في الندوة النقدية الرابعة بمهرجان دبي الدولي للشعر
قصيدة النثر في الميزان
وجد عبد النور من دبي : خمسون عاماً مضت على تدشين قصيدة النثر كشكل احتجاجي إبداعي على سطوة الوزن الذي قالت به قصيدة التفعيلة، التي كانت بدورها احتجاجاً إبداعياً على سطوة ما اصطلح بتسميته بعمود الشعر الكلاسيكي.
ورغم مرور نصف قرن من المجادلات الإبداعية لا يزال هذا الشكل الشعري إشكالياً مثيراً للجدل، ما جعل مهرجان دبي الدولي للشعر يفسح للجدل حوله مساحة للحوار في ندوة عقدت صباح اليوم بمسرح مدينة جميرا، حملت عنواناً إشكالياً أخر هو quot;قصيدة النثر: سقف لإبداع المرحلةquot; والتي أدارها الشاعر الإماراتي المميز إبراهيم محمد إبراهيم، وشارك فيها كل من الباحث والناقد الأدبي المعروف الدكتور صالح هويدي، والشاعر والباحث العراقي المعروف الدكتور علي جعفر العلاق، حيث طرحا رؤيتين تصبان في مصلحة قصيدة النثر إجمالاً.
قدم إبراهيم محمد للندوة تقديماً شاعرياً أوحي منذ البداية بانحياز الندوة للنمط الإبداعي المتمرد على سلطات النصوص الجاهزة والأنماط سابقة التجهيز باسم العرف حيناً وباسم سطوة quot;قبيلة الإبداعquot; حيناً. وقال إبراهيم إن النص الشعري في قصيدة النثر متمرد وإشكالي ومطروح منذ نصف قرن، ما يجعله جديراً بالثناء والتحية.
ثم قدم الدكتور صالح هويدي مداخلة نقدية حول فكرة التمرد الشعرية في الإنسان، فقد ساد نمط القصيدة الكلاسيكية زمناً طويلاً وفتح للباحث قوساً يبدي اعتراضه على تسمية القصيدة العمودية أو قصيدة الشطرين بالقصيدة التراثية لأن ذلك يعني إخراج أنماط إبداعية أخرى كالموشحات والمربعات والمخمسات من دائرة التراث، وأغلق القوس ثم قال: إن السطوة الشعرية للقصيدة العمودية تعرضت لتمرد فني قام به أصحاب قصيدة التفعيلة الذين حرروا القصيدة من القافية الواحدة ولكنهم التزموا بالوزن والإيقاع.
وبعد عقد واحد من بروز قصيدة التفعيلة ظهر تمرد شعري أخر هو قصيدة النثر التي عاشت نصف قرن دون أن يتمرد عليها أحد ربما لأن البعض لا يزال يعترض عليها ولا يعترف بها، وتساءل هويدي: هل وصلت هذه القصيدة إلى منتهى شاعريتها ولم تعد قادرة على طرح نمط جديد أو أنها دخلت مرحلة الخطر مع وجود غثاء شعري كثير ينتمي إلى قصيدة النثر لا يمتلك أصحابه الموهية الشعرية الكافية لإبداع قصيدة.
وأكد أن الجدل الدائر حول قصيدة النثر ومدى مشروعيتها الفنية ترك المتن وانشغل بالهامش تحت وطأة الأيديولوجيا التي تصادر حق الآخر ولا تنصت للذائقة الفنية وضرورات الفن جمالياً واجتماعياً ونفسياً، وقال إن النقاد العرب القدامى كانواأكثر مرونة منا في التعامل مع النص الأدبي فلم يقفوا عند حد نمط معين بل اعترفوا بالإبداع وطربوا له نظماً كان أو نثراً أو شعراً.
وأشار إلى أن الشعر ظاهرة فنية ذات علاقة جدلية بين واقعها وتحولاتها الاجتماعية والثقافية وعلينا أن ندرك هذا الواقع وهذه التحولات ونحن نرصد قصيدة النثر، وقدم إطلاله تاريخية عن رغبة الشاعر الدائمة في التجديد مقدماً نصاً فرعونياً يعود إلى ألفي سنة قبل الميلاد يقول كاتبه فيه:
ليتني أمتلك عبارة ليست معروفة غريبة
ولغة جديدة لم تستعمل
لدى القدماء.
ودعا هويدي شعراء قصيدة النثر إلى عدم استسهال الكتابة بل التجديد دائماً والمغامرة بشكل مستمر وتطوير الأدوات الفنية حتى لا تسقط قصيدة النثر في النثر نفسه.
وقال الشاعر العراقي علي جعفر العلاق، إن قصيدة النثر مثلت في أفضل مستوياتها فضاءً جديداً يضاف إلى منجزات المشهد الثقافي العربي شعرياً ومع أنها لم تبدأ متأخرة كثيراً عن قصيدة التفعيلة إلا أنها بدأت في تمردها على الشكل القديم حداً أقصى، وأضاف أن المشهد العربي بلغ في مرحلته الحديثة مبلغاً من النضج يضعه مع أرفع مستويات العالمية الشعرية وذلك عبر قصائد السياب، والبياتي، وأدونيس، والماغوط، ومحمد عفيفي مطر، وصلاح عبد الصبور، وخليل حاوي وآخرين،
وقال العلاق ولكن المشهد لا يظل بهيجاً حتى النهاية مع الفوضى التي تضرب في جوانب المشهد الشعري في الوقت الراهن حيث إن كثيراً مما كتب أو يكتب عن قصيدة النثر يمثل واقعاً مربكاً ومرتبكاً لهذا النمط الشعري الذي تمتلئ به صفحاتنا الأدبية والمهرجانات الشعرية وهو يشير إلى خلل واضح في فهم الشعر وكتابته وصلته بالحياة. إنه تداخل النسر الشعري بقصيدة النثر.
وأشار إلى أن حيوية قصيدة النثر لا تنشأ إلا من اتحاد قوتين متناقضتين هما الفوضى المدمرة والتنظيم الفني على حد قول سوزان برنار أفضل من كتب عن قصيدة النثر. فمن أين يتأتى لقصيدة النثر حيوية كهذه وهي تضرب في النثر شيئاً فشيئاً مدفوعة بقوة الفوضى بعدما عجز شعرائها على الهيمنة عليها بقوة التنظيم، وإذا كانت برنار تقول ما أصعب أن تكون شاعراً في قصيدة النثر بفرنسا فماذا نقول عن واقعنا الشعري العربي ومعظم ما يكتب للآسف تحت اسم قصيدة النسر هو نسر رخو يفتقد للغة المزدهرة والأداء المفعم بالمفاجآت، لقد نسى كثيرون من نقاد قصيدة النثر أن الموهبة العظيمة هي التي تحقق حريتها الكبرى وفضائها المترامي.
وبعد المداخلتين ناقش الجمهور المنصة حول التعريف الدقيق لقصيدة النثر وممكناتها ومستقبلها.
التعليقات