وجد عبد النور ndash; إيلاف: quot;إن الانطلاق من رؤية تفترض وحدة الجوهر والاصل والنسبية القائمة في الامور تفترض مفهومًا آخر للتعددية التي نشاهدها في العالم، لأنه عندها لا يكون فصلا في أصل الأشياء بل هو تعداد لها، كما يكون الواقع شاملا للذات والموضوع في آن معًا. هذه رؤية لها انعكاسات من شأنها أن تؤسس لنظرة جديدة تجاه أي سلوك مجتمعي ومن شأنها أن تُغير مفهوم السلطة التي من شأنها ان تنتفي حكما بتعددية المراجع:.
يطرح كتاب ( فكر على ورق ) رهانات جديدة لأفق مغاير لفهم العلاقات و ينتقد الخطابات الأيديولوجية واللاهوت السياسي ويطرح رؤية التنوعات الثقافية عبر مستويات الواقع المتعددة في إطار مفهوم وحدة الوجود. الكتاب يقع في خمسة فصول مُهَّد لها بـquot; إضاءة أولىquot; شملت الأهداف المرجوة منه حيث تقول مؤلفته مروة كريدية :quot; لا أروم من هذا الكتيّب طَرح فلسفة جديدة ولست بصدد معالجة آراء النقاد تأكيدًا أو نفيًا، فلا أدَّعي امتلاك الحقائق المطلقة ، كما أنِّي لا أؤمن بمنهج قدري أعتقد بقدسيته وأسعى للتبشير به، فكل ما يرسمه قلمي من حروف وكلمات ومعاني يعبِّر عن وجهة نظرٍ، قد تكون مميزة في بحر واسع من الآراء وغابات كثيفة من الأفكار.
وجهة نظر قد يُكتَب لها النجاح وقد يكتب لها الفشل، انتقد فيها حتى النقد .. انتقد انغلاق بعض النماذج الفكرية المؤسِسَة للفعل الثقافي والسياسي... انتقاد لا يستهدف الانتقاص بقدر ما يهدف إلى الإفصاح عما نعانيه في آنتنا الرّاهنة. والتي تعود لأفكار تكرس الصراع وتخل بتوازن المجتمعات البشرية .
وأدون خيالات فكرٍ لأشارك بعض من أحبّ أن يُطل إلى الفكر الإنساني بعيون وجودية؛ حيث تلك الطبيعة المُستترة في عمق حقيقتنا الكونيّة الساميّة التي تتجاوز حتى الفكر نفسه.quot;
الفصل الاول جاء بعنوان النقد وإستراتيجية التفكيك حيث تمّ تناول عناوين ثلاث، انطلاقا من مأزق النقد المعمول به حاليًّا كونه لا يخرج عن الاطر التيارية المشحونة بالخلفيات والمواقف المسبقة التي تستجلب نمطًا جدليًّا عقيمًا، لتشير المؤلفة الى ان الفكر عندما يكون إيقاعا وجوديا فإن النقد لا يكون عندها متراسًا وبالتالي لا تُقابَل فيه الحقائق بالحقائق بل يكون هو خروجًا عن الذات للكشف عن اللامفكر فيه في فكرنا . وتؤكد أن حرية الفكر ليست حلاّ توفيقيًّا أم توليفيًا كما الطروحات quot;الترقيعيةquot;، بل الحرية تقتضي التحرر حتى من توصيفات الحرية نفسها، لتصل الى ان النقد هو نَقد للنَقد وتفكيك له أيضًا .
الفصل الثاني ينتقد واقع الفكر العربي وقد جاء بعنوان:quot; الواقع العربي بين الذات الحضارية المنفعلة والطروحات الفكرية العاجزةquot; حيث تعرض الكاتبة quot;للإرث الفكري المرّ والايديولوجيا المستعادة quot; للعرب الذين يحملون إرثهم الحضاري المشحون بالجراح ويتمسكون به مما أدى بهم الى نتاج فكري quot;انفعالي بائس quot; سببه تمسكهم بحقائق السماء وخزائن الارض وأعادهم الى مرحلة ما قبل البداوة ...
