إيلاف من برلين: وسط المشهد السياسي المرتبك في فلسطين، شهد مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ74، العرض الأول للفيلم الفلسطيني الوثائقي، "لا أرض أخرى"، لصحافيَين وناشطَين سياسيين، أحدهما الفلسطيني باسل عدرا، والآخر الإسرائيلي يوفال إبراهام.
الفيلم يروي قصة "مسافر يطا" وهو تجمع من 20 قرية تقع جنوب الضفة الغربية، تحديدًا في محافظة الخليل، التي يعاني سكانها من تضييق الخناق واعتداءات المستوطنين، طمعًا في إخلاء منازلهم وتخليهم عن أراضيهم للاستيلاء عليها.


الفيلم الوثائقي شارك بمسابقة بانوراما في مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ74 وفاز بجائزتي "أفضل فيلم وثائقي" في المهرجان، بالإضافة إلى "جائزة الجمهور" في برنامج "البانوراما" لأفضل فيلم وثائقي.
إيلاف التقت بباسل عدرا خلال فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي، وتحدثت معه عن الفيلم الذي استغرق إنتاجه 5 أعوام، وعن مخاوفه حول التعاون مع ناشط إسرائيلي، وأشياء أخرى.

هل راودك القلق والخوف من فكرة التعاون مع ناشط وصحافي إسرائيلي؟
- نعم. في الواقع يوجد عدد قليل جدا من الإسرائيليين في المجتمع الإسرائيلي ممن يقفون ضد الاحتلال وآلة القمع الموجودة بالمنطقة. لكن هذا الشيء لم يقلقني بقدر ما منحني القوة، لأن كل شخص يقف معنا من تلك الجهة يعطينا قوة، ونحن نرحب بأي شخص يعلن وقوفه ضد ما يحدث ويضم صوته إلى صوتنا ويساندنا وينضم إلينا.

لم توضح في نهاية الفيلم هل عائلتك تركت المكان أم لا؟
- عائلتي موجودة هناك. نحن تجمع من 20 قرية في منطقة "مسافر يطا"، ويوجد أيضا المزيد من القرى بحسب المنطقة، وهي كلها تجمعات لفلاحين ومزارعين، والإسرائيليون يحاصرون تلك المناطق بمستوطنات وبمعسكرات للجيش.
عائلتي بشكل خاص، والمجتمع الذي أنا منه، لم نترك المكان حتى الآن. لكن ثمة 6 تجمعات من جنوب الضفة الغربية ترك سكانها منازلهم منذ شهر أكتوبر الماضي.
حدثنا عن فكرة الفيلم من البداية، ومتى قررت استكمال التصوير، وبدء رحلة المهرجانات. وهل كانت مسألة الاشتراك في مهرجان برلين مطروحة منذ البداية، وهل ساهم موضوع غزة في تعجيل إنجاز الفيلم؟
- موضوع غزة لم يساهم في التعجيل بالفيلم، لأننا كنا وضعنا خطة بأن ننهي العمل على الفيلم في شهر أكتوبر أو نوفمبر. كانت فكرة انجاز فيلم مطروحة منذ البداية قبل 5 سنوات.
الفكرة في الأصل بدأناها من أجل دعم مجتمعات "مسافر يطا" التي نسكنها. هذا شكّل جزءاً من نشاط الفيلم، لذا كان من الضروري الانتهاء منه لنجعل المجتمعات الغربية تشاهد ما يجري، وخصوصا الذين يدعمون الكيان المحتل بالسلاح والأموال، لتعلم تلك الشعوب ماذا ترتكب حكوماتها بدعمها هذا الكيان عسكريا وماليا. والهدف من ذلك الضغط لفرض عقوبات على إسرائيل ووقف مدها بالسلاح والأموال ووضع حد للاحتلال.
قدمنا إلى مهرجانات عدة من بينها برلين، ولم يكن موضوع غزة مدرجاً في خطة الفيلم، لكن الحرب وقعت في الشهر العاشر فألقت بظلالها على الفيلم.



