"إيلاف" من القاهرة: تُلقي "إيلاف" الضوء على سيرة حياة الفنان زكي رستم بإعادة نشر ما تضمنه الكتاب الذي صدر عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قبل سنوات. وهو أحد ألمع نجوم المسرح والسينما وأحد الفنانين الكبار الذين تصدّروا الأنشطة التمثيلية وخاصة السينما على مدار أربعين عاماً منذ عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف الستينيات، ونال عن جدارة شهرة كبيرة بقوة أدائه وخصوبة موهبته وسطوة شخصيته الفنية وقدرته الفائقة على امتلاك زمام الموقف دون مبالغة أو إفتعال. 

نشأته
ولد زكي رستم واسمه الكامل زكي محرم محمود رستم في 25/3/1903. كان أبوه محرم بك رستم من أعيان الريف ومن كبار المزارعين بمحافظة المنوفية وعضواً بارزاً بالحزب الوطني. 
ولقد نشأ في قصر جده اللواء محمود باشا رستم الذي كان من قادة الجيش المصري بحي الحلمية الجديدة بالقاهرة والذي كانت تقطنه الطبقة الراقية في أوائل القرن العشرين. وانتظم في صغره بالتعليم الأولي وواصل بنجاح حتى نال شهادة البكالوريا الثانوية العامة في العام1924
عشق التمثيل منذ صغره. فقد حفرت مشاهدته لمسرحيات جورج أبيض صورة لا تمحى من مخيلته. إذ أنه أُعجِبَ بشخصية هذا الممثل العظيم الذي نال تقدير وإعجاب الشباب المثقف بسبب شخصيته المهيبة وحضوره الطاغي علي المنصة منذ عودته من بعثته من فرنسا واحترافه التمثيل في العام 1912. إضاقة إلى كونه مشجعاً للهواة، وضم إلى فرقته لفيفاً من الشباب المتعلم في مبادرة كانت آنذاك غير مسبوقة في تاريخ المسرح.


بطل رياضي
وكانت هوايته الرئيسية "حمل الأثقال"، الذي أصبح من خلالها رياضياً من الطراز الأول. فقد بدأ يمارسها منذ صغره حتى أصبح من أبطالها المهمين في مصر وفاز في العام 1922 بالبطولة الثانية. فأتاح له تفوقه في هذا المجال الفرصة لإبراز موهبته التمثيلية التي لم يعلن عنها حتى ذلك الوقت. حيث أنه في إحدى الحفلات التمثيلية بالمدرسة الخديوية الثانوية بالقاهرة كات الحاجة ماسة إلى طالب رياضي يجيد التمثيل. فأسند مدرب الفريق هذا الدور إلى الطالب زكي رستم الذي قام بأدائه علي أحسن وجه.

خيار صعب
وعقب حصوله على شهادة البكالوريا، حانت لحظة الاختيار، وهي لحظة حاسمة في حياة أي إنسان في مثل ظروفه. اذ يتوقف عليها مستقبله ومصيره، كشاب طموح معتد بذاته وبكرامته مثل زكي رستم الذي عبر مراحل الدراسة المتعاقبة بنجاح، وكان من المتوقع أن يواصل تعليمه العالي شأن الكثيرين من أبناء الطبقة الراقية الطامحين لتولي مناصب حكومية هامة أو الإهتمام فيما بعد بالأعمال الحرة. ولقد كان بوسعه الإلتحاق بالمدرسة الحربية ليتخرّج ضابطاً في الجيش مثل جده أو يلتحق بكلية الحقوق ليعمل بالمحاماة اويلتحق بالنيابة العامة بعد تخرجه أو ينخرط في العمل السياسي ولاسيما وأن والده كان من المقربين لزعيمي الحزب الوطني مصطفى كامل ومحمد فريد، لكن هواية التمثيل وعشق المسرح كانا أقوى من أي طموح آخر ربما راوده على عتبة المرحلة الجامعية. والملفت أن حبه للفن تخطى تقاليد الأسرة العريقة والتي تنتمي في مجملها لميراث الطبقة الأرستقراطية والتي لا تسمح أبداً لأي من أبنائها أن يتخذ من التمثيل حرفة أو حتى هواية.

فرقة الهواة 
بدأ رحلته مع المسرح في العام 1924 بفرقة جورج أبيض بعد فترة قصيرة أمضاها بإحدى فرق الهواة، واستطاع أن يشق طريقه بنجاح منذ عامه الأول حتى أصبح من الممثلين المتميزين رغم صغر سنه. وانتقل إلى فرقة رمسيس ثم فرقة فاطمة رشدي فاتحاد الفنانين واستقر به المقام بالفرقة القومية المصرية عام 1935.

جورج أبيض
لم يسعَ هذا الممثل في شبابه لاحتراف التمثيل في مطلع حياته الفنية، لكنه لفت الأنظار إليه بموهبته الواعدة. فذات ليلة في العام 1924 شاهده الفنان عبدالوارث عسر في حفل لفريق من الهواة المعروفة وما أن رأه الرائد المسرحي الكبير جورج أبيض في إحدى حفلاتها حتى عرض عليه الإنضمام لفرقته التي كانت واحدة من أكبر الفرق في ذلك الوقت والتي كانت تضم طائفة من الفنانين المعروفين وعلى رأسهم جورج أبيض وزوجته دولت أبيض وسليمان نجيب وبشارة واكيم ومحمد عبد القدوس وحسين رياض وعبد الفتاح القصري وفردوس حسن وماري كافوري وغيرهم. وفي الموسم المسرحي 24- 1925 قدمت فرقة الأبيض العديد من المسرحيات المؤلفة والترجمة التي اشترك "رستم" في تمثيل معظمها.

