وأنظمة أوروبا الشرقية، حيث كان إفراغ حياة الناس من الأخلاق والفضيلة ووهج الروح، سببا من أسباب تعميم حالة الرفض للمشروع اليساري ومن ثمة لفظه حين قرن بين القمع السّياسي والقمع الدينيquot;.

ويرى مُتابعون لظاهرة الإلحاد المتنامية في تونس وبلدان المغرب العربي أنّ هذا التيار quot;لا يمكن عزله إطلاقا عن الحراك الثقافي اليساريquot;، وبشأن الاتهامات التي غالبا ما توجّه إلى الملحدين بالانتماء إلى جهات استخباراتية أجنبية تهدف إلى quot;زعزعة الأوضاعquot; يقول المُلحد بن يوسف :quot;اتهام شائع ومتكرّر، أنا شخصيا ليس لدي أي ارتباطات بجهات استخبارتية واعتبر هذا الاتهام مبالغا فيه فلم اسمع في حياتي عن جمعية أو منظمة لنشر الإلحاد. توجد منظمات تبشيرية تضرب عقيدة المسلمين على الملأ و نجد عبر مواقعها على الانترنت تنظيما لحملات تبشيرية والميزانيات التي يتمّ رصدها لذلك ضخمة للغايةquot;

ولا يرى الإعلامي مرسل الكسيبي quot;خطرا حقيقيّاquot; على المجتمع من هذه الظاهرة quot;إذ إن ميراث الإيمان والقرآن هما أثقل وأقوى من أن تهددهما تأثيرات فكرية ثورية سرعان ما تترشد حين تصطدم بقوة الانتماء المعرفي والديني الراسخ للمجتمع quot;. و يؤكّد الكسيبي على ما سماه quot; دور الإعلام في الرد على شبهات الملاحدة من خلال ما سمّاه quot;تجذير عملية البناء العقلي والمنطقي في مخاطبة الجمهور المُسلم، إذ إن الشحن البُكائي والعاطفي هما منهجان قاصران في مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين وما يشهده العالم من ثورات علمية ومعرفية سريعةquot;.

يشار إلى أنّ قضية الملحدين والإلحاد لا تطرح عبر الإعلام الرّسمي في تونس ولا تبدو السلطات معنيّة بها على الرغم من أنّ الانترنت كشفت أنّ للإلحاد أنصارا كثرا في البلاد، ويركّز الخطاب الديني في تونس (عبر الإعلام وخطب المساجد..)عادة على محاولة quot;ترشيدquot; التديّن ومنع الشباب من الوقوع في الغلوّ والتطرّف ومحاربة الفكر السلفي وquot;الظواهر الدخيلة عن المجتمع التونسيّ ذي الميول الوسطية والمعتدلةquot; على حدّ تعبير الخطاب الرسميّ.