لا يخفي العراقي هادي العامري تبعيته لإيران، بل يفاخر بها العراقيين جميعًا، ويصف الجنرال قاسم سليماني بأنه صديق ومقاتل جيد.
إعداد عبد الاله مجيد: شهدت العقود الثلاثة الماضية هادي العامري محاربًا مع إيران ضد بلده خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية في الثمانينات، وقائد ميليشيا متهمًا بتزعم "فرق موت" ضد السنة، وعضوًا في مجلس النواب، ثم وزيرًا للنقل. وأصبح الآن زعيم يقود ميليشيا منظمة "بدر" تحت لواء "الحشد الشعبي" ضد تنظيم (داعش).
سطوة العامري
عندما كان الجيش العراقي يقف على حافة الانهيار في الصيف، قدم العامري خدماته بوصفه قائد ميليشيا لا غنى عن خبراتها القتالية. وبعد سقوط الموصل بيد داعش في حزيران (يونيو)، قاد العامري رجاله في محافظة ديالى شمال بغداد. وأعجب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأدائه حتى انه لم يكتفِ بتسليح منظمة بدر بل وضع كل القوات العسكرية والأمنية العراقية في ديالى تحت قيادته.
وقال العامري: "عملتُ كل يوم لمدة اربع سنوات ولم يعترفوا بذلك قط. الآن، بعد أربعة أشهر من عملي مقاتلًا، فإن كل ما يتحدثون عنه هو العامري". وفي حين أن تولي حيدر العبادي أنعش الآمال بتشكيل حكومة أوسع تمثيلاً، أي أقل خضوعًا لهيمنة الأحزاب الشيعية، فإن سطوة العامري على العكس تنامت بقيادة رئيس الوزراء الجديد.
استفزاز للسنة
يدرك العامري حاجة العبادي إلى القوات الخاضعة لقيادته. وقال العامري في لقاء مع مجلة فورين بوليسي: "قُلت للعبادي إذا كنتَ تريدنا أن نُعطيك كل اسلحتنا ونجلس في بيوتنا فلا مانع لدينا، لكن إذا سيطر داعش على بغداد فإن هذه ستكون مشكلتك حينذاك". وضجّ المساعدون الذين كانوا جالسين في حديقة العامري بالضحك.
لم يترك العبادي محافظة ديالى تحت قيادة العامري فحسب، بل سلمه منصبًا امنيًا حساسًا ايضًا، إذ كان رئيس الوزراء الجديد يفكر في تعيين العامري وزيرًا للداخلية لولا المعارضة التي لاقاها من نواب في البرلمان، قالوا إن تعيينه بهذا المنصب سيكون استفزازًا للسنة يعمق الانقسام بين العراقيين. لكن العامري كان الرابح رغم ذلك بتعيين مسؤول مغمور نسبيًا من منظمته وزيرًا للداخلية هو محمد سالم الغبان، نائب كتلة بدر.
ومن خلال هذا التعيين، تسيطر منظمة بدر الآن على الشرطة الاتحادية والأجهزة الاستخباراتية وميزانية تسلح تضاهي ميزانية وزارة الدفاع.
سليماني صديقي
في هذه الأثناء، عمل انصار العامري على ترويج انتصاراته. وخلال الحملة من اجل استعادة السيطرة على ناحية جرف الصخر غمرت مواقع التواصل الاجتماعي صور العامري، وهو يدرس خرائط عسكرية بدعوى اشرافه على العمليات العسكرية. وظهر العامري في إحدى الصور مع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وكان الاثنان معًا خلال طرد مسلحي داعش من آمرلي في وقت سابق حيث تحدثت تقارير عن تصويرهما يصليان معًا.
لا ينكر العامري ارتباطاته بإيران، بل يتباهى بها. وقال في حديثه لمجلة فورين بوليسي: "سليماني صديق ورجل طيب ومقاتل جيد". واضاف أن منظمة بدر تفتخر بتحالفها مع طهران، مؤكدًا: "ليس هناك ما يُخفى هنا. إذ لدينا حدود تمتد 1400 كلم مع إيران، ونحن جاران، فما العمل؟ نحن لا نسكن العراق بالايجار ولا يمكن أن ننتقل إلى مكان آخر".
لكن انتصارات العامري وسليماني تحققت بثمن باهظ، دفعه عراقيون آخرون. فبعد السيطرة على ناحية جرف الصخر أخذت انباء ترد عن انتهاكات صارخة ارتكبها مقاتلو الميليشيات الشيعية. وقالت مصادر حكومية عراقية وأمنية غربية أن ميليشيات شيعية قامت بتعذيب واعدام سنة من سكان جرف الصخر للاشتباه بتعاطفهم مع داعش.
انتهاكات منهجية
قالت آرين أيفرز، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان، إن منظمة بدر مسؤولة عن انتهاكات "منهجية" مشيرة إلى أن الاتهامات الموجهة ضد بدر تمتد من خطف الأشخاص واعدامهم جماعيًا إلى تهجير السنة من بيوتهم ثم نهبها وحرقها، وفي بعض الحالات تسوية قرى كاملة مع الأرض.