رمسيس
إلا أن عضويته بفرقة "أبيض" لم تطل. فقد انضم في العام 1925 لفرقة رمسيس وهي فرقة يوسف وهبي التي دوت شهرتها وحققت نجاحاً طيباً بفضل ما قدمته من عروضٍ حافلة بالمليودراما والفواجع الإجتماعية والتاريخية التي كانت تستهوي ذوق الجمهور وتثير مكامن الحزن والشجن وتستدر دموعهم على ضحايا الظلم والقهر.
وفي هذه الفرقة شق زكي رستم طريقه بنجاح، وأكد حضوره وجدارته إلى جانب نجومها أمثال يوسف وهبي وعزيز عيد وفاطمة رشدي وأمنية رزق وفردوس حسن وعلوية جميل وغيرهم.
ومن الأعمال العديدة التي شارك في تمثيلها بفرقة رمسيس "كرسي الاعتراف"، "الوطن"، "راسبوتين"، "المائدة الخضراء"، وغيرها، والطريف حقا أن "وهبي" ظل يعامله كممثل هاوي يتقاضي عن عمله بالفرقة أجراً أو يمنحه جنيهات قليلة رفض الفنان الشاب تسلمها بكبرياء وظل يعمل بلا مقابل حتى العام 1928 عندما قرر له صاحب فرقة رمسيس راتباً مناسباً.



فاطمة رشدي
وانفصل عن هذه الفرقة في العام 1930. وكان قد اعتكف لعدة اسابيع في بداية موسم الشتاء من العام 1929 حزناً على وفاة شقيقته. ثم انضم الفنان إلى فرقة فاطمة رشدي حيث اتيحت له فرص أفضل لأداء أدوار البطولة امام فاطمة رشدي بطلة الفرقة وصاحبتها، والتي كانت تعتبر المنافس الاول لفرقة رمسيس يوسف وهبي التي كانت لا تزال تقف في مقدمة الفرق المسرحية في ذلك الوقت. حيث أن الفرقتين تميّزتا بتقديم أعمال جادة ومحترمة حظيت بتقدير الجمهور بفضل قيادة عزيز عيد الفنية للاولى وشعبية النجمة فاطمة التي أطلقت عليها الصحافة لقب صديقة الطلبة لتقديمها حفلات مخفضة الأسعار للطلبة. فضلاً عن لقب سارة برنار الشرق اعترافاً ببراعتها في الأداء وتفوقها كواحدة من ألمع فنانات المسرح المصري.

إتحاد الممثلين
ولقد أمضى "رستم" موسم 30- 1931 بفرقة فاطمة رشدي وشارك أثناءها في بطولة عدة مسرحيات. ثم انضم في العام التالي إلى فرقة إتحاد الممثلين التي تكونت بإعانة كبيرة من الدولة لحلّ أزمة المسرح التي بلغت ذروتها في الثلاثينات بهدف إنقاذ الفنانين الذين توقفت فرقهم من غول البطالة. وعيّن جورج أبيض مديراً للفرقة وزكي طليمات مديراً فنياً وانضم إلى الإتحاد عدداً كبيراً من ممثلي الفرق المنحلة وشارك زكي رستم في تمثيل العديد من المسرحيات خلال موسمها الوحيد الذي انحلت في نهايته بسبب تفاقم الوضع وعدم الإنسجام بين أعضائها.

القومية المصرية
وفي العام 1935 إنضم للفرقة القومية المصرية التي أسستها الدولة بقرارٍ وزاري في29 أغسطس 1935 كحلّ لأزمة المسرح. وكانت أول فرقة تمولها الدولة وتشرف عليها إشرافاً كاملاً. علماً أنها تضمنت كوكبة من ألمع الفنانين برئاسة الشاعر خليل مطران وفي مقدمتهم جورج أبيض وعزيز عيد، وزينب صدقي، وفردوس حسن.
إشترك زكي رستم في تمثيل مسرحية الإفتتاح وهي "أهل الكهف" وأدى فيها دور الملك ثم توالت أعماله بالفرقة القومية والفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى التي حلّت محل القومية عند إعادة تنظيمها في صيف 1942 وفي نهاية 1945 استقال من الفرقة ليتفرّغ لنشاطه السينمائي المتزايد وكان زكي رستم يعد في تلك الفترة نجماً من نجوم الشاشة الفضية المعدودين.

إنطلاقة سينمائية
ولم يقتصر نشاطه على المسرح فقد كان من طليعة العاملين بالحقل السينمائي وكان معظمهم في ذلك الوقت من فناني المسرح الذين قدمهم المخرجون منذ مولد السينما المصرية اذ اختاره المخرج محمد كريم في العام 1929 ليشترك في بطولة فيلم "ليلى" فلفت الأنظار إليه وتوالت أفلامه. وسرعان ما أصبح من نجوم السينما اللامعين وظل يزاول نشاطه في المجالين معا المسرح والسينما وفي عام 1946 استقال من الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي وكانت أقدامه قد رسخت في مجال السينما حتى أنه قام في فترةٍ قصيرة ببطولة عدة أفلام منها "السوق السوداء"، "النائب العام"، "عدو المرأة"، "هدمت بيتي" وغيرها. 
تتابع "إيلاف" سيرة حياة "زكي رستم" في حلقةٍ ثانية ستنشرها غداً