لحظات تاريخيّة هي نفسها لم تصدّقها! شيرين على أدراج المهرجان الأعرق في لبنان والمنطقة، شيرين على الركح الذي وقف عليه عمالقة الفنّ والطرب في العالم العربيّ، شيرين المطربة المصريّة الثانية بعد السيّدة أمّ كلثوم التي تقف على أدراج بعلبك.



إيلاف من بعلبك: في الدورة الستّين من مهرجانات بعلبك الدوليّة حقّقت النجمة المصريّة والعربيّة شيرين عبد الوهّاب إنجازاً يحلم به معظم فنّانو جيلها، وحتّى من هم أكبر منها سنّاً وخبرةً فنيّة. هي نفسها لم تصدّق الخبر عندما سمعته، فقد صرّحت على المسرح أمام الجمهور: " لما قالو لي عايزينك في مهرجانات بعلبك، قلتلهم أكيد بتهزّرو دول ما بياخدوش عيال زيّي".

ولكنّ الحلم ما لبث أن تحوّل إلى حقيقة، وما لبثت شيرين أن حوّلت تلك الحقيقة إلى حلم جميل. ليلة صيفيّة تحت ضوء قمر بعلبك، في أجواء تعبق بالتاريخ والأصالة، وتحديداً في حضن معبد باخوس، الذي يقف شامخاً قبالة أعمدة بعلبك الشهيرة.

أطلّت شيرين على المسرح بلوك الفلامينكو، وبتسريحة الغجريات التي نفذّها لها مزيّن المشاهير طوني المندلق الذي رافقها في كواليس الحفل، وما هي إلاّ لحظات حتّى صدح صوتها: "يا ليل ... يا ليل..." شدت شيرين وأكمل معها الجمهور: "آه يا ليل... آه يا ليل.. إيه يعني غرامك ودّعني..."، لتمزج لحن الأغنية بمقطع من التراث اللبنانيّ: " يا ميجانا ... يا ميجانا". 

بداية قويّة لأغنية محفورة في الذاكرة، بعد ذلك قالت شيرين للجمهور اللبنانيّ: " خلّيكو طول عمركو حبّوا الفنّ والفنّانين، خليكّو حبّوا الحياة لأنّ الحياة بتحبّكو".

رقصت شيرين وتمايلت بفرح، لتقدّم بعدها أغنية "عوّدت عيني" الكلثوميّة مانحةً الجمهور جرعة بسيطة من الطرب استكملتها مع نغمات الشجن وأغنية "جرح تاني". عرّبت شيرين وأطربت كما لم تفعل من قبل، وكان أداؤها قمّة في التميّز.

سحابة صيف رومانسيّة منعشة خيّمت على الأجواء بعد ذلك مع أغنية "مشاعر"، لتشكر شيرين بعد الإنتهاء منها شادي عيّاش، صاحب شركة Ambiance Entertainment Group، الذي كان مسؤولاً عن تنظيم حفلها في بعلبك.

"إيه إيه وانا يعني غصبت عليك"، ولكم أن تتخيّلوا ماذا حصل في أرجاء المسرح عندما أدّت شيرين هذا الكوبليه من أغنية "لمّا أنت قادر على البعاد".

إيقاعات مميّزة إنتزعت تصفيق الجمهور وتمايله، لتدعو شيرين بعد ذلك شادي عيّاش على المسرح: "تعالَ يا شادي نرقص رقصة بعلبك"، فإذا بها تؤدّي برفقته خطوات "الدبكة" اللبنانيّة. 

 
تضيء شيرين شموع الرومانسيّة بعد ذلك من جديد وتطربنا:

"على بالي ولا أنت داري باللي جرالي
الليالي سنين طويلة سيبتهالي
يا إنشغالي بكلّ كلمة قولتهالي"

ردّد الجمهور كلمات هذه الأغنية عن ظهر قلب، لتفاجئه شيرين بعدها بجرعة رومانسيّة أخرى:

"كدة ... كدة يا قلبي يا حتّة منّي
يا كلّ حاجة حلوة فيّا
كدة... كدة حتمشي وتسيبني وحدي في الحياة والدنيا ديّا".

في هذه اللحظات تنطلق أنغام الفرقة الموسيقيّة، وتوجّه شيرين الميكروفون نحو الجمهور ليصدح الأخير بدلاً منها بمطلع أغنية "أنا مش مبيّنالو":

" آه آه آهاها... " تستمتع شيرين بآهات الجمهور، وتطلب من رئيس فرقتها الموسيقيّة أن يعيد المطلع مرّة ثانية. أغنية جميلة جداً إنتزعت فيها شيرين تفاعلاً مميّزاً من قبل جمهورها المتعطّش لصوتها العذب.

