التسوية المطلوبة: إقفال الملف لقاء وقف عمل الحزب في مصر
هل تصدر القاهرة مذكرة بتوقيف نصرالله ؟
نجم الهاشم من بيروت: هل المعركة مفتوحة بين مصر وquot;حزب اللهquot; أم أن هناك مجالا للتسوية ؟ وما هو المدخل إلى هذه التسوية ؟ لماذا انفجر السجال بهذا الشكل ولماذا انتقل من السياسة إلى القضاء وفتح الملفات ؟ وهل يمكن أن يصل الإدعاء المصري إلى الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله ؟ في الأساس لم تكن العلاقة طبيعية بين مصر وquot;حزب اللهquot;. في حرب تموز/ يوليو 2006 كادت أن تنفجر لكنها بقيت تحت المراقبة. كانت مصر بين الدول التي اتهمها الحزب بالمشاركة في التآمر على quot;المقاومةquot; بعد اتهامها quot;حزب اللهquot; بأنه قام بمغامرة غير محسوبة، وهي لم تكن راضية عن حصار quot;حزب اللهquot; للسرايا الحكومية مقر رئاسة مجلس الوزراء ومطالبته باستقالة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ويقال إن السفير المصري السابق في لبنان أبلغ الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; في تلك الأيام ما يشبه الإنذار بأن مصر لن تسمح بسقوط الحكومة ورئيسها.
لكن مصر أدت دورا آخر في مرحلة ما بعد حوادث أيار/مايو 2008 بعد الإشتباكات المذهبية التي وقعت في بيروت وطرابلس والبقاع، وقيل وقتها إن الدور المصري هو البديل من الدور السعودي وأن مصر لا تقبل بدعم الحركات السنية الأصولية في لبنان لتكون الذراع العسكرية للطائفة السنية بدعم من المملكة العربية السعودية بدل quot;تيار المستقبلquot; ولتقف في وجه quot;حزب اللهquot;. وزار مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان لبنان ووضعت زيارته تحت هذا العنوان، إلا أن بعضهم حاول القول إن سليمان جاء يحرض ضد quot;المقاومةquot;، لكن المسائل لم تتعد هذا الإطار قبل أن تعود وتنفجر بعنف خلال الحرب الإسرائيلية على غزة التي كشفت عمق الهوة التي تفصل quot;حزب اللهquot; عن مصر، خصوصا أن الرئيس المصري حسني مبارك كان من أول المحذرين من quot;الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريةquot;.
في 28 كانون الأول / ديسمبر الماضي شن السيد نصرالله هجوما غير مسبوق على النظام المصري واتهمه بالتعاون مع إسرائيل خلال حرب غزة، واعتبر أن الحصار على غزة مشاركة في العدوان الإسرائيلي، ودعا الشعب المصري والجنود والضباط المصريين إلى الإنتفاض وفتح الحدود. وقتها اعتقد الجميع أن السبب يعود إلى موقف مصر من هذه الحرب، ولم يكن قد تسرب بعد خبر توقيف أحد كوادر الحزب مع أفراد شبكة تابعة له بينما كانوا يقومون بنشاطات تتجاوز السيادة المصرية.
الرد المصري على نصرالله جاء من مواقع رسمية وغير رسمية، فاعتبر وزير الخارجية الدكتور أحمد أبو الغيط أن quot; هذا الرجل quot; يريد أن يحول مصر ساحة لمصلحة إيران كما يفعل في لبنان. وفي المقابل توجهت تظاهرات شعبية إلى محيط السفارة المصرية في بيروت وتم رشقها بالحجارة والأحذية الأمر الذي أدى إلى تعزيز الحراسة الأمنية حول السفارة التي كانت في مرحلة الخمسينات والستينات تلعب الدور الأول في صناعة السياسة اللبنانية أيام السفير عبد الحميد غالب.
وسبق أن تلقى السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة تهديدات مباشرة غادر بعدها لبنان، وأطلقت النار على سيارة دبلوماسي سعودي في رسالة إلى المملكة السعودية بعد حوادث 7 أيار/ مايو، وسبق أيضا أن تلقت السفارة الكويتية في بيروت إنذارا بوجود قنبلة فيها ولكن لم تكن هناك أي تطورات أكثر من ذلك. وسبق أيضا أن أوقفت السلطات الأردنية ثلاثة كوادر من quot;حزب اللهquot; كانوا ينقلون صواريخ إلى الأراضي الفلسطينية لكن التدخلات اللاحقة أدت إلى حل المسألة خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 وأطلق الموقوفون من دون أن ينفجر الخلاف بين الأردن وquot;حزب اللهquot;. فلماذا حصل الإنفجار بين حزب الله ومصر ؟
لم تسكت مصر عن اتهامات السيد حسن نصرالله واعتبرتها تحريضا للإنقلاب على النظام، والمصالحات العربية التي رافقت مع القمة العربية في الدوحة لم تشمل هذا الملف. وبعد انقضاء القمة جاء الرد عاصفا عبر النيابة العامة المصرية ليظهر جبل الخلافات كبيرا.النائب العام المصري المستشار عبد الحميد محمود اتهم في بيان السيد حسن نصرالله بأنه أصدر شخصيا أوامره إلى من سماه quot;المسؤول عن وحدة عمليات دول الطوق في الحزبquot; بغية الإعداد لعمليات عدائية في الأراضي المصرية عقب الخطاب الذي ألقاه نصرالله وهاجم فيه النظام المصري أواخر العام الماضي. وكشفت المعلومات عن توقيف أحد كوادر quot;حزب اللهquot; سامي شهاب في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وعن quot;مخطط لتنفيذ اعتداءات ولشراء منازل على الحدود المصرية الفلسطينية ونشر الفكر الشيعيquot;.
بعد الإعلان عن الإتهامات المصرية كان يجب انتظار كلمة quot;حزب اللهquot;، وجاء الرد من السيد نصرالله بمثابة مرافعة شاملة في هذه quot;الدعوىquot; حيث اعترف بأن شهاب ينتمي إلى الحزب وبأنه كان مكلفا مساعدة الشعب الفلسطيني في غزة من أجل كسر الحصار الإسرائيلي على القطاع. ونفى أن تكون هناك أي مهمة لتنفيذ عمليات أمنية داخل مصر. كيف تعاملت السلطات المصرية مع هذا الرد ؟
المعلومات الأولية تشير إلى أن السلطات المصرية كانت تنتظر مثل هذا الرد لتستند إلى ما قاله نصرالله وتدعم لائحة الإتهام ضده. فبعض المراجع تعامل مع كلامه على أساس أنه يعترف بما نسب إليه. لذلك اعتبر مراقبون أن هذا الأمر قد يؤخذ دليلا للإدعاء عليه شخصيا خصوصا مع مطالبة عدد من المسؤولين المصريين بذلك، كما أن تسريبات إضافية عن التحقيقات تحدثت عن دور أكبر لـquot;حزب اللهquot; يتجاوز دور سامي شهاب وعن أن تحضيرات الحزب للعمل داخل الأراضي المصرية تعود إلى ما قبل مرحلة حرب غزة، وأن تلك الحرب لم تكن سوى محطة فيها.
من هذه المعلومات التي تناقلتها وسائل إعلام مصرية بعد كلام نصرالله، أن المتهمين الذين ألقي القبض عليهم أكدوا مسؤولية قيادات في quot;حزب اللهquot; عن التورط في مخطط تخريبي كان يشرف عليه المسؤول عن جهاز استخبارات الحزب، من دون أن تسميه. وتحدثت المعلومات عن أن الحزب أرسل إلى مصر قياديا آخر كان يستخدم اسما حركيا وكان معه جواز سفر مزور استخدمه في الدخول إلى مصر quot; ليقود المخطط التخريبي في البلاد quot;، ولكن لم يتم التأكيد ما إذا كان هذا القيادي هو شهاب نفسه بحيث يكون استعمل أكثر من صفة وأكثر من اسم.
وتحدثت المعلومات أيضا عن قيادي آخر من الحزب يدعى محمد قبلان، اسمه الحركي محمود أقام في مصر بين 2007 و2008 quot; للبدء بتجهيز العناصر الإرهابية ورصدهم واستقطابهم حيث اعتمدت خطة الحزب على إرسال العناصر على دفعات لتكون جاهزة لتنفيذ عملياتها في الوقت المحدد quot; وقد ورد هذا الإسم في محاضر التحقيق التي أجريت مع شهاب وتم نشرها ولا تتوقف المعلومات عند هذا الحد بل هي تذهب إلى حد اتهام الحزب بأنه قد يكون له علاقة بتفجيرات سيناء والعريش وبأنه قد يكون خطط لخطف يهود في سيناء من دون أن تكون هناك معطيات محددة حول هذه الأمور.وقد تبع ذلك تسريب معلومات حول محاصرة القوات المصرية عشرة لبنانيين في سيناء من دون أن يتأكد هذا الخبر. وفي كل يوم تتأمن معطيات جديدة حول التحقيق الذي يبدو أنه قد يكون متعبا لحزب الله وفي الوقت نفسه قد يكون مريحا بعد البدء بتسريب معلومات عن تراجع المتهم شهاب عن اعترافاته الأولية والقول إن الحزب لم يخطط أبدا للعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. هل يمكن أن تفاجئ المعلومات المصرية quot;حزب اللهquot; ؟ وهل هناك أمور أخرى تم اكتشافها في التحقيقات ؟ وهل هناك رد من quot;حزب اللهquot; غير رد نصرالله ؟ نجاحات سابقة نصرالله اعتبر أن دعم الفلسطينيين في قطاع غزة ليس تهمة وأن توقيف شهاب جاء قبل حرب غزة وقبل الكلمة التي هاجم فيها مصر في 28 كانون الأول الماضي وبالتالي فإن الربط بين هذين الأمرين يضعف الإتهام المصري ويفقده المصداقية. وquot;حزب اللهquot; ليس يخفي حروبه السرية ضد إسرائيل وهو يعتمد أكثر من ساحة في هذه الحروب وقد نجح في توجيه أكثر من ضربة استخبارية إلى إسرائيل قبل أن تنجح في اغتيال قائده الأمني عماد مغنية في دمشق عام 1997 نجح الحزب في استدراج وحدة كوماندوس إسرائيلية إلى بلدة أنصارية في الجنوب وأوقع العديد من القتلى فيها وذلك من خلال أحد كوادر الحزب الذي كانت اعتقلته إسرائيل وتمكن من داخل السجن من تأمين الإتصال بحزب الله ومن التلاعب بالإستخبارات الإسرائيلية قبل أن يتمكن الحزب من استعادته من إحدى الدول الآسيوية إلى لبنان. وتمكن الحزب من خلال تعاون أحد الفلسطينيين قيس عبيد من استدراج العقيد الإسرائيلي الحنان تننباوم إلى بيروت واعتقاله ومبادلته لاحقا مع العديد من الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. واستطاع الحزب أن يجند عملاء له داخل الجيش الإسرائيلي كالضابط عمر الهيب من بدو النقب، كما تمكن من إدخال أحد رجاله عبر جواز سفر أوروبي إلى القدس حيث كان يحضر لتفجيرات عندما انفجرت عبوة بين يديه في فندق الملك داوود وقد أنكر الحزب علاقته به في البداية ثم استعاده في إطار إحدى عمليات تبادل الأسرى مع إسرائيل قبل أن يستعيد نسيم نسر اللبناني الذي كان يحمل الجنسية الإسرائيلية وأوقفته إسرائيل داخل أراضيها بتهمة نقل معلومات إلى quot;حزب