فقد الفن المصري والعربي الاسبوع الماضي واحدة من اهم نجماته واكثرهن إنتاجاً، هي الفنانة القديرة مديحة يسري التي رحلت عن عمر يناهز97 عاماً بعد صراع مع المرض، إيلاف تلقي الضوء عبر عدة حلقات على مسيرة مديحة يسري الفنية وحياتها.
انفصال وزواج
خلال تصوير فيلمها الاول "أحلام الشباب" تعرفت مديحة يسري على يوسف بك وهبي الذي كان مشاركاً في العمل فنشأت بينهم صداقة قوية، وتعلمت منه الكثير، فكان الصديق والاب بالنسبة لها فنياً، وتنسب له دائماً تعلمها مهارة حفظ الحوارات الطويلة والتي كانت تجد صعوبة فيها بالبداية، فيما تشيد بقدرته على التعامل معها واحتوائها ببدايتها وتشجيعها وإزالة رهبة الخوف منها.
كان الفيلم بمثابة نقطة الانطلاق التي استغلتها مديحة جيداً، فقبل أن تنتهي من تصويره وقع اختيار حسين صدقي عليها لتشاركه في بطولة فيلمه "العامل"، بينما وقعت تعاقد لتقديم ثلاث افلام مع يوسف وهبي وتوجو مزراحي من خلال شركتيهما، لكن سوء الحظ لاحق فيلم العامل الذي اغضب الملك واعتبرته الحكومة تحريضياً فرفع من الصالات قبل أن يكمل اسبوع عرضه الأول.
كانت مديحة على موعد م النجومية والحب أيضاً، فخلال تصوير "أحلام الشباب" كانت علاقاتها تتوطد بالفنان محمد أمين الذي كان يحرص على اهدائه اسطوانته قبل صدورها، ويتحدث معها ويتواجد في البلاتوه على الرغم من عدم وجود ارتباطات لديه ليكون إلى جوارها فحسب، في إطار الصدف فكان يعرف مواعيد اوردرات التصوير الخاصة بها وينتظرها.
في تلك الفترة، اعجب اثنان بمديحة يسري والتي كانت تتحدث الصحافة عن النجومية التي تنتظرها الأول هو محمد أمين والثاني هو عباس محمود العقاد والذي ذهبت إليه في صالونه الثقافي فخطفه جمالها لدرجة ان كتبه روايته الوحيدة سارة من وحي علاقاتهما التي قررت مديحة قطعها في لحظة فارقة بعدما ادركت حبه من طرف واحد ورغبته في ابعادها عن المجال الفني، ففقي لقاءاته الاسبوعية التي كان ينظمها بمنزله كانت تتردد سمراء النيل عليه من أجل توسيع خلفيتها الثقافية، فكانت تصمت لتسمع أحاديث الكبار، وكان العقاد في عمر والدها، وعندما وجدت انه تعلق بها قررت الرحيل عن المجلس والتوقف عن الذهاب إليه.
أما أمين فقد قرر التقدم لها والارتباط بها، وهي الفتاة التي كان يرغب والدها في تزويجها بعدما بدأ يخشي عليها من أضواء الشهرة، ووافقت بعدما احبته وتعلقت به ووجدت فيه الرجل الذي يدعم موهبتها ويساندها في عملها بعد والدها الذي اقتنع بأهمية الفن والدور الذي تقوم به ابنته بعدما شاهد كتابات النقاد عنها واشادات الجمهور بها.
تزوجت مديحة يسري من محمد أمين بعد قصة حب بين بلاتوهات التصوير، قصة حب كانت والدتها شريكة فيها بحكم مرافقتها لها في البلاتوه خلال التصوير وهو الشرط الذي وضعه والدها أمامها لكي تستمر في العمل بالتمثيل، وهو أن تظل والدتها مرافقة لها كظلها، فرغم النجومية التي حققتها وبلوغها سن الرشد إلا أن والدتها كانت مثل ظلها لا تفارقها إلا في جلسات صديقاتها فحسب.