ليالي الصيف العليلة في قلعة التاريخ زادت حلاوتها بصوت شيرين وهو يدغدغ مشاعرنا برومانسيّة فائقة:

" يا ليالي روحي لحبيبي ونادي
وأمانة عليكي تقوليلو حالي إيه
من يوم غيابه وروحي رايحة عليه
ما نامتش عيوني وإن نامو بيحلمو بي"

 

نعم لبنان كرّم شيرين بوقوفها على مسرح "بعلبك"، فما كان من شيرين إلاّ أن ردّت التكريم بأغنية مهداة للبنان واللبنانيين، ومن الأرشيف الفيروزي إختارت نجمة مصر السمراء أغنية "بحبّك يا لبنان" فصفّق لها الجمهور كثيراً وبادلها التحيّة، وفي نهاية الأغنية إعتذرت شيرين على الأخطاء البسيطة التي إرتكبتها في عدم حفظ بعض كلمات الأغنية.

بعد ذلك، تحوّل المسرح إلى كتلة من التفاعل مع أغنية:

" ما بتفرحش غير لفرحك... ما بتحزنش غير لجرحك
ما بتتعبش غير لصالحك.... أنت عايش ليك وبس ...."
ويردّد الجمهور مع شيرين بصوت هزّ أرجاء القلعة:
"إنت إيييييييييه؟ بتحبّ لييييييييه؟ والحبّ عندك ما يساويش
إنت إيييييييييه؟ قلبك ده إيييييييه؟ بدقّ بس عشان تعيش"

وتتوقّف شيرين بعد ذلك عند محطّة طربيّة مميّزة، وأغنية "العيون السود" لودرة، وتُسلطِن:

"وبحبّك والله بحبّك .... والله والله والله بحبّك
قدّ العيون السود بحبّك.. وإنت عارف منته عارف قدّ إيه كتيرة وجميلة
العيون السود في بلدنا يا حبيبي..."

ونحلّق فوق سحاب الرومانسيّة من جديد مع أغنية "أنا كلّي ملكك"، ليفقد الجمهور صبره ويصرخ مطالباً شيرين بأغنيتها الشهيرة "صبري قليل" التي كانت أقوى فقرات الحفل تصفيقاً، ورقصاً، وتفاعلاً من قبل الجمهور. أشعلت شيرين بهذه الأغنية المسرح، وهزّت أرجاءه عندما وجّهت ميكروفونها أكثر من مرّة نحو عازف الطبلة لتجعل الجمهور يجنّ جنونه على إيقاعات تلك الأغنية المنعشة.

تقول شيرين بعد ذلك: "مش عاوزين تسمعو الطرب! ليردّ عليها البعض: "عايزين نرقص"، فلم تبخل شيرين عليهم وأكملت أجواء الرقص بأغنية "أنا مش بتاعة الكلام ده" التي كان تفاعل الجمهور معها مميّزاً أيضاً.

عودة إلى الزمن الجميل وأغنية "ساعات ساعات" لصباح، تلتها أغنية "دارت الأيّام" لأمّ كلثوم.

تكاد الكلمات لا تكون كافية لوصف أداء شيرين في تلك الأغنيتيْن، وهي نفسها قالت لدى الإنتهاء من أداء الأغنية الكلثوميّة: " إكتشفت أنّ السرّ في المسرح ده، هو اللي بخلّي الواحد يغنّي حلو كده!".

بعد الطرب تضرب شيرين موعداً مع الإيقاعات من جديد، وأغنية "مالك"، وكأمواج البحر ترتفع تارةً، وتهدأ تارةً أخرى تحكّمت شيرين بجمهورها، لتقدّم لهم بعد ذلك أغنيتها ذات الإيقاع الرومانسيّ الهادئ: "كتير بنعشق ولا بنقول".

 

وتستحضر شيرين على مسرح بعلبك الذكريات الجميلة، ونغمات صوت نجاة الصغيرة على طريقتها:

"عيون القلب سهرانة ما بتنامشي
لا أنا صاحية ولا نايمة ما بقدرشي..."

تعود شيرين إلى أغانيها القديمة المحفورة في ذاكرة جمهورها، وترفع نبرات صوتها بشجن في أغنية "بتوحشني"، وبعد الهدوء تأتي عاصفة "بصّ بقى عشان تبقى عارف" فيرقص الجمهور، ويترك مقاعده ليقف ويتحضّر لختام الحفل مع أغنيتيْن مميّزتيْن هما: "ما شربتش من نيلها"، ومش عايزة غيرك إنت".

كانت ليلة إستثنائيّة في حياة شيرين الفنيّة، وفي تاريخ مهرجانات بعلبك، وفي ذاكرة الجمهور اللبنانيّ الذي عاش حلماً جميلاً في ليل مدينة الشمس.

تصوير فوتوغرافي: علي كاظم