وتعود فتتساءل عن ماهية جغرافية الفكرالعربي وما هو مستقبله في ضوء السياق العالمي في وقت انفتحت فيه الدول شكلا فيما انغمست الشعوب ببناء سياج هوية عال تكرس حالة الانفعالية لا تنتج الا نفايات المنطق .
أما في الفصل الثالث فيتناول إشكالية بالغة الأهمية يسأل من خلالها عن quot;الفكر السياسي: أهو صراع حتميات أم تكامل وجودي؟quot; ليناقش ذلك من خلال محاور ثلاث ويخترق quot;حدود الفكر السياسي المعاصر ويفكك الطروحات quot;الملفقة quot; ،ويبين للقارئ انه يكرس العنف والأنوية المتعالية ، ثم تقوم الكاتبة بطرح مقاربة جديدة لدخول عالم السياسة من باب الجمال عبر مقاربة فكر سياسي quot;وجودي quot;يحترم الانسان وحقوقه الضرورية الفطرية من خلال دولة علمانية في مجتمع مدني quot;إيجابي quot; منسجم مع القيم الوجودية ، يكون السياسي فيها quot;نخبة الصالح quot; يدير الحقوق المدنية ويعمل لاحلال quot;العدالة quot; مستندًا على سياسة تنبذ العنف بالكامل.
أسباب الصراعات يتناولها الفصل الرابع وسببها بحسب الكتاب quot; ادعاء الفرد امتلاك الحقيقة quot; الأمر الذي يؤدي إرادة الهيمنة والسلطة التي تلعب عندها دور استراتيجية تحوّل القوى وتُجَسِّد اهدافها من خلال أجهزة الهيمنة المتمثلة بالدولة التي تسوغ العنف عبر القانون.
وصولا الى نقطة (مفهوم تعددية الحقيقة ونسبية المعايير) التي تكسر فيها الكاتبة جدار المألوف والنموذج المُتَصَوَّر في الذهنيات عبر أطروحة تعددية وتجاوزية تلغي فيه منطق الادعاء بالتحكم بالقوانين وتقوض من خلاله الانظمة الأحادية .
في الفصل الاخير دعوة الى quot;انقلاب فكريquot; من خلال quot; تفكيك مملكة الارهاب quot; القائمة على عنف المنطق المعمول به ، لتطرح رؤية جديدة للدخول الى العلم عبر ما أسمته quot;روحنة العلوم من خلال رؤية تكاملية تنفتح على الوجود ؛ وتنهي كتابها كما بدأته بحسٍّ صوفيّ ومقاربة فلسفية قائمة تتمحور حول وحدة الجوهر والأصل quot;وحدة الوجود quot; كمستوى أول ، المنعكسة بصور quot;الكثرةquot; التي تتضمن تعددية لا متناهية في مستوى ثان ، المشمولة بلحمة تكاملية وهو المستوى الثالث .
الجدير ذكره ان الكتاب صادر عن مؤسسة الدوسري للثقافة والابداع في البحرين وهي مؤسسة عكفت مؤخرا بالاشتراك مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم على طباعة ونشر سلسة كتب (عشرة في واحد) بشكل شهري، الذي هو عبارة عن ترجمة وتلخيص أكثر عشر كتب مبيعًا في العالم والمعتمدة في قائمة (البيست سيلر العالمية) في أمريكا وأوروبا في الحقول المعرفية والعلوم الإنسانية كلها، وذلك عبر جمعها وإصدارها في كتاب واحد، لا تتعدى صفحاته الـ250 صفحة من القطع الوسط، ليكون بمثابة وجبة صحية، في المعرفة والعلم والثقافة، ويقوم بالاشراف على هذا المشروع فريق عمل من المترجمين والمحررين والفنيين.
اسم الكتاب : فكر على ورق
المؤلف : مروة كريدية
دار النشر : دار الدوسري ndash; المنامة مملكة البحرين
الطبعة الاولى : 2009
التعليقات