"إيلاف" من القاهرة: ضمن سلسلة النوستالجيا بالأبيض والأسود التي تنشرها تباعاً، تُلقي "إيلاف" الضوء اليوم على موقفٍ طريف ومُحرِج تعرّضت له الفنانة الراحلة أمينة رزق خلال مشوارها الفني.
فقد إشتركت في أول عمل مسرحي مصري فرنسي بعنوان "فيدرا" الذي عُرِضَ على أكبر مسارح الشانزلية. وهو العمل الذي تعاون بإنتاجه المسرح القومي والمسرح الفرنسي بعد لقاءٍ جمع بين رئيسي البلدين آنذاك، وقُدِّمَ في باريس بممثلين مصريين منهم سميحة أيوب وعبد الله غيث، وبإخراجٍ فرنسي حيث قوبل بحفاوةٍ كبيرة، ليس لكونه مأخوذاً عن رواية عالمية فحسب، ولكن، بل لأنه واحداً من العروض القليلة التي قُدِّمَت باللغة العربية على المسرح الشهير.

والجدير ذكره، أن أمينة رزق التي زارت باريس قبل أكثر من عقدين لتقديم عروض مسرحية مع فرقة يوسف بك وهبي، كانت منهمكة في البروفات نهاراً وفي العروض ليلاً. وهي أول الواصلين إلى المسرح يومياً وآخر من تغادره. فرغم خبرتها الطويلة إلا أنها كانت تشعر بالرهبة كل ليلة تقف فيها أمام الجمهور.

ولم تكن هذه الفنانة الراحلة تخرج من الفندق الذي تقيم فيه سوى للانتقال إلى المسرح ذهاباً وإياباً بالسيارات التي خصصتها فرنسا للممثلين المصريين. وفي اليوم ما قبل الأخير رغبت في التسوق، باعتبارها تأتي إلى باريس للمرة الثانية بعد غيابٍ دام أكثر من عقدين وكانت تريد شراء تشتري الهدايا لأصدقائها. فتمكنت من اختلاس عدة ساعات لكي تتسوق، وقررت الخروج على أن تعود للمسرح مباشرةً وتضع ما اشترته في غرفتها.


خرجت أمينة وتأخرت على المسرح، وصل الجميع ولم يجدوها كعادتهم. اتصلوا بالفندق فأخبروهم بأنها غادرت منذ فترة طويلة، فبدأ الشك يدخل في نفوس زملائها، لأنها بطبعها ملتزمة واعتادوا على تواجدها قبل الجميع بجميع العروض، فتوقعوا أنها تعرضت لمكروه وخافوا عليها لأنها خرجت بمفردها من الفندق! وبينما تزايد القلق مع اقتراب رفع الستارة عن المسرح، دخلت عليهم فسألوها بصوتٍ واحد: "خير يا أمينة ايه اللي حصل؟"
لم تتمالك نفسها من الضحك وارتفع صوتها، صحيح أنهم يعرفون طبيعتها الضاحكة حتى في المواقف الصعبة، لكن الشعور بالقلق كاد يقتلهم خاصة أنهم في الغربة وليسوا في مصر، فسيطرت على ضحكتها المرتفعة وأخبرتهم ما حدث معها والدموع تملأ عينيها. وقالت: "لما جيت مع يوسف بيه كان من عشرين سنة وطبعاً كنا بناخد مصروف جيب ومعرفتش أجيب أي حاجة بسبب ضغط الشغل والبروفات أكثر من 12 يومياً وسافرنا بعدها وفضلت شايلة الفلوس معايا في مصر على أمل أني لما اجي هشتري بيهم حاجات كثير وطبعاً كانوا مبلغ كبير، النهارده نزلت اشتري هدايا وحاجات عجبتني من المحلات بالفلوس دي بس الفرنسيين فاجأوني، وقالولي أن الفلوس دي اتلغت من زمان وطلع بعدها أكثر من عملة وانها متساوش شيء".
وأنهت حديثها وهي تواصل الضحك عما حدث معها وتحولت نظرات القلق التي كانت في أعين المحيطين بها إلى نظرات استغراب، ولم يقطع لحظات الصمت سوى قولها: "والله ما هرجع بفرنك فرنسي واحد بعد اللي حصل دي عملة مالهاش أمان، يلا يا جماعة مش عاوزين نتأخر على المسرح انا لازم البس".

وصعدت"رزق" على المسرح، وقامت بشراء مستلزماتها في اليوم الأخير بعدما حصلت على العملة الفرنسية الجديدة. لكن المفارقة أنها عندما وصلت إلى منزلها في مصر وجدت بداخل حقيبة السفر فرنكات نسيت استبدالها في المطار قبل مغادرة باريس كما فعلت في الأموال التي بقيت معها عندما سافرت مع يوسف بك وهبي قبل عقدين من الزمن.