المفارقة أن محمد أمين جمعته قبلة مع مديحة يسري في فيلم "تحيا الستات" وهي اول قبلة تقوم بتقديمها في السينما وكانت تخشاها بشدة وظلت تفكر فيها منذ موافقتها على العمل، فكان تصوير مشهد القبلة بمثابة اعلان الاستسلام لحبها له بالرغم من انه استغرق في التصوير اكثر من 3 ساعات بسبب شدة خوفها منه وتوترها الذي جعلها تطلب اخراج غالبية العاملين من البلاتوه لشعورها بالإحراج.
تزوجت مديحة من محمد أمين لنحو 3 سنوات قدما خلالها سوياً مجموعة من الافلام السينمائية من خلال الشركة التي قاما بتأسيسها وكانت بفكرة من مديحة التي كرست حياتها لفنها وزوجها، لكن السعادة لا تستمر دائماً، فكانت خيانة محمد امين لها وكثرة سهره وعودته للمنزل مخموراً قبل الفجر وعدم تركيزه في عمله أسباباً كافياً لها لتطلب الطلاق من زوجها الذي لم ترزق منه بأبناء.
كانت مراهنات أمين على الخيول وخسارته أمواله وعدم تركيزه في عمله أسباب اخرى جعلت من مديحة تطلب الطلاق بعدما يئست من محاولاتها المستمرة لاقناعه بالعدول عن المسار الخاطئ الذي يسير فيه، فهي حاولت مراراً وتكراراً إصلاح حياته لكن هذا الإصلاح لم يكن ممكناً.
كان فيلمهما "غرام بدوية" آخر فيلم يجمعهما سوياً خاصة بعدما فشلت مديحة في اقناع زوجها بالتوقف عن المراهنات فانفصلت عنه في هدوء، وقامت باستئجار شقة لتقيم فيها بمفردها، لكن هذه الاقامة لم تدم طويلاً بعدما نشات قصة حب بينهما وبين دنجوان السينما انذاك الراحل أحمد سالم الذي تعرفت عليه للمرة الأولى خلال مرافقتها لزوجها في احد سهراته وكان سالم انذاك متزوج من الفنانة تحية كاريوكا التي انفصل عنها ايضا في نفس توقيت انفصال مديحة وأمين ليكون بطل ثاني زيجاتها.
توطدت علاقة مديحة وسالم قبل الزواج خلال الفترة التي سافرت فيها إلى الاسكندرية لقضاء أجازة تحاول فيها التخلص من أحزانها، أجازة دامت اكثر من 3 أسابيع وعادت فيها ببطل قصة حبها الجديد احمد سالم الذي عملت مع ايضا وكان اول افلامهما سوياً من إخراجه وإنتاجه.
تغيرت مديحة وتطبعت بطباع احمد سالم، فهي اصبحت ضيفة على حفلات السمر الفنية المختلفة، كما كانت دائمة السفر برفقته ما بين الاسكندرية والفيوم واوربا وغيرها من المدن فكان السفر والسمر هما الهوايتان التي جمعتهما حتى رحل سالم بعد صراع مع المرض، فكانت صدمة إنسانية صعبة عليها لم تستطع الخروج منها إلا بالعمل المكثف والتنقل بين البلاتوهات محاولة التغلب على أحزانها.
في جميع احاديثها اللاحقة عن علاقاتها بأحمد سالم اختارت مديحة يسري أن تتحدث عنه بحب فهو الوحيد من بين أزواجها الذي اكدت أنه لم يقم بخيانتها، وهو الوحيد الذي ربما احبته بإخلاص فبقيت إلى جواره في اصعب ايام حياته قبل وفاته حيث عاني من مشكلات صحية لم يستطع الاطباء التعامل معها.
عاشت مديحة يسري حالة حزن استمرت شهور، فالأرملة التي لم تكمل عامها الثلاثين رحل الرجل الذي احبته بصدق، الرجل الذي بالرغم من ولعه بالنساء كانت تثق في أنه لا يخونها، الرجل الذي لمس بأسلوبه وطريقته قلبها، حتى في تعامله مع طليقته الفنانة تحية كاريوكا التي احتفظ بصداقة معها حتى رحيلها.
بقيت مديحة في منزلها نحو عام وهجرت الشهرة والأضواء وعاشت في حزن كبير قبل ان تخرج منه بمساعدة زميلها محمد فوزي الذي تعرفت عليه لتبدأ معه قصة حب جديدة كانت اشهر قصة حب بين نجمين في خمسينات القرن الماضي.