بصفتي مهتما بالقضية الفلسطينية وأعرف تفاصيلها ، لم أشعر بأن الفيلم لمسني من الداخل. هل كان في بالكم من البداية أن الفيلم موجه للغرب؟
- لأكن صريحا، لم يكن ذلك في بالنا بنسبة 100%، إنما إلى حد كبير. نحن كفلسطينيين نعرف أن الدول والشعوب العربية مطلعة على ما يحدث في الواقع، لكنها للأسف لا تفعل الكثير لكي تساندنا كفلسطينيين، نرى أن الدول المؤثرة هي بريطانيا وألمانيا وأميركا، وهي التي تمد إسرائيل في الأساس بالسلاح، وقد رغبنا في أن يرى الناس في هذه الدول ماذا يفعل الجيش الذي يدعمونه بالسلاح والأموال.

هل وفّر وجود شركاء إسرائيليين في الفيلم،الحماية أو القبول في المجتمع الغربي والأميركي؟
- من الممكن أن يكون وجودهم فعل ما تقوله بعض الشيء. لست عضوا في كل اللجان التي تختار الأفلام، ولا أعرف سبب رفض مشاركتنا في بعض المهرجانات، مثل "صانداس" الأميركي. كنا نتوقع قبولنا هناك لكن الفيلم رُفض، ولا نعلم السبب.


بصفتك ناشطا وصحافيا، كيف عملت على فكرة تقديم فيلم وثائقي، علما أن انطباعا تكوّن لديَّ خلال المشاهدة بأنك صوّرت مواد كثيرة ثم استخدمتها بعد ذلك لتناسب الفيلم وليس العكس. حدثنا عن هذا الموضوع.
- عندما بدأنا التصوير لم يكن الفيلم كله من تصويري، أنا صورت أجزاء والآخرون صوروا أجزاء أخرى، علما أنه يوجد أرشيف في المنطقة منذ 20 عاما. هدفنا منذ البداية سياسي أكثر منه سينمائيا والمشاركة في مهرجانات. كنا نرغب في إيصال ما يحدث إلى الجمهور. وقد اعترضتنا صعوبات حيال ما نختاره للعرض.
بدأ تصوير الهدم والاعتقالات والاقتحامات في منطقتنا منذ أكثر من 20 عاما، فكان لا بد من العمل على فرز ذلك الكمّ من الصور لتظهير قصة. في الصحافة نكتب المقالات، لكننا رغبنا في إظهار السياسة التي نصورها، ولم يكن الأمر سهلا في اختيار المشاهد التي صورناها. كما كان هناك صعوبة في اختيار نهاية للفيلم، لأن لا نهاية للواقع. كنا نرغب في نهاية توثيقية.

الانطباع الذي تكوّن لديّ أن هناك عائلات مهددة، وعليها أن تختار بين الاحتلال أو المغادرة إلى التجمعات العمرانية خارج المكان. هل تشعر بأن اليأس بدأ يدب لدى الناس وخصوصاالأجيال الجديدة؟
- صحيح، الموضوع يتعلق بالأجيال، لكنه أيضا يتعلق بالواقع، وهذا الواقع مستمر. كل يوم، تتكرر الوقائع نفسها، لكن الواقع يزداد سوءا، والهدم يتفاقم. ما شاهده والدي قبل 20 سنة نراه نحن اليوم ولكن أصبح أسوأ بكثير. لقد وصل الضغط إلى مستوى لا يمكن تحمله.
هل ترى أن ذلك المستوى بلغ مرحلته القصوى؟
- ربما لا، لكنه بلغ مراحل متقدمة، والأمر بات بالغ الصعوبة. الضفة الغربية مقسمة إلى أكثر من جزء (أ و ب و ج)، ونحن في منطقة يسيطر عليها الجيش والمستوطنون بنسبة 100%، ولا توجد أي حماية. وقد يتخيل الأشخاص هناك حصول أمور هي لا تحدث فعلا، وذلك بسبب الخوف والرعب، فيقررون الخروج من المنطقة.