اللهquot;. لذلك يعتبر الحزب أن دعمه للفلسطينيين وحركة quot;حماسquot; في قطاع غزة ليس جديدا وهو يدخل ضمن إطار حربه الشاملة مع إسرائيل. ولكن بين هذه الرغبة التي لديه وبين منطق سيادة الدولة المصرية مسافة كبيرة. فقد اعتبرت مصادر مصرية quot; أن مصر ليست وكالة من دون بواب وأن ليس بإمكان الحزب أن يعمل فيها كأن لا دولة فيها وليس بإمكانه أن يدعو إلى إسقاط النظام على أساس أن لا أحد يمكنه أن يزايد على مصر في دعمها للقضية الفلسطينية على مدى عقود وهي التي خاضت حروبا ضد إسرائيل quot;. لذلك يبدو أن الحرب المفتوحة بين مصر وquot;حزب اللهquot; ستستمر ولن تتوقف عند حدود اتهام الحزب بنشر التشيع في المجتمع المصري وقد لا تكون في الحسابات المصرية أي حصانة للسيد حسن نصرالله بحيث يتم التعامل معه على قاعدة المعلومات المصرية وعلى أساس أنه متهم ومتهم فقط. ولذلك تتساءل بعض المصادر عما إذا كانت هذه الأزمة ستصل إلى حد الإدعاء عليه شخصيا. وأكثر من ذلك هناك تساؤل حول ما إذا كانت مصر تتجاوز الخطوط الحمر وتصدر مذكرة بتوقيفه وتطلب من الحكومة اللبنانية تسليمه إليها. وإذا حصل ذلك فماذا سيكون موقف الحكومة اللبنانية وهل تتحسب لمثل هذا الأمر ؟ وهل المطلوب من الدولة اللبنانية أن تستبق هذه التطورات من أجل أن تعمل على حل الأزمة بين مصر والحزب ؟ أم أنها ستنتظر المعلومات الرسمية المصرية لتتعاطى معها بصفة رسمية أيضا. كل ذلك كان يحصل وسط تساؤلات كثيرة حول الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة مع عائلته إلى الغردقة في مصر في 9 نيسان/ أبريل الحالي لتمضية إجازة قصيرة واستمرت أياما بينما كان القضاء المصري يوجه اتهاماته ضد quot;حزب اللهquot;. وبعد عودته استقبل السنيورة السفير المصري في لبنان أحمد فؤاد البديوي والسفير اللبناني في مصر الدكتور خالد زيادة للبحث في ما يجري. كما أن السفير المصري زار الرئيس ميشال سليمان والرئيس نبيه بري ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان والوزير ابرهيم شمس الدين وأكد أن مصر لا تستهدف الشيعة. واعتبر مراقبون أن هذه التحركات تصب في مصلحة تسوية الخلاف بين مصر وquot;حزب اللهquot; على قاعدة أن يأخذ التحقيق المصري مجراه وأن يتم حصر التهمة، وأن يتعهد quot;حزب اللهquot; في المقابل بوقف نشاطه عبر الأراضي المصرية وعليها بحيث يصبح هناك بعدها ما يشبه الهدنة الطويلة بين الطرفين.
هل تقبل مصر بهذا المخرج ؟ وهل يقبل quot;حزب اللهquot; ؟ ما هو موقف الدولة الرسمي من هذه المسألة وهل تتحمل تبعة ما يقوم به quot;حزب اللهquot; ؟ وهل تراعي الموقف المصري أم موقف quot;حزب اللهquot; ؟ وهل من مصلحتها أولا تسوية هذا الخلاف ؟ وأكثر من ذلك، هل إن ما يقوم به الحزب يدخل تحت عنوان quot;عمل المقاومةquot;، وبالتالي هل هو من ضمن quot;استراتيجية الدفاع عن لبنان؟quot;.
التعليقات