وجد عبد النور ndash; دبي: ضرورة الشعر في الحياة وهل تراجع لحساب الرواية أم نه لا يزال يقاوم متسلحاً بفتنة الكتابة بحثاً عن قارئ، سؤال كان محور الندوة التي عقدت أمس الاول تحت عنوان quot;فتنة الشعر أم فتنة الرواية: إيقاع التحولات والتغيراتquot; والحكمة تقول: quot;الفتنة نائمة لعن الله من أيقظهاquot; مقدمة تصلح للحياة لأن الفتنة مصطلح سلبي، إلا أن الأمر يختلف عندما نتحدث عن فتنة الإبداع وغواية الأدب، إذ تصبح الفتنة يقظة أو فكرة جاذبة للحوار ومحرضة على الفعل ، ، إذ تصبح الفتنة يقظة أو فكرة جاذبة للحوار ومحرضة على الفعل، وهنا نجح مهرجان دبي الدولي للشعر في إيقاظها لتجلس في قاعة الندوات النقدية مع الشعراء والجمهور في مسرح مدينة جميرا.


ولد عبدي: العالم يعاني حالة احتباس شعري

وفي مداخلته تحدث الدكتور محمد ولد عبدي الباحث الموريتاني الذي يعمل مخططاً ثقافياً في هيئة أبوظبي للثقافة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، مما أثار استغراب الحضور في البداية ولكنهم سرعان ما أدركوا ما يرمي إليه الباحث، إذ قال أن الثقافة أيضاً تعاني من حالة الاحتباس الشعري، الأمر الذي يتطلب من كل المثقفين أن يطرحوا أفكارهم لإنقاذ الشعر من هذه الظاهرة.

وشرح فكرته بأن الشعر يعاني على مستويات عدة أهمها ندرة قراءته وصعوبة وصوله إلى المتلقي، ثم شرح ظاهرة الاحتباس الشعري من داخلها، قائلاً إن هناك عوامل عدة أفرزتها هذه الظاهرة منها السياق الذاتي من مراحل صيرورة الشعر نفسه، وتطور سيرته عبر التاريخ والتي أفرزت اغتراباَ شعرياً عن واقع المجتمع، فقد كان الشعر منذ طفولة البشرية مواكباًَ لكل المراحل الإنسانية، ومعبراً عن قيمها اجتماعياً وجمالياً، ومع اتجاه الشعر صوب ذاته أنكفئ، فكلما تراكمت المعرفة قلت الإنسانية وتراجع الشعر.

وأشار إلى ملامح للتراجع الشعري في هرم الأجناس الأدبية، فبعد أن كان الشعر quot;ديوان العربquot; أصبح تالياً في القيمة والأهمية بعد الرواية، وأشار كذلك إلى أن من أسباب تراجع الشعر كجنس أدبي ذيوع وانتشار الصورة ليس بمعناها الفني ولكن بمعناها السطحي المباشر، وسطوتها على المتلقي بسبب انتشار الفضائيات وصورها.

ومن أسباب تراجع الشعر أيضاً كما يذهب الدكتور ولد عبدي، ظاهرة تسليع القيم التي أفرزتها العولمة، وانتشار الشركات عابرة القوميات، الأمر الذي أسهم ذلك في إفساد ذائفة المتلقي، وابتعاده عن الشعر الذي يكثف القيم ولا يجعلها ظاهرة عابرة سريعة كسلعة. وتساءل الباحث: هل هناك مستقبل للشعر في ظل ظاهرة الاحتباس الشعري، وقال في معرض إجابته أن الشعر وجد في ساحة الانترنت فضاءً رقمياً جديداً لقصيدة جديدة بنمط جديد من الكتابة والتلقي فلم تعد القصيدة ابنة خيال الورق والشاعر فقط، بل صارت قصيدة كاتبها وقارئها يشاركان فيها.

وقد أسهمت الانترنت في ردم الهوة بين الشاعر والمتلقي ولكن هل تصبح القصيدة رقمية وتقطع صلاتها مع نمطها القديم وشكلها الكلاسيكي في إطار ما أنتجته شبكة الانترنت من أدب تفاعلي بين الشاعر والجمهور وشكل صفحة الانترنت.

وفيما أشار ولد عبدي، إلى ضعف المناعة الشعرية أكد الباحث الجزائري الدكتور عبد الر شيد بوشعير أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمارات أن الشعر لم يمت، وأن الرواية لم تقتل فرصته في الحياة، ففتنة الشعر لا تزال موجودة في الوقت نفسه الذي توجد بقوة فتنة الرواية، وقال إذا أردنا أن نعرف أزمة الشعر فلابد أن نتعرض لنظرية الأجناس الأدبية التي رأى الكلاسيكيون أنها ظاهرة حقيقية، بينما رأى المعاصرون أن الجنس الأدبي إطار وهمي غير حقيقي منادين بإلغاء الفواصل بين الأجناس عند كتابة النص الإبداعي.
عبد الرشيد بوشعير: الرواية لم تهزم الشعر والجدل حول الصراع بينهما بيزنطي

وقال إن الجدل حول سيادة جنس على آخر جدل بيزنطي يكاد يكون مفتعلاً، وأشار إلى تجارب عربية تحاول الاستفادة من نظريات الحداثة في الكتابة التي لا تفرق بين الأجناس في النص الواحد، مثمناً تجربة البحريني قاسم حداد في هذا السياق.

وأشار إلى أن الأجناس الأدبية لها دورة حياة مثل الكائنات الحية تولد وفق سياقات اجتماعية وضرورات فنية تلبي حاجات المجتمع ثم تموت، مشيراً كذلك إلى أن الملحمة التي عبرت عن الفترة الإقطاعية ماتت واندثرت تقريباً مع بروز الطبقة البرجوازية التي أفرزت ملحمتها الخاصة وهو الرواية كما قال المفكر الماركسي المعروف جورج لوكاش، إن الرواية هي ملحمة برجوازية.

وقال quot;عندنا في تاريخنا العربي نمط إبداعي هو المقامة الذي كان ملائماً في لحظة ما وما أن انتهى العصر حتى انتفت الحاجة الضرورية للمقامةquot;، وأشار الباحث إلى أنه لا صراع بن الشعر والرواية فهناك مناطق نفسية يجيد الشعر التعبير عنها وهناك مناطق أخرى لا يستطيع الشعر أن يعبر عنها معللاً بروز الرواية بتطور المجتمع وتراكم المعرفة وتحول المجتمع من البداوة (التي تناسب الشعر) إلى المدنية التي تناسب الرواية. مؤكداً في ختام مداخلته أن الرواية مزدهرة الآن ولكن ازدهارها لا يعني موت القصيدة.