العامري لم ينكر هذه الانتهاكات، لكنه قلل من خطورتها، قائلًا: "بالطبع، كانت هناك اخطاء وأنا متأكد من انه ما زالت هناك اخطاء". واشار إلى أن مرتكبي هذه الانتهاكات متطوعون جدد لم يتلقوا التدريب اللازم.
وحذرت ايفرز من أن الانتهاكات المستمرة أشد مدعاة للقلق الآن بعد أن تولت منظمة بدر رسميًا قيادة وزارة الداخلية. وقالت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش: "نشاهد اضفاء طابع رسمي على حكم الميليشيات في العراق".
رأيه مغاير
كما هو متوقع، لدى العامري رأي مغاير، ويعتبر رجال الميليشيات الشيعية قوة لا غنى عنها في الحرب ضد داعش. لكنّ مراقبين يرون أن صعود العامري والميليشيات قد يكلف العراقيين غاليًا حتى إذا تمكنت الحكومة العراقية من الحاق الهزيمة بتنظيم داعش. فإن هذه المعركة تنذر بصعود زعماء حرب طائفيين سيزرعون بذور الفتنة في العراق بعد زمن طويل على انتهاء الحرب الحالية ضد داعش.
وينظر العامري منذ زمن طويل إلى مناصبه الحكومية على أنها ليست خدمة وطنية بل طريقة لإثراء نفسه وإثراء شبكته من المحاسيب والأزلام، بحسب مسؤولين ومحللين تابعوا مسيرته. وكان من الجائز أن يُعد تعيينه وزيرًا للنقل في العام 2010، وهو منصب لا يتناسب مع نفوذه، لكنه خدم مطامحه على أحسن وجه.
وقال كيرك سويل، المحلل المختص بالمخاطر السياسية، إن وزارة النقل ليست وزارة مهمة بصفة خاصة، إلا إذا صادف أن يكون وزيرها قائد ميليشيا. وبحسب سويل، فإن العامري استخدم منصبه لتعزيز علاقاته بإيران وإثراء منظمته بدر بتوجيه اموال الوزارة نحو شركات واجهة ترتبط بمنظمة بدر.
فساد الداخلية
يُقال إن العامري سمح خلال توليه وزارة النقل بمرور الطائرات الإيرانية المحملة بالسلاح إلى نظام بشار الأسد في سوريا عبر الأجواء العراقية. لكن المثال الصارخ على فساد الوزارة بقيادة العامري كان في آذار (مارس) الماضي، عندما أجبر طائرة عراقية كانت متوجهة إلى بغداد على العودة إلى بيروت، لأن نجله وصل إلى المطار متأخرًا وفاتته الطائرة.
ونقلت مجلة فورين بوليسي عن مسؤول في شركة الخطوط الجوية العراقية التابعة لوزارة النقل قوله عن هادي العامري: "كنتُ أكره هذا الرجل". وأشار المسؤول إلى تدني مستوى العمل في الوزارة بسبب تفشي المحسوبية والفساد على حساب الكفاءة والمؤهلات. وقال المسؤول إن الترقيات كانت تقتصر على اعضاء منظمة بدر حصرًا، وإن العامري كان يعمل لمنظمته فقط وليس لكل البلد.
وحين يتعلق الأمر بالأمن، فإن العامري يعطي الأولوية إلى القوة الغاشمة على المصالحة بين مكونات الشعب العراقي. وقال لمجلة فورين بوليسي: "علينا أن نبني مزيدًا من المناطق الخضراء، لتحسين الأمن في العاصمة العراقية". واوضح قائلًا: "لو بنينا منطقة خضراء كل عام خلال الأعوام الأحد عشر الماضية لكانت بغداد كلها محمية".
والمعروف أن المواطن العراقي الاعتيادي الذي يدخل المنطقة الخضراء حيث يعيش العامري وافراد النخبة السياسية العراقية يخضع لإجراءات تفتيش دقيقة تفوق الاجراءات الأمنية المعتمدة في غالبية مطارات العالم. ولكن العامري لا يرى ذلك كافيًا، وقال إن الوضع الأمثل هو أن يكون لكل عضو في البرلمان حي سكني محصن خاص به يحميه حراس شخصيون.
وفي حين أن العامري ليس بأي حال من الأحوال المسؤول العراقي الوحيد الذي يستخدم منصبه للاثراء الشخصي أو لديه افكار غريبة بشأن إعادة الاستقرار إلى العراق، فإن ارتباطاته الإيرانية قد تكون مشكلة أكبر من أي فساد.
وقال النائب ضياء الأسدي رئيس كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري في مجلس النواب العراقي إنه لا يستطيع أن ينكر الدور القوي الذي تقوم به إيران في منظمة بدر. ونقلت مجلة فورين بولسي عن الأسدي قوله "إن انتماء العامري السياسي هو للعراق والحكومة العراقية، ولكن إيران ستبقى ضميره وقائده المعنوي".
في هذه الأثناء نفى العامري أن إيران تقوم بتسليح منظمة بدر مباشرة. واضاف "اننا لا نحتاج إلى اسلحة بل لدينا اسلحة. فنحن الآن جزء من الحكومة العراقية".
